Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هاروكي موراكامي يواصل السرد الفانتازي في "مقتل الكومنداتور"

أول رواية تترجم من اليابانية إلى العربية للمرشح الدائم لنوبل والتخييل يذوب في الواقعية

الروائي الياباني هاروكي موراكامي المرشح الدائم لجائزة نوبل (موقع الكاتب)

في شباط (فبراير) 2017، أصدر الروائي الياباني هاروكي موراكامي، المرشح الدائم لجائزة نوبل في الآداب، روايته "مقتل الكومنداتور" في مجلّدين باللغة اليابانية، وقبل نهاية العام التالي، تُرجمت إلى الإنجليزية في كتاب واحد يضمّ أكثر من 700 صفحة بتوقيع فيليب غبريل وتيد جوسن، ثم جاءت ترجمة الجزء الأول منها إلى العربية في بداية العام الحالي عن دار الآداب البيروتية، بواسطة المترجم المصري ميسرة عفيفي. وتُعدُّ هذه الترجمة الأولى لعمل لهاروكي موراكامي التي تُتَرجم من اليابانية إلى العربية مباشرة وليس من خلال لغة وسيطة.

وأحدثت هذه الرواية فور صدورها ضجّة كبيرة في اليابان، واعتُبرت "غير لائقة أخلاقياً"، بسبب تناولها (في الجزء الثاني) مذبحة نانجنغ التي ارتكبها الجيش الياباني في مدينة صينية عام 1937، وراح ضحيتها نحو ربع مليون شخص.  

تدور أحداث الرواية حول رسّام موهوب أجبرته ظروف العيش على أن يعمل في رسم البورتريهات، وقد كان أجره مرتفعاً مقارنة بغيره لتمتّعه بموهبة لافتة. وفي ظلّ هذا "الاستقرار"، تطلب منه زوجته الطلاق لأنها على علاقة بشخص آخر. هنا يترك البطل، الذي لا تذكر الرواية اسمه، منزل الزوجية، ويبلغ وكيله بأنه لن يرسم بورتريهات مرة أخرى. وبعد نحو شهرين، يتّصل بـ"ماساكيو أمادا" صديقه الوحيد وابن واحد من أشهر الفنانين اليابانيين، فيعرض عليه أن يسكن في بيت أبيه الذي أصبح خالياً. يقع ذلك المنزل في منطقة نائية وسط غابات، بالقرب من المحيط، ويطلب منه صديقه أن يقطنه بأجر زهيد كي يحرسه بعدما أودع أباه دار عجزة عقب إصابته بداء الألزهايمر.

وفي هذا البيت البعيد من الضجيج، تبدأ سلسلة من الأحداث العجائبية، تنطلق بسماع البطل صوت جرس يأتي من تحت كومة من الأحجار. ويساعده في الكشف عن مصدر هذا الصوت شخص يُدعى "منشكي". فحين تُرفع الأحجار التي يأتي من أسفلها الصوت، يعثران على جرس قديم. وبعد أيام، تظهر للبطل شخصية رسمها "توموهيكو أمادا" في لوحة بعنوان "الكومنداتور"، ثم تختفي. وفي هذه الأثناء، يطلب "منشكي" من البطل أن يرسم الطفلة "مارية" الغريبة الأطوار، لأنه يشكّ في كونها ابنته. تلك الفتاة، تذكّر البطل بأخته "كومتشي" التي ماتت حين كانت في مثل عمر "مارية" أي في عامها الثاني عشر.

أوبرا "دون جيوفاني"

تتّكئ الرواية في الكثير من تفاصيلها على أوبرا "دون جيوفاني" لموتسارت، التي تتناول حياة زير نساء، يتسلّل إلى غرفة "الدونا آنا"، فيهبّ والدها لمنعه من الوصول إليها، فيقتله وهو يرتدي قناعاً، فتقسم الإبنة على أن تثأر لوالدها. وفي الرواية، يقوم "توموهيكو أمادا" برسم لوحة لمشهد القتل، لكن بطريقة الرسم اليابانية التقليدية، فيجعل وجه القاتل مكشوفاً. تلك اللوحة يظن بطل الرواية أن فيها إسقاطاً على حياة الرسام الذي قضى جزءًا منها في النمسا في شبابه، وتم ترحيله سرّاً منها، بعد اشتراكه في قتل عدد من النازيين الألمان.

وتتماسّ هذه الرواية في أحداثها مع عدد من روايات موراكامي السابقة، مثل "كافكا على الشاطئ"، حيث الفكرة التي تتجسّد للبطل وتخاطبه، وكذلك مع روايته "1Q84" من الولع بالطبيعة وتجلّيات فصولها وتبدّلها، والموسيقى الغربية الكلاسكية، والربط بين شخوص وعوالم متباعدة لا روابط بينها، إلّا الفانتازيا.

 هذه الراوية تمثّل امتداداً لعالم موراكامي الغرائبي، حيث ثنائية العالم المادي والعالم الآخر اللامرئي عندما تذوب الفواصل بينهما، فيصعب تمييز الحقيقي من الزائف. في ذلك العالم الروائي، تتجلى كذلك فكرة الصراع ما بين عالمَيْ الروح والمادة وارتباط شخصياته برابط روحاني عجيب على الرغم من تباعدهم في العالم المادي الملموس، وتلك الرحلة التي يقوم بها أبطال رواياته ما بين العالمين، وهو ما يحدث في "مقتل الكومنداتور" و"إيتشي كيو هاتشي يون" و"رقص رقص رقص".... فلا يكاد يخلو عمل له من هذه الرحلة التي منها تنبع حرارة إبداعاته التي كتبت له شهرة عالمية، تجسّدت في ترجمة رواياته إلى أكثر من 50 لغة.

فكرة النسبية

ويؤكد موراكامي في "مقتل الكومنداتور" فكرة "النسبية" واختلاف الرؤية للإنسان طبقاً للمكان الذي ينظر منه، وفكرة تشظّي العالم وعدم ثبوتيته، فهو في حالة ديناميكية مستمرة لا تعرف التوقف، وكل ذلك ينبع من الفلسفة الغربية الما بعد حداثية التي اغترف منها هذا الكاتب الياباني، حتى بات واحداً من أبرز كتاب ما بعد الحداثة في الأدب العالمي.

ويُلاحَظ كذلك في هذا الصدد حرص موراكامي في انتقاء الشخصيات التي يكتب عنها، فلا بد من أن يتمتّعوا بمواهب خارقة في مجال ما من مجالات الحياة، ففيهم الذي يستطيع أن يكلّم القطط، وفيهم الطفلة التي تبدع عملاً روائياً فذّاً، وفيهم الرسام الخارق الموهبة الذي يستطيع أن يرسم ذوات الشخصيات من الداخل كما هو بطل رواية "مقتل الكومنداتور". كما تظهر في أعماله قضية العنف ضد المرأة كما في "1Q84"، إضافةً إلى تركيزه على الهوية اليابانية وولعه بتقنية السارد العليم.

تتمتّع ترجمة ميسرة عفيفي للعمل بالقوة والسلاسة والبعد عن الحرفية، وهو من مواليد 1971، وتخرّج في كلية العلوم قسم الجيوفيزياء في جامعة القاهرة، وسافر إلى اليابان عام 1996، وله عددٌ من الترجمات عن اليابانية، منها "حكاية قمر والكسوف" لكيتشيرو هيرانو و"الإوزة البرية" لأوغاي موري.

المزيد من ثقافة