لا تنتهي قصص النساء المعنفات في العالم العربي ومنها الجزائر، بيد أن وصولها إلى القتل على أيدي الأزواج، حركت جمعيات نسوية جزائرية للدعوة إلى التبليغ عن التجاوزات بدواعي أن "الصمت المتواطئ والإجرامي المتكرّر عبارة عن إعلان مسبق عن جرائم قتل النساء".
قصص صادمة
من بين القصص الصادمة التي عايشها الجزائريون، ما تعرضت له امرأة على يد زوجها، في مدينة بسكرة (400 كلم عن عاصمة الجزائر)، الذي حاول قتلها بسكب البنزين عليها وإضرام النار في جسدها، بسبب خلاف عائلي بسيط، لرغبة الزوجة في زيارة أهلها في عيد الأضحى.
واستطاعت قوى الأمن توقيف المتهم الخمسيني في أعقاب بلاغ من طرف أبناء الضحية، التي تعرضت لحروق خطيرة في كامل جسدها، من الدرجتين الثانية والثالثة، وأودع الزوج رهن الحبس المؤقت إلى غاية محاكمته بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بواسطة الحرق.
في المقابل، لقي زوج آخر المصير ذاته أي الحبس، بعد تورطه في جريمة قتل شنيعة في العاصمة، حين أقدم على قتل زوجته الحامل وابنه في شهره السابع داخل منزله، ولم يكتف المجرم بقتل الزوجة، إذ "استخرج الجنين من بطنها وذبحه أيضاً". وخلفت الجريمة البشعة صدمة كبيرة لدى الشارع الجزائري، الذي طالب بتسليط أشد العقوبات على المجرم.
جمعيات نسوية تتحرك
في موازاة هذا الواقع المرير، وجّهت جمعيات نسوية نداءً حمل عنوان "أوقفوا العنف ضد النساء وجرائم قتل النساء"، جاء فيه أن "العنف الذكوري يقتل ويقوم مجتمعنا في مجمله بقبوله وتبسيطه وتبريره".
وبحسب الدراسة التي أعدتها الجمعيات وحصلت عليها "اندبندنت عربية"، فإن 36 امرأة قتلت، في الفترة من شهر يناير (كانون الثاني) حتى أغسطس (آب) 2020، هنّ في كثير من الأحيان أمهات لأطفال عدّة، خلّفن وراءهن عائلات محطمة وأطفالاً أيتاماً.
وتقول الوثيقة إن "36 جريمة قتل نساء أحصتها ناشطات نسويات انطلاقاً من الصحافة الجزائرية، إذ وردت هذه الجرائم في خانات الأخبار المتنوعة"، متسائلة "لكن كم سيكون عددهن وماذا لو أحصينا النساء المقتولات اللواتي لم يتم ذكرهن في الصحافة وماذا لو أحصينا اللواتي دفعن إلى الانتحار، وجرائم قتل نساء ضحايا اليأس، أو اللواتي قام جلادهن بإخفائهن أو تم تلفيق جرائم قتلهن كأنها موت طبيعي وكم عدد الناجيات من محاولات قتل ومن تتعرضن للضرب من دون التبليغ وتقديم شكاوى".
وأوضحت النساء الجزائريات من أجل التغيير للمساواة أنه "من واجب العائلات والجيران والزملاء والأقارب ومن هم أقل قرباً التكلم والتنديد والاستياء ورفض الصمت والقبول والتضامن اللامشروط، ومن واجب الدولة حماية النساء ضحايا العنف الزوجي والأسري والعنف في الشارع من خلال تدابير قوية وفعالة للوقاية والحماية".
وطالبت صاحبات النداء باتخاذ تدابير الطوارئ، منها تخصيص بيوت/ فنادق لإيواء النساء والأطفال المعرضين للخطر، وإنشاء مراكز إيواء في كل ربوع الوطن مخصصة للنساء ضحايا العنف بغض النظر عن حالتهن الزوجية سواء كنّ مع أو من دون أطفال، إضافة إلى "التمويل من أجل التسيير والإشراف على المراكز التي توفر الأطباء والاختصاصيين النفسيين والمساعدين ومراكز الإصغاء الهاتفي التي يمكن الوصول إليها مجاناً على مدار الساعة عبر الهاتف الثابت والمحمول.
كما شدّدت على "توقيف المعتدين وتوفير الحماية الفورية للضحايا سواء كانت بحوزتهن شهادة الطب الشرعي أو لا، وإبعاد المعتدي ريثما يتم التحقيق، مع اعتماد طرق حكم سريعة ومثالية، وتخصيص ميزانية لمساعدة ضحايا العنف وأطفالهن، وتطوير برامج تدريبية للتكفل بالنساء ضحايا العنف من قبل المتخصصين في أسلاك الصحة والعدالة والشرطة، وإطلاق حملات واسعة النطاق من أجل التربية على المساواة في البرامج والمؤسسات المدرسية وعبر لافتات الشوارع وفي وسائل الإعلام والتلفزيون على وجه الخصوص".
رعب في زمن كورونا
وفي فترة الحجر الصحي، ارتفعت شكاوى العنف الأسري، فهذا الإجراء الوقائي من فيروس كورونا، كشف عن علاقات أسرية مترهلة لغتها الوحيدة عنف معنوي، لفظي أو جسدي، تكون غالباً الزوجة أكبر ضحاياه.
وتروي أم حسام، بكل حسرة وأسى قصتها مع تعنيف فاقت مدته 17 سنة "يخضعني زوجي لمزاجه، فعندما يكون في حالة جيدة يمر اليوم هادئاً. أما عندما يغضب، فيتغير كل شيء ويحطم الأثاث ويوجه إليّ لكمات تترك كدمات في وجهي".
وتضيف لـ"اندبندنت عربية"، "نسبة تعنيفي لفظياً وجسدياً ارتفعت حدتها منذ بداية الحجر الصحي، لقد فقدت نفسي وكرامتي مع هذا الرجل المزاجي، لم أعد أخرج من المنزل لأن جميع جيراني يعرفون أن زوجي يضربني من دون رحمة ولا شفقة".
خوف أم حسام من المجتمع ورفض استقبالها من طرف أهلها، جعلها أسيرة زوجها الذي يعاملها بشكل سيّء للغاية حتى إنه زرع الخوف في قلبها وحوّل أيامها ذكريات مريرة سمتها بسنوات العذاب والقهر.
في المقابل، حال الأربعينية ليلى أسوأ بكثير، فزوجها حرمها من هاتفها النقال ويقفل المنزل بمجرد ذهابه إلى العمل صباحاً، ما أدخلها في دوامة من المشكلات النفسية والأزمات التي أقعدتها الفراش.
وتقول لـ"اندبندنت عربية" إنها فقدت حياتها وباتت مجرد هيكل من دون روح، تساعدها الحبوب المهدئة في العودة إلى الحياة قليلاً لكن سرعان ما تسوء حالتها.
ضعف نسبة التبليغ
في السياق ذاته، تقرّ رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، عضو المجموعة الإقليمية للأمم المتحدة شايعة جعفري بارتفاع ظاهرة العنف ضد النساء في فترة الحجر الصحي، ما تعكسه الشكاوى التي تتلقاها هيئتها من المعنفات.
وتوضح في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "بسبب الحجر، نعيش ظرفاً صعباً وحالة نفسية متدهورة. الرجل فقد عمله وصعبت عليه المعيشة، فلا يجد أمامه إلّا زوجته لإفراغ غضبه، بعدما كان المنزل مكاناً للراحة يلجأ إليه في نهاية يوم شاق يقضيه في العمل".
وتعترف جعفري بضعف نسبة التبليغ عن العنف لا سيما في فترة الحجر الصحي، لأن غالبية النساء يتخوفن من سيناريو الطلاق في ظل غياب ثقافة التبليغ عن التجاوزات في المجتمع الجزائري، مبرزة "نحن كجمعيات نحاول التخفيف من وطأة الظاهرة في هذه الفترة العصيبة من خلال توجيه النساء لشغل أنفسهم وعدم الصدام مع الأزواج، لأن العنف تطور وأصبح جريمة".
ووفقاً لشهادات جمعتها "اندبندنت عربية"، يظل غياب الحوار بين الزوجين من بين أهم الأسباب الرئيسة للخلافات، التي تؤدي إلى التعنيف.
في المقابل، دعت نفيسة لحرش، رئيسة جمعية "المرأة في اتصال" إلى ضرورة الوقوف عند ظاهرة العنف ضد المرأة بشكل جدي وحث النساء على التكلم والخروج من دائرة الصمت.
وتضيف لـ"اندبندنت عربية"، "لا يمكننا معرفة ماذا يدور في جميع البيوت، على النساء أن لا تصمتن وتدافعن عن حقوقهن".
وتحصي الجزائر ما بين 7 إلى 8 آلاف حالة عنف ضد المرأة سنوياً، على الرغم من وجود نصوص قانونية تعاقب بالسجن كل من تورط في الاعتداء أو تعنيف النساء، إلّا أن الأرقام المعلنة حول الظاهرة لا تعكس، وفق جمعيات نسوية وحقوقية، الحجم الحقيقي لما تعانيه كثيرات من الجزائريات بسبب العنف الأسري.