Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحجم الصين قدرات "أوبك+"؟

سقف أسعار النفط تحدده بكين وليس مجموعات الدول النفطية

قيام الصين بشراء كميات كبيرة من النفط في فترة خفض الأسعار وحفظها في الاحتياط الاستراتيجي يعني أن بكين انضمّت عملياً إلى "أوبك+" (رويترز)

تغيّر هيكل أسواق النفط تغيراً كاملاً خلال الفترات الأخيرة عما شهدناه خلال أربعة عقود، بسبب دخول الصين على خط مجموعتي "أوبك" و"أوبك+"، وإسهامها في إدارة السوق بالرغم من أنها ليست عضوة فيهما. فعندما كانت دول "أوبك+" تتصارع بينها بعد إصرار روسيا على عدم خفض الإنتاج بداية مارس (آذار) الماضي، قامت الصين بالرغم من كل التبعات الاقتصادية المتعلقة بانتشار فيروس كورونا المستجد، بشراء كميات كبيرة من النفط للتخزين الاستراتيجي، وحتى عندما خفضت ""أوبك+" الإنتاج وتحسنت الأسعار، استمرت الصين بالشراء وبناء مخزونها الاستراتيجي.

بدأت الدول الصناعية بالتخزين الاستراتيجي منذ السبعينيات، إذ تشترط وكالة الطاقة الدولية على كل الدول الأعضاء الاحتفاظ بمستويات معينة من مخزون النفط أو المشتقات النفطية أو كلاهما. وقامت الولايات المتحدة ببناء مخزون استراتيجي ضخم وصل إلى 700 مليون برميل، وهذا يكفي الولايات المتحدة أن تعيش من دون أي واردات نفطية على الإطلاق، ومن دون أي تغيير في استهلاكها للنفط مدة 70 يوماً، إلا أن هذا الكلام ليس دقيقاً تماماً إذا نظرنا إلى نوعية النفط.  

وهنا يكمن السؤال، فإذا كانت الاحتياطات الاستراتيجية موجودة لدينا بهذه الضخامة منذ السبعينيات، فما الذي يجعل احتياطات الصين الاستراتيجية أكثر فاعلية في أسواق النفط العالمية من غيرها؟ 

إذا عُرف السبب بطل العجب! 

عندما أقرّت وكالة الطاقة الدولية والحكومة الأميركية بناء مخزون النفط الاستراتيجي، أسست الإطار القانوني لكيفية تمويل وشراء وتخزين واستخدام وبيع النفط. وسُمي "استراتيجياً" لأنه كذلك، يُستخدم وقت الطوارئ وعند توقف الإمدادات فجأة لسبب ما. 

بناء على ذلك، تمّ شراء النفط لتخزينه استراتيجياً بغض النظر عن وضع السوق وقتها، ولا يتم استخدامه إلا وقت الطوارئ، وتمنع قوانين الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وبخاصة الولايات المتحدة، بيع المخزون بهدف خفض أسعار النفط.

في المقابل، القيادة الصينية مقتنعة بضرورة بناء مخزون استراتيجي ضخم يكفي لتغطية الواردات النفطية مدة سنة كاملة. وسبب ذلك الاقتناع أنه في وقت ما ستقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بوقف الملاحة في "مضيق ملقا" الذي تمرّ عبره أغلب حاملات النفط المتجهة إلى المرافئ الصينية، لمحاصرة الصين.
ولكن الصين، على خلاف الولايات المتحدة والدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، ليس لديها أية قوانين تحكم عمليات الشراء والبيع، لهذا تشتري كميات كبيرة عندما تكون الأسعار منخفضة، وتبيع كميات كبيرة عندما تكون الأسعار مرتفعة. عمليات الشراء والبيع الكبيرة هذه من دولة لاعلاقة لها بـ "أوبك +" تؤثر في الأسواق، خصوصاً وأن أكبر مستورد للنفط في العالم هو الصين.   

الصين و "أوبك+" وأسعار النفط 

قيام الصين بشراء كميات كبيرة من النفط في فترة خفض الأسعار وحفظها في الاحتياط الاستراتيجي يعني أن بكين انضمّت عملياً إلى "أوبك+"، من دون أن تكون عضوة فيها، فشراؤها النفط واحتجازه أسهم في خفض المعروض عن طريق زيادة الطلب واحتجاز النفط، وفي رفع أسعار النفط، وهو الهدف ذاته الذي تسعى إليه "أوبك+".  

الشيء الجديد أن الصين ستبيع كميات كبيرة من النفط من الاحتياط الاستراتيجي عندما ترتفع الأسعار مستقبلاً، وغالباً عندما تصل إلى حدود ما بين 75 إلى 80 دولاراً للبرميل، تماماً كما حصل في عام 2018، وهذا يعني أن سقف أسعار النفط تحدده الصين وليس "أوبك+". وبيع الصين للنفط يؤثر مباشرة في الأسواق، لأن المصافي الصينية تفضّل السحب من مصدر محلي، وبالتالي تنخفض واردات الصين، ومع انخفاض واردات الأخيرة تنخفض أسعار النفط. فإذا انخفضت أسعار النفط بشكل كبير، وتحديداً إلى ما دون الـ 50 دولاراً، فستقوم الصين بالشراء مرة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية المبدأ تقوم الصين بدور "أوبك+"، ولكن بشكل أكثر عملية ودقة، وتستفيد "أوبك" من تصرف الصين إذا كان بيعها للنفط عند سعر 75 و80 دولاراً للبرميل يمنع ارتفاع الأسعار ولا يخفضها في الوقت ذاته، إذ إن ارتفاع أسعار النفط فوق هذا الحد مضرّ بدول "أوبك".

لكن تصرف الصين يسهم في نشوء أزمتين، الأولى هي أن السعر الأعلى الذي ترغبه دول "أوبك" قد يكون أكثر من الذي تتحمله الصين، وبالتالي فإن قيام بكين ببيع الاحتياط الاستراتيجي بسعر أقل من السعر الأعلى الذي ترغبه دول "أوبك"، يضر بهذه الدول. ويصبح الضرر أكبر إذا استطاعت الصين خفض الأسعار بشكل كبير، في وقت تكون جنت فيه أرباحاً ضخمة على حساب الدول النفطية.  

أما الأزمة الثانية فهي أن تبيع الصين جزءاً لا بأس به من احتياطها الاستراتيجي، ولكن بسبب أزمة ما تستمر أسعار النفط بالارتفاع، وهذا يعني أن خط الدفاع الأساسي ضد ارتفاع أسعار النفط فوق النطاق المرغوب فيه قد انهار، وعندها ستشعر الحكومة الصينية بالخطر، وتبدأ بالنظر إلى الأمر من منظور سياسي- استراتيجي، فتقوم بالشراء مجدداً، وهو ما سيسّرع من ارتفاع أسعار النفط، ويؤثر سلباً في الطلب العالمي، وقد تدفع دول "أوبك+" الثمن في النهاية.  
وعلينا ألا ننسى أن لدى الصين بورصة نفطية تستخدم اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي في عمليات الشراء والبيع، وعمليات البيع من الاحتياطي الاسترايتجي داخل الصين ستنعش التعامل في هذه البورصة، وهذا تغيّر آخر في السوق لم نعرفه خلال العقود الماضية.   

وعلينا ألا ننسى أيضاً أن انخفاض الدولار الأميركي في مقابل اليوان الصيني يعني انخفاض فاتورة واردات النفط الصينية مقيّمة بالعملة المحلية.

خلاصة القول أن قيام الصين بشراء النفط من دول "أوبك" في فترات الأسعار المنخفضة يساعد في توازن السوق، ويبدو جيداً في ظاهره، ولكنه سلاح ذو حدين قد ينقلب على "أوبك+". 

ويكمن حلّ المشكلة في إيجاد "الحد الأمثل للمخزون الاستراتيجي الصيني" من وجهة نظر "أوبك+"، وذلك لمنع الصين من استخدام كميات كبيرة من المخزون لخفض أسعار النفط، وهذا يعني أن على دول "أوبك+" أن تلجأ إلى خفض الإنتاج وخفض الصادرات إلى الصين حتى لا تتجاوز ذلك الحد الأمثل وتؤذيها في المستقبل عندما ترتفع أسعار النفط. ولهذا فإن خفض الإنتاج والتأكيد على الالتزام به لا يزال الحل الأمثل للدول الأعضاء.

المزيد من آراء