Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شهر على الانفجار: "غبار بيروت" يتجه نحو الداخل العربي

الغمامة البرتقالية الناتجة عن التفجير يُرجح أنها الطبقة الغنية بثاني أوكسيد النيتروجين NO2 وجزيئيات أخرى

شهر مضى على انفجار مرفأ بيروت، ولم تُقدم رواية لما حصل، وتكتسب هذه العملية أهمية كبرى في تمكين العلماء من الوصول إلى نتائج يقينية لناحية الأضرار البيئية والصحية على المنظومة الأيكولوجية. ويبدأ هذا المسار بتحليل العناصر الكيماوية للغبار الناجم عن الانفجار، وصولاً إلى تحديد مكوناتها الجزئية، ما يفتح الباب أمام البحث عن آثارها وطرق المعالجة العلمية الموثوقة.

ما زال مشهد تفجير المرفأ ماثلاً في أذهان اللبنانيين والعالم، ذلك الفطر العملاق الذي يشبه الانفجارات النووية، قاد هذا الشكل إلى كثير من التحليلات حول طبيعته وتأثيراته. وتلفت المصادر العلمية إلى أن الهيئة الوطنية للطاقة الذرية تتحرك عند أي تفجير مشابه بصورة تلقائية من دون انتظار أمر من القضاء، وتجري الفحوص وتعلن النتائج التي تؤكد أن ما جرى ليس سراً، ولم نكن أمام انفجار نووي. ويدفع هذا إلى الانتقال إلى تفاعلات كيماوية أسهمت في التفجير القاتل.

يقسّم الفطر الذي نتج عن الانفجار إلى ثلاثة أجزاء: الرأس الذي نتجت عنه غمامة برتقالية، يُرجح أنها الطبقة الغنية بثاني أوكسيد النيتروجين NO2 وجزيئيات أخرى، والطبقة الوسطى هي التي تشتت فوق البحر، والطبقة السفلى التي تبددت في بيروت والبحر، وهي الأخطر بسبب تماسها مع الناس، ويمكن أن يتنفسوها باستمرار، طالما لم تنته عمليات إزالة الركام.

"رأس الفطر"

يفضل شربل عفيف، مدير قسم الكيمياء بكلية العلوم في جامعة القديس يوسف، الحديث عن غمامة ارتفعت إلى ما لا يقل عن 350 متراً في الجو، وكانت تحمل كمية كبيرة من الملوثات NO2. وقد رأى أهالي البقاع غيمة برتقالية عبرت فوق منطقتهم، وخرجت من لبنان.

ويؤكد عفيف، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن الكمية الكبرى من المواد الملوثة غادرت لبنان بعد ساعات عدة من الانفجار، مضيفاً أنه "بعد ست إلى 12 ساعة من وقت الانفجار، لم يعد هناك تلوث هوائي قوي". ويرجع عفيف السبب في هذا "الفأل الحسن" إلى أن اتجاه الرياح كان نحو البحر في ذاك النهار، ما حال دون دخول الملوثات (الجزء المتوسط) بجزئها الأكبر إلى اليابسة في بيروت. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخطر ما زال كبيراً، لأن جزءاً من الملوثات نزل في البحر، ما يُلحق ضرراً بالماء والأسماك والطحالب.

وغادرت المواد التي كانت تؤلف "رأس الفطر" لبنان بفعل ارتفاعها والتيارات الهوائية، واتجهت نحو الداخل العربي، ويُعتقد أن جزءاً منها قد يصل إلى الأردن وسوريا، إذ يفترض بهما إجراء تحاليل مخبرية لمعرفة مقدار المواد الملوثة التي نتجت عن انفجار بيروت، ونقلتها الرياح إليهما. بينما وصل إلى بيروت بقايا المواد التي كانت في المرفأ، إضافة إلى المواد الناجمة عن دمار الأبنية، وركام المستشفيات المدمرة (الروم، وراهبات الوردية، والجعيتاوي، والكرنتينا الحكومي).

ويلفت عفيف إلى أننا حتى الساعة "لا نعلم بصورة نهائية ماهية وتركيبة الغبرة التي نتجت من الانفجار". وهذه مسألة غاية في الأهمية لتحديد "سمية الجزيئيات"، لأن درجة خطرها لا تقتصر على كميتها في الهواء، إنما أيضاً تركيبتها والمكونات التي تدخل فيها. وتراوح المخاطر بين مواد مسرطنة بالمباشر: مثل الأسبستوس Asbestos الذي يستخدم في تمديد البنى التحتية وقساطل المياه وعازل في بناء البيوت القديمة وألواح الأترنيت، في مقابل، مواد مضرة بالصحة تتفاوت تأثيراتها حسب الكمية.

ويوضح عفيف أن تحديد الأثر البيئي للانفجار يتوقف على أخذ العينات وتحليلها، ذلك أنه "لا تتوافر جردة دقيقة للعناصر الموجودة في المرفأ والمناطق محيط"، إضافة إلى المخلفات من جهة البحر، والمواد الصلبة التي نتجت عن التفجير داخل المدينة من زجاج محطم وAsbestos، وسائر مواد كيماوية متنوعة.

ويحتاج الخبراء إلى أخذ عينات من الغبار المتطاير في الهواء، ومن الماء والنفايات الصلبة الناتجة من التفجير وأكوام الردم، ليس من أجل تحديد سميتها فحسب، بل من بهدف تحليلها وتحديد كيفية التعامل معها ومعالجتها أيضاً. هذه المسألة بدأتها أخيراً جهات دولية بالتعاون مع الجيش اللبناني.

ويحذر عفيف من أسلوب التخلص من الركام، لأنه ما زال يتصف بالعشوائية من جانب الجهات التي تتولى عملية رفع المخلفات الصلبة، ورميها في أماكن غير صحية.

المواد تبقى حية

بعد مرور فترة على الكارثة، يبقى السؤال إذا ما كانت المواد الناتجة من انفجار نترات الأمونيوم، ما زالت حية؟ ومدى محافظتها على تركيبتها وخصائصها الكيماوية؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير عفيف إلى أنه "كان يوجد اتفاق بين الجهات الدولية والمحلية لأخذ العينات من داخل المرفأ وخارجه في فترة زمنية واحدة، لعدم التشكيك في النتائج، والقول إن هناك عينات حديثة وأخرى قديمة، وإجراء الاختبارات في الوقت نفسه". وقام الاتحاد الأوروبي بتأمين التمويل، لإجراء التحاليل المخبرية.

وتتضح أهمية إجراء الفحوص للوصول إلى خلاصات علمية دقيقة، ويجيب عفيف عما إذا كان "سبب التأخير ناتجاً من وجود مواد كيماوية غير معلنة إلى جانب النترات"، بالقول إن الفريق الذي يشارك فيه، لا يجري التحقيقات من منطلق جنائي، إنما تحليل تركيبات النفايات الصلبة الناتجة من الانفجار، من أجل تحديد مآلها النهائي، وتحديد الأسلوب الأفضل لمعالجة المناطق المتضررة من الناحية البيئية في البر والبحر والهواء.

ويجزم عفيف أن المواد الكيماوية الخطرة Hazardous، تعيش طويلاً، ولا تتحلل خلال فترة شهر. لذلك، تتجه الفحوص إلى تحديد الهيدروكاربورات، والمعادن الثقيلة، وكمية Asbestos، وغيرها من المواد، وصولاً إلى تصنيفها ومعالجتها.

ويؤدي تسرب المركبات الكيماوية الخطرة إلى تلويث التربة والمياه الجوفية، وتسمم الثروة السمكية التي يستهلكها الإنسان، إلا أن ذلك يتوقف على إجراء الفحوص الخاصة التي ما زالت مؤجلة إلى حين أخذ العينات.

ويطمئن عفيف أن جزءاً كبيراً من الملوثات خرج من لبنان، ولم تحصل الأمطار الحمضية. كما أن حركة التيارات البحرية تخفف من شدة التلوث قبالة شاطئ بيروت.

الانتباه ثم الانتباه من الغبار

في غياب المعرفة الدقيقة للمواد الناتجة من الانفجار وخصائصها، يوجه الخبراء نصيحة إلى المتطوعين والسكان والعاملين على الأرض في منطقة الانفجار، باتخاذ الإجراءات الوقائية المضاعفة للوقاية من كورونا ومن المواد السامة. ويوضح عفيف أن التماس مع الردم يؤدي إلى تحريك الغبار وتصاعده مجدداً، لذلك فإنه يجب رش الماء لتخفيف كمية الغبار، واستخدام القفازات والنظارات المقفلة لحماية العيون من دخول الغبار إليها، واستخدام قناع على الأقل N95. ويكشف عفيف عبر "اندبندنت عربية" عدم توافر كمية كافية من الأقنعة الواقية في لبنان من مادة Asbestos الخطرة، لأننا لم نكن مستعدين لهذه الكارثة.

وينصح عفيف السكان الذين يقطنون في محيط الانفجار بإجراءات وقائية بسيطة، "إقفال النوافذ إن كانت متوافرة، وتشغيل التكييف المركزي، وتنظيف الشرفات باستمرار، واستخدام قطع قطنية والماء، ووضع الكمامات".

ويعتقد عفيف أنه مع عدم اعتماد الوسائل العلمية في القريب العاجل، ستستمر المخاطر قائمة في ظل التعرض المستمر لهذه المواد الخطرة الموجودة بين الناس.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير