Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسألة الليبية ليست مسألة ليبية!

الولايات المتحدة تقود "حل اللا حل" في البلاد على الرغم من ادعائها عكس ذلك

السيسي متوسطاً عقيلة صالح وخليفة حفتر خلال مؤتمر بشأن ليبيا عُقد في القاهرة في 6 يونيو الماضي (أ ف ب)

باتت مسألة مالي في عرف الاتحاد الأفريقي، بغتةً، "مسألة دولية"، فالانقلاب العسكري، أصبح ممنوعاً في القارة، وكانت فرنسا، "ماما أفريقيا"، سبّاقة في رفض الانقلاب العسكري في ذلك البلد، وطبعاً الولايات المتحدة وتبعتها الأمم المتحدة.

أما انقلابيو مالي، فحجتهم أن ما قاموا به ليس عملاً عسكرياً، بل مدني مدعوم بالجماهير الشعبية المالية، الرافضة لرئيس النظام القائم إبراهيم أبوبكر كيتا، والانتخابات المثيرة للجدل التي جرت في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، التي شككت المحكمة العليا المالية في نزاهتها.

قارة الانقلابات العسكرية، لم تعد تقبل الانقلابات، كطريقة للسيطرة على السلطة، وأيضاً الولايات المتحدة، والدول المستعمِرة السابقة، الاتحاد الأوروبي، وطبعاً الأمم المتحدة. وكملدوغ، فإن ذاكرتي جاشت بالحزن وتداعت، فإذ بالانقلاب العسكري الذي جرى في ليبيا، خلال مراهقتي، في الفاتح من سبتمبر (أيلول) 1969، ينغّص فرحتي بالتدخل الدولي في مالي، لدحر الانقلابيين العسكريين. تذكرت مأساة بلادي، التي تجاوزت النصف قرن، منذ حدوث ذلك الانقلاب، الذي نال من سويعاته الأولى، اعتراف "ماما أميركا"، صاحبة قاعدة "هويلس" بطرابلس الغرب، وبريطانيا العظمى، صاحبة قاعدة "العدم" بطبرق، وجمال عبد الناصر، ومن ثم العالم.

رُحب آنذاك بالانقلاب، الذي قادهُ ملازم أول في الـ 28 من عمره، هذا الملازم الذي رفع رتبته، إلى عقيد بات اسمه "العقيد"، وبقدرة قادر جعلته الميديا الأميركية، أخطر رجل في العالم، وبقدرته جعل الخراب، يزدهر في ليبيا.

بعد 40 حولاً من زمان العقيد، وإثر ثورة فبراير (شباط) 2011، وفي مارس من السنة نفسها، وبعد صدور القرار 1973 عن مجلس الأمن، بدأت المسألة الليبية تصبح مسألة دولية، عندئذ خطر على البال، أن "العقيد" جاء بانقلاب عسكري إلى السلطة، في دولة حصلت على استقلالها ودستورها، بقرار من الأمم المتحدة في عام 1949. خطَرَ ذلك بغتةً لـ "ماما أميركا"، بريطانيا العظمى، فرنسا، فالاتحاد الأوروبي، وكذلك فعل الاتحاد الروسي، والصين الشعبية، حينما امتنعا عن التصويت على القرار.

سبحان مغيّر الأحوال

ثمة حقيقة مسكوت عنها، وهي أن التدخل الدولي، أي التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في مارس 2011، جعل منذ ذاك الحين، المسألة الليبية ليست مسألة ليبية، إذ حوّل ليبيا إلى أرضٍ للحروب بالوكالة، السياسية والعسكرية، الإقليمية والدولية، وأيضاً بقيادة الولايات المتحدة، على الرغم من ادعاءاتها التالية:

أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم يعودا من اهتمامها.

أن ليبيا مسألة أوروبية وممكن أن تخصّ جيرانها أيضاً.

أن الولايات المتحدة لا تعرف ما يحدث في بلاد كليبيا.

أن الرئيس جديد وغير مطّلع، وهو في ولايته الأولى، ويستعد للانتخابات للفوز بولاية رئاسية ثانية، وعنذئذٍ سيلتفت لقضايا مثل المسألة الليبية.

كل قائل بعكس هذا الخطاب الأميركي الرباعي أو مسفهٍ له، هو من أتباع نظرية المؤامرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يؤكد استنتاج أن المسألة الليبية ليست مسألة ليبية، هو غياب الطرف الليبي، بعد ما باتت المسألة دولية، عن طاولة المؤتمرات الدولية، والملتقيات الدولية، والمبادرات الدولية. فصارت الأرض الليبية، من دون دولة، تُدار من الأمم المتحدة، بيد مبعوثها السامي، أما السفير الأميركي فيلعب دور الحكم في الشؤون الداخلية، الأمنية والاقتصادية، وهو الراعي السامي، للبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.

وما يؤكد ذلك أيضاً، هو أن التحالفات ظاهرة وباطنة، تجري بين اللاعبين الأوروبيين والإقليميين، والعرب، في حين أن بريطانيا تُعدّ من الدول الباطنية في هذه التحالفات، في حين أن ألمانيا تلعب على الحبلين. وفي هذه الحال، تُجمع دول التحالفات تلك على خطاب واحد، مفاده بأن الحلّ في ليبيا سلمي وليس عسكرياً، وما تفعل لأجل ذلك، هو أن تسهم في تدفق السلاح على البلاد، أو تغمض عينيها، ثم تتبادل التهم.

وما يؤكده أيضاً، هو أن الأمم المتحدة عراب "الحلّ اللا حلّ" في ليبيا، والولايات المتحدة كفيلة بتطبيق هذا الحلّ، الذي أبدعت حلولاً مماثلة له، في بقاعٍ عدة من الكرة الأرضية. ولذا تكفل "ماما أميركا" أيضاً هذه الأيام، بأن تكون الأميركية ستيفاني وليامز، المندوبة السامية للأمم المتحدة، مطلق اليد في ليبيا، هي مَن سيجمع ليبيين، من مجلسَي النواب والدولة، في "الصخيرات 2"، حيث يُفترض أيضاً أن يلتقي رئيسا المجلسين، عقيلة صالح وفائز السراج.

إضافة لذلك، تمنح "ماما أميركا" أردوغان، اليد الطولى كشريك على الأرض، وتندد بالمُرتزَق "بوتين فاغنر"، شريك الرئيس التركي، الذي يهبّ مسرعاً لإصلاح ذات البين بين شركائه في إيالة طرابلس الغرب، مستعيناً بالشريك القطري، رفقة شاهد لم يشاهد شيئاً، هو وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس.

وما يؤكد استنتاج، أن المسألة الليبية ليست مسألة ليبية، كاراكوز، عرضه يطول كل مرة، وفي كل مرة قاب قوسين أو أدنى من الحرب العالمية الليبية، وفي كل مرة قاب قوسين أو أدنى من تقسيم البلاد، واستحداث منطقة منزوعة السلاح في المثلث النفطي، من الجفرة حتى سرت، العاصمة الموقتة المقترحة، للقفز عن التقسيم المفروض على الأرض. وأيقونة ما بين القابين "اللا حرب واللا سلم"، صنيعة مفكر الخارجية الأميركية ومستشارها الحالي لشؤون الشرق الأوسط هنري كسينجر.

في كل حال، حرب أو لا حرب، سلم أو لا سلم، فإن المسألة الليبية تظل ليست مسألة ليبية، وبقرار دولي، وليس كما يُقال في الادعاءات المكررة للدولة العظمى التي لا تعرف شيئاً.                

المزيد من آراء