قد يكون من الأفضل إطلاق تسمية "التقوا آل ترمب" Meet the Trumps على المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي انطلق هذا الأسبوع على مدى أربعة أيام في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا. وكما لو كان حلقة أولى من برنامج جديد لترمب في تلفزيون الواقع، وأطل فيه ما لا يقل عن ستة من آل ترمب، أي تربط نصف مجموع المتحدثين "الرئيسيين" علاقات قرابة مع بعضهم بعضاً، وهذا بالكاد يرقى إلى إظهار التنوع، كما لاحظ كثيرون بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب الرئيس دونالد، الذي يتحدث في كل واحد من الأيام الأربعة، سيطل دونالد الابن وميلانيا وإيفانكا وإريك وتيفاني. وسيكون الأمر مفاجئاً جداً إذا قال هؤلاء، أو فعلوا، أي شيء آخر غير الإمعان في إرضاء غرور شخصية دونالد الضعيفة كما هو معروف، مهما تبدو عملاقة. لذا، فسيكون المؤتمر حدثاً مرتبطاً بشخصية ترمب وليس بالحزب الجمهوري. ولقد وجد معظم قادة الحزب الآخرين أموراً أفضل تستحق انشغالهم، وبعضهم ربما يفضلون سراً جو بايدن.
فيما عدا ذلك، ما الذي يمكن توقعه؟ خطابات من مايك بنس ومن وزير الخارجية مايك بومبيو مباشرة من القدس، ومن عصابة "البائسين" والمدافعين الفخورين عن ترمب ورموز قواعده، بمن فيهم زوجان واجها بالأسلحة النارية بعض المتظاهرين من حركة "حياة السود مهمة." لذا، توقع (كثيرون) أن يكون المؤتمر استفزازياً.
وفي ما يتعلق برسائل المؤتمر، فكانت سلبية ومليئة بالنعوت إلى أبعد الحدود، على غرار "جو النائم" Sleepy Joe و"الشريرة كمالا" Nasty Kamala. ويُفترض أن يكون بايدن غير مؤهل من الناحية العقلية، فيما يُزعم أنّ هاريس ليست أميركية على الإطلاق. ويُعبر المؤتمرون عن توقعاتهم بأن الديمقراطيين سيسرقون الانتخابات عن طريق إساءة استخدام التصويت عبر البريد (لكن ليس في حال فوز ترمب). ويتعهد ترمب بجر الجميع إلى المحاكم لإلغاء النتيجة باعتبارها مزورة وفرض أزمة دستورية من خلال الحيلولة دون اجتماع المجمع الانتخابي بحلول، الإثنين 14 ديسمبر (كانون الأول)، (وهو التهديد الذي من المفترض أن يدفع أعداءه إلى التنازل). وسيحذر ترمب من تحوّل الاقتصاد إلى ما يشبه فنزويلا (ولقد قال ذلك بالفعل)، وكذلك سيحذر من حكم الغوغاء في حال فوز الديمقراطيين، الذين سيبيعون أميركا إلى الصين ويتسببون في إفلاس البلاد.
إنها سلسلة من الادعاءات التي يمكن التنبؤ بها، وقد تلقى قبولاً لدى البعض إذا أضفيت عليها صبغة عنصرية. أما آخرون فقد يشعرون بالإرباك بسبب هجوم ترمب على بايدن، ويدفعهم إلى التساؤل: هل يمثل "النائم جو" خياراً لرئاسة تقليدية متدرجة وهادئة على طريقة آيزنهاور، أم خياراً ثورياً خطيراً على أسلوب شافيز؟
يُفترض، كما جرت العادة، أن يحصل ترمب على بعض الزخم من كل تلك الدعاية يرفع أسهمه مجدداً، على الرغم من بعض سلوكياته الجامحة. وسيستخدم الرئيس صور مواقع فيدرالية مختلفة كخلفيات مهيبة، بما في ذلك صورة البيت الأبيض أثناء خطاب السيدة الأولى. كما سيستغل ترمب القدرة على القيام بأشياء فعلية لجذب اهتمام وسائل الإعلام (كما فعل عندما أعلن عن علاج البلازما لكوفيد-19). وسيحظى من الآن حتى نوفمبر (تشرين الثاني) بجميع مزايا وجوده في منصب الرئيس للتحكم في أجندة الإعلام. وبصفته ناشطاً انتخابياً، يتميّز بخشونة ومكر رجل عقارات وضيع، لا ينبغي أن يستهين به الديمقراطيون، حتى في هذه البيئة السياسية غير الطبيعية والخالية من الحشود. هل من أحد يتذكر عام 2016؟ إن المستضعفين يتوقعون أن يفعل ترمب ما فعله بهيلاري (كلينتون)، وأكثر من ذلك.
غير أن هناك سلبيات مرتبطة بشغل منصب الرئيس. فعلى الرغم من أنه حاول جاهداً استعادة روح شعاره الانتخابي لعام 2016 "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى،" فإنه كان يدير الأمور خلال الشطر الأكبر من فترة الأربع سنوات الماضية بنتائج متباينة. كما أن هناك حدوداً لما يمكن إلقاء اللوم فيه على الطبقة الفاسدة. وبصفته مرشحاً بلا خلفية سياسية ومتمرداً خاض الانتخابات ضد كلينتون، فقد تعهّد بشكل مبهم بوضع "أميركا أولاً"، وكان باستطاعته أن ينتقد بازدراء المؤسسة السياسية بأكملها (كلا الحزبين)، وهو أسلوب يلقى القبول دائماً من الناخبين الذين يشعرون أنهم يتعرضون للإهمال – وكأنه يقول للأميركيين إن "الطاعون قد اجتاح منزليكم كليهما".
والآن ها قد حل الطاعون في بيت ترمب، ولم ينجح في السيطرة على "فيروس الصين". وبينما يذوب الاقتصاد، يُستبعد وصول أي لقاح من جامعة أكسفورد في الوقت المناسب لإنقاذه. ففي النهاية، اتّضح أنّ كوفيد-19 لم يكن خدعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والحقيقة هي أن الأميركيين تعرّفوا على دونالد وبقية آل ترمب منذ فترة طويلة، وهم يعرفونهم جيداً (بضجر أحياناً). علاوة على ذلك، فسجل ترمب الرئاسي واضح للجميع ليحكموا عليه، وكذلك هو أسلوبه ووعده بالمزيد من الشيء نفسه في الولاية الثانية، ومع ذلك فستصوت له ملايين عدة.
بيد أن أسلوب ترمب لم يُقابل بالكثير من الحماس خارج كتلة "الناخبين الأساسيين" core vote الذين يُشكلون قاعدته. ولا شك أن هذه القاعدة لا تزال مُخلصة له، ولا يُخيفها أي شيء يقوله أو يفعله. فقبل أربع سنوات، كان هناك حديثه عن لمس النساء grabbing women (بشكل غير أخلاقي) ، و(ترويجه) نظرية المؤامرة حول مولد أوباما، والحرب على التجارة الحرة، والشائعات المتعلقة بروسيا، والاستخفاف بحلفاء أميركا باعتبارهم مستغلين. لقد كان هو المرشح المناهض لأوباما، وكان ذلك يناسبهم.
والآن، هم لا يخشون من خطر حرب أهلية وشيكة، ولا من نصيحة شرب مسحوق التبييض ولا من قراره بتغيير المعايير الأميركية الناظمة لمستوى ضغط المياه في رؤوس "دوشات" الاستحمام. علاوة على ذلك، هناك قضايا الممثلة الإباحية ستورمي دانيلزStormy Daniels ومحاولة عزله من منصبه، ومراوغاته حول العرق وحركة حياة السود مهمة وفوضى إدارته، وما تكشف عن ثروة عائلته والطرق الغريبة، كلها جاءت واختفت، ولا تزال كتلته الأساسية متماسكة كما هي.
غير أن متاعب الجمهوريين تتمثل في أنه أصبح واضحاً أن تحفيز الناخبين الأساسيين لم يعد كافياً، وأن قاعدة ترمب الانتخابية ضئيلة للغاية بحيث لا تكفي لضمان النجاح. لذا فإن ترمب حالياً هو في الحقيقة مجرد سياسي آخر، وإن كان لا يزال سياسياً غير عادي، يتم الحكم عليه وفقاً للمعايير التقليدية مثل الكفاءة والقيادة والإنجاز. وببساطة، لم تكن السنوات الأربع الماضية مثيرة للإعجاب بما فيه الكفاية، سواء من الناحية السياسية أو الإستراتيجية أو الاقتصادية، مع أن كوفيد قد شوّه الصورة. فلا أحد يتحدث عن الجدار مع المكسيك (باستثناء فريق ستيف بانون القانوني)، بينما سئم العديد من الأميركيين، أو على الأقل ما يكفي منهم، (استمرار) الصراع والنار والغضب وينظرون بإيجابية إلى الحقبة المقبلة من "جو النائم". كما سيرغبون في وضع حد لأعمال الشغب والصراعات. وبالنظر إلى الماضي لا تبدو سنوات كلينتون وبوش الابن وأوباما سيئة للغاية، مقارنة بالمسار الذي لا يمكن التنبؤ به لولاية ترمب الثانية. وحتى لو كان "جو النائم" متقدماً في السن، وكانت هاريس ليبراليةً بعض الشيء، فسوف "يقر قرارهم على دعم بايدن"، كما يُقال بصورة رائجة على تويتر، بدلاً من أربع سنوات أخرى من الصدمة تحت وطأة ترمب.
© The Independent