Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مال وسلاح وإعلام لإجهاض معركة "بغداد الجميلة"

تنال النساء الحيّز الأكبر من تأثير غياب الطابع المدني وتعبر ناشطات عن معاناتهن مع تنامي سلطة العشائر والجماعات المسلحة

تعاملت التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على مناطق واسعة من بغداد بأعلى مستويات العنف في ملف الحريات المدنية (أ ب)

شهدت العاصمة العراقية بغداد تحولاتٍ عديدة على مستوى نمط حياة السكان، وطابع المدينة، متأثرةً بالتحولات السياسية والحروب والإشكالات الاقتصادية، التي واجهتها البلاد خلال العقود الأربعة الماضية.

 بينما تحتفظ ذاكرة الزائر إلى أيٍ من عواصم جوار العراق، بمشاهدَ تبقى متقاربة على مر السنين لطبيعة الحياة في تلك المدن، يعبّر زوّار بغداد باستمرار عن صدمتهم كلما كرروا زيارة العاصمة العراقية، نظراً للتقلبات المتسارعة، التي يمكن ملاحظتها خلال مقاطع زمنية قصيرة. 

وكما أسهمت سيطرة الجماعات الدينية المسلحة على معظم مفاصل الحياة خلال العقد الماضي، يرى باحثون أن انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) العراقية كانت بادرة لـ"انقشاع الضباب"عن الروح المدنية الراسخة داخل المجتمع العراقي، وممهدة لاستعادتها.

بداية التراجع

 يشير متخصصون وأكاديميون إلى أن التراجع في هذا الإطار يعود إلى خمسينيات القرن العشرين، لكنه تضخم في السنوات الماضية بشكل كبير، نتيجة الصراعات والحروب التي شهدتها البلاد في فترة حكم نظام صدام حسين وما تلاها من إشكالات، فضلاً عن تصاعد الخطاب المتشدد وسيادة القيم الريفية على المدينة.

 أدت تلك العوامل إلى تراجع تأثير الطبقات الاجتماعية، التي أغنت ملامح الحياة المدنية وحوّلت العاصمة إلى حاضرة مؤثرة في خَلق قيم ثقافية وفنية واجتماعية.

ومثّل العام 2003 نقطة شروع أخرى، نحو بداية جديدة من البدايات المتكررة لتجارب المجتمع البغدادي، إلا أن نمط الحياة الذي كانت تخطط أحزاب الإسلام السياسي لفرضه، سرعان ما تفشّى، وطبع شوارع العاصمة، وتعدى نحو العوائل البغدادية، خصوصاً أن غالبية تلك الأحزاب اعتمدت أدبيات قريبة من فكرة ولاية الفقيه في إيران، أو الإخوان المسلمين، التي تضع  تقييد الحريات المدنية في مرتبة متقدمة من سلّم أولوياتها، فضلاً عن نظرتها المرتابة إزاء الفعاليات الثقافية والفنية.

في هذا الإطار، يشير الباحث الأكاديمي حيدر سعيد، إلى أن "الدولة الوطنية الحديثة التي نشأت في منطقتنا، ومنها العراق، اعتمدت على عدد محدود من الحواضر الكبرى، التي كان عليها أن تزود الحياة السياسية والإدارية والثقافية بالنخب، التي تقود الدولة"، مردفاً "كان لبغداد دور مركزي في ذلك، إذ كانت مصدر القومية العراقية، بمعنى أن الأمة العراقية كانت تُبنى على مثال بغداد، من حيث الاختلاط، والتطلع للحداثة، وما إلى ذلك".

 يوضح سعيد في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "هذا الأمر كان ينطوي على نمو متفاوت بين بغداد، وريف العراق وباديته، فمع تراكم تمدن بغداد، كان ريف العراق وباديته يزدادان فقراً وتخلفاً"، لافتاً إلى أن "هذا التفاوت قاد (من بين عوامل أخرى) إلى انفجار النظام عام 1958".

ويتابع، "بقدر ما كانت بغداد مثالاً قومياً، صارت فضاءً للانتقام، هذا هو الإطار الذي يفسر كيف جرى تفتيت مدنية بغداد".

إلا أن بغداد التي كانت كما يعبّر سعيد، مثالاً تقتفيه المدن العراقية الناشئة آنذاك، أصبحت في المرحلة الراهنة مُستوعَباً ومستورداً للقيم الريفية والدينية، وأحياناً البدوية الوافدة من المجتمعات العراقية المجاورة.

يتندّر بغداديون على شيوع مفردات غير مألوفة في مدينتهم، مثل مولاي وخالي والعزيز. وهي إشارة إلى تأثير هيمنة القبائل الوافدة من جهة، والجماعات الدينية السياسية والمسلحة من جهة أخرى.

ورثة مهمات تنظيم القاعدة

تعاملت التنظيمات الإرهابية - في مقدّمها القاعدة- التي سيطرت على مناطق واسعة من العاصمة بغداد، بأعلى مستويات العنف في ملف الحريات المدنية، وفرضت "القتل المباشر" عقوبة لسلسلة طويلة من الفعاليات، التي كانت تعتبرها مخالفة للقيم المحافظة، وبعد طرد تلك التنظيمات، ورثت الجماعات المسلحة جانباً كبيراً من مهمات تلك التنظيمات في ملف الحريات المدنية.

 يعتمد الخطاب الرسمي العراقي بعد العام 2003، مفردة التنظيمات الإرهابية في وصف الجماعات المسلحة السنية، فيما يعتمد مفردة متشددين وخارجين عن القانون في وصف الجماعات المسلحة الشيعية.

عام 2018، مرت سلسلة اغتيالات طالت فتيات، وعارضات أزياء أبرزهن "تارة فارس" دون محاسبة.

وبدا أن السلطات لا تواجه مشكلة في التعرف على الجهات المتورطة بتلك الجرائم، إلا أنها تغض الطرف، تماهياً مع فكرة "محاربة الانحلال".

 في قضية اغتيال عارضة الأزياء تارة فارس، قال وزير الداخلية العراقي الأسبق قاسم الأعرجي في حينها بشكل صريح إنه "يعرف الجماعة الشيعية المتشددة، التي اغتالت تارة وقتلت كثيرين، إلا أن ضابطاً رفيعاً في وزارته متعاطف مع تلك الجماعات التي تعتقد أن من حقها تطبيق الشريعة".

أما بحلول العام 2020، فقد أصبحت التنظيمات المرتبطة بإيران أكثر مجاهرة في مباركة وتبنّي عمليات التفجير، كما في بيان الناطق باسم "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري (23 حزيران 2020)، الذي بارك فيه عملية تفجير محل للمشروبات الكحولية وسط العاصمة بغداد باستخدام قنبلة، وقال في حينها "مع قرآن الفجر، أطرب أرواحنا قبل أسماعنا صوت تخريب محلات الخمور في الكرادة". داعياً تلك الجماعات إلى تنفيذ المزيد من تلك العمليات.

 يقلل الكاتب الصحافي محمد حبيب من علاقة سلوكيات تلك الفصائل بالأيديولوجيا. ويلفت إلى أن القضية تتعلق بالهيمنة والمكاسب، يقول "بالنسبة إلى تلك الفصائل، لا يتعلق الأمر بمفاهيم الحلال والحرام المنصوص عليها في الدين الإسلامي، لأن تلك الجماعات متورطة بالفعل بقائمة طويلة من الممارسات، التي تعتبرها الأديان على رأس قائمة المحرمات، مثل القتل والسرقة والفساد المالي، لكن تلك الفصائل تعتبر استعادة المجتمع البغدادي لنمط حياته المعروف كابوساً وتهديداً لمصالحها بشكل مباشر. إن حلول السلام وسيادة الدولة يعني الاستغناء بشكل مباشر عن الجهات العسكرية الرديفة للدولة، كما أن تنامي الابتعاد المجتمعي عن الجماعات الدينية المسلحة سيعني تغيّراً في موازين القوى على مستوى المقاعد البرلمانية، وهنا تكمن بداية القصة ونهايتها. حتى بالنسبة إلى الفصائل غير المنضوية في العملية السياسية، فهي تستمد نفوذها وتمويلها من مساعدة الفصائل الصديقة المشاركة في البرلمان والحكومة، والنافذة إلى الثروة".

ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "لن توفر تلك الجماعات رصاصة واحدة في معركتها لتصفية الظواهر الخارجة عن سياقاتها، كما أنها لن توفر ديناراً، او توماناً، أو دولاراً قبل أن تنفقه في حملاتها لمواجهة المجتمع البغدادي وتديينه بالترغيب أو الترهيب، إلا أن قراءة التجارب التاريخية في الدول والمجتمعات المشابهة، تكشف نتائج هذه المواجهة بشكل مسبق، إذ لم يسبق أن تمكن الرصاص أو المال من تغليب عدد من الجماعة المسلحة على إرادة مجتمع رافض، كما في تجربة العراقيين ما بعد تشرين، إذ سقط 561 شاباً على مذبح واضح لجميع الأطراف، عنوانه رفض الجماعات المسلحة، والارتهان لنمط حياة مستورد من تجارب مستهلكة كتجربة مجتمع ولاية الفقيه في إيران".

تذبذب محاولات تخفيف القيود

بعد عام 2008 خلال الولاية الأولى لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي أسهم بدعم أميركي في إنهاء الحرب الطائفية، عمل المالكي على فك بعض القيود عن المجتمع البغدادي، من خلال استعادة سلطة القانون مقابل سيطرة الجماعات المسلحة على العاصمة، وأتاح نسبياً أجواءً مناسبة لاستعادة المجتمع البغدادي الروح المدنية، حيث قام بتقليل القيود المفروضة على النوادي الترفيهية، والفعاليات الثقافية والفنية، وأقام حفلات غنائية في العاصمة، التي لم يكن يسمع فيها سوى أصوات الرصاص والتطرف الديني، والدعوة للانغلاق، والتحريض الطائفي.

إلا أن هذا التوجه سرعان ما تغيّر تحديداً قبل انتخابات عام 2010، بعد تفاهمات أجراها مع بعض الجماعات المسلحة، حيث استند المالكي على الاستثمار الطائفي للوصول إلى السلطة مرة أخرى.

وخلال دورته الثانية بعد عام 2010، عاد الخطاب الطائفي للصعود مرة أخرى، وأبرم المالكي اتفاقات مع الجماعات المسلحة بينها "عصائب أهل الحق" التي أُطلق يدها في بغداد أواخر ولايته.

 شهدت تلك الفترة تفجيرات واستهدافات طالت بارات في بغداد، وحوادث اغتيال لشخصيات عرفت بدعمها للحراك المدني، بينها هادي المهدي الذي اغتيل في منزله ببغداد في 9 سبتمبر (أيلول) 2011.

ربيع الفصائل المسلحة

بعد تنامي دور الفصائل المسلحة، والعودة إلى التشدد في العاصمة مرة أخرى، في الدورة الثانية للمالكي (2010-2014)، بدت بغداد المنهكة من تعدد الحروب مدينة بلا هوية، تعاني إشكالات كبرى على مستوى النسيج الاجتماعي، الذي بات منقسماً وصارت الهويات الطائفية والدينية والعشائرية متسيدة على طابع المدينة العام، وتنامى هذا النسق بالتزامن مع تصاعد حراك تنظيم "داعش" داخل العراق، الذي وفر مساحة للترويج الطائفي المضاد، وهو الأمر الذي فاقم فرص الفصائل المسلحة في الاستثمار المجتمعي، التي باتت أكثر ولوجاً وهيمنةً على مفاصل الدولة، وبدا واضحاً أنها ستشكل عنصراً موازياً للدولة وقواها الرسمية ما يمكنها من فرض قيود إضافية على المجتمع.

لكن وصول حيدر العبادي إلى السلطة في سبتمبر 2014، قلل من تنامي هذا النفوذ والتأثير. ما حفز الحركات المدنية في بغداد إلى استعادة نشاطاتها نسبياً، وعلى الرغم من ذلك، شهدت فترة حكمه حوادث عدة تتعلق بقمع الحريات المدنية نتيجة تنامي أدوار جماعات مسلحة متشددة وضعف أجهزة الدولة.

"انتفاضة تشرين" وعودة "الروح المدنية"

مثّل وصول رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي إلى السلطة ربيع الفصائل المسلحة، وباتت تلك الفصائل تتحكم بأغلب مفاصل الدولة، وازدادت سطوتها على العاصمة من جديد ما أدى إلى زيادة نفوذها على المجتمع، إلا أن انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) حالت دون إحكام سطوة تلك الجماعات بشكل كامل على الدولة العراقية.

ومثلت الانتفاضة محاولة جادة لاستعادة روح بغداد المدنية، أو ما وصفه مراقبون ومشتركون في الانتفاضة بـ"انقشاع مساعي تعمية القيم المدنية لبغداد"، حيث عبرت مشاهدها عن الشغف الكبير داخل المجتمع البغدادي لعودة الحياة المدنية بكل تفاصيلها.

 لعل هذا الأمر أسهم أيضاً بزيادة منسوب التخوّف لدى الجماعات المسلحة، التي عملت "ماكناتها" الإعلامية على محاولة تشويه تلك الانتفاضة، بالاعتماد على قائمة طويلة من المؤسسات الإعلامية المدعومة من إيران، التي تشكل غالبية الطيف الإعلامي العراقي.

 تركزت الحملات المناهضة لتظاهرات تشرين على تسويق أفكار من بينها، أن "التظاهرات دعوة للانحلال والانسلاخ من القيم المجتمعية، وأن خيم الاعتصام في بغداد تشهد ريادة المثليين، وتنظيم حفلات غير أخلاقية"، وهي أفكار بدأت تواجه صعوبة في إقناع أفراد المجتمع البغدادي.

بغداد "فضاء الأمة العراقية"

 يلفت سعيد إلى أن الامر "لا يشمل ظهور مظاهر التريف فحسب، بل كما كانت بغداد هي فضاء الأمة العراقية، كان يُنتقَم منها باستعراض الهويات فوق الوطنية داخلها"، معبراً عن اعتقاده أن "تعافي العراق يرتبط بتعافي بغداد، من حيث كونها المثال الذي تشكّل عليه للوطن، ولذلك، كانت ثورة تشرين ثورة بغدادية، بهذا المعنى، وبوعي".

 يضيف، "على الرغم من وجود مدن لعبت أدواراً قيادية حاسمة، كالبصرة والناصرية والنجف، إلا أن هذه المدن كانت تعي أن فعلها الثوري يجب أن يمر عبر بغداد، ومن هنا، ظهرت فكرة الزحف إلى بغداد لا لأنها المركز السياسي والبيروقراطي، بل لأن الثورة بغدادية الهوية".

وعن تأثير الاختلاط بين طبقات مجتمعية مختلفة ضمن إطار الانتفاضة وانعكاس ذلك على مجتمعات منغلقة ومتأثرة بخطاب العشائرية والتشدد، يبين سعيد أن "قوى السلطة تعمل على خلق "المجتمعات المغلقة"، وليس المجتمع المفتوح المندمج، لذلك فإن ثورة تشرين عبرت عن توق إلى هذا الفضاء الوطني"، مردفاً "لا نستطيع أن نقول إنه أنجز، لأن الصراع لا يزال قائماً".

"اختفاء قسري" لقيم المدنية

 يرى الكاتب الإعلامي سعدون محسن ضمد، أن "مشكلة اختفاء قيم المدينة ومعاييرها لصالح القيم الريفية نمط ساد في فترة حكم نظام صدام حسين، بسبب جذور السلطة الريفية، وحرصها على إعلاء قيم العشيرة وخرق القانون"، مبيناً أن "التغييرات بعد عام 2003 كرستها بشكل مكثف لأنها قلبت موازين المجتمع، وشهدت تغييراً جوهرياً في العملية السياسية".

ويضيف ضمد لـ"اندبندنت عربية"، "الفن والمسرح، والنوادي الاجتماعية، وملامح الحياة المدنية اختفت من بغداد، وغاب احترام القانون الذي يعد من أبرز دلالات الهوية المدنية لأي مدينة".

ويشير إلى أن "الملمح الأشد وضوحاً في تأثير الانتفاضة، هو اشتراك العنصر النسوي فيها بشكل مكثف، وتمثيله  حالة مميزة شملت  جميع الصعد، سواء في علاج الجرحى، أومواجهة قنابل الغاز فضلاً عن الفاعلية في الخطوط الأمامية لساعات متأخرة من الليل"، لافتاً إلى أن "اشتراك النساء لم يكن محصوراً بالإعلاميات والفنانات فحسب، بل على مستوى أغلب الشرائح  الاجتماعية".

ويتابع، "هذا يعني أن قيم المدنية منتشرة عائلياً، وسائدة في المجتمع البغدادي تحديداً".

ويوضح أن "شيوع النمط الريفي في بغداد جاء نتيجة تدعيمه بالسلاح والسلطة. وهذان العاملان ساهما في محاولات تعمية على القيم المدنية. ما جعل النسق المدني خافتاً"، مردفاً "انتفاضة تشرين وفرت لهذا النسق الخروج بوضوح، وكشفت عن الاختفاء القسري لقيم المدينة ومظاهرها في بغداد".

ويعتقد ضمد أن "انتفاضة تشرين وأمثالها من الفعاليات الاحتجاجية بددت الوهم الذي كان سائداً حول اختفاء ملامح المدينة بشكل كامل، وقشعت الضباب عنه"، لافتاً إلى أن "أهم ملامح العشائرية تتمثل في التعامل مع المرأة وفق تصنيف جنسي ومنطق استعلائي، وهذا كان غائباً في فترة الانتفاضة".

ويختم أن "جهات سياسية عدة كانت تروّج في السنوات السابقة لقضية الفصل بين الجنسين في الجامعات، تحت ذريعة أنه مطلب اجتماعي، لكن المشاهدات في ساحات الاحتجاج تبين عكس ذلك"، مشيراً إلى أن "منطق المجتمع البغدادي في الغالب داعم للمدنية".

النساء وعودة "الروح المدنية"

 تنال النساء الحيّز الأكبر من تأثيرات غياب الطابع المدني لبغداد، إذ تعبر ناشطات عن معاناتهن مع تنامي سلطة العشائر والجماعات المسلحة على المجتمع، في حين وصفن انتفاضة تشرين بأنها محاولة استعادة "روح بغداد المدنية".

 تقول الناشطة المدنية إيناس كريم إن "تضاؤل دور النساء في التأثير في المجتمع، يعود إلى المخاوف الكبيرة من الاستهداف أو الاساءة للسمعة والطعن والتحريض، وهذا الأمر بددته انتفاضة أكتوبر، وبينت أن شرائح كبرى داخل المجتمع البغدادي تسعى لترسيخ قيم المدنية وإبعاد سطوة العشائر والجماعات المسلحة عنها".

وتضيف لـ"اندبندنت عربية"، "ساهمت الانتفاضة في تحفيز عدد كبير من النساء في مجتمعات يشار لها على أنها منغلقة قبلياً، أو يغلب عليها الطابع الديني، بالاشتراك والسعي لأن يكون لهن دور في صناعة شكل المستقبل"

وتشير إلى أن "النظرة إلى الاختلاط بأنه فعل لا أخلاقي، وثقافة دخيلة على بغداد مرتبطة بقوى السلطة وليس المجتمع البغدادي. وهذا ما بدا جلياً في فترة الاحتجاجات"، مبينة أن "الانتفاضة استعادت للنساء الجرأة بالعودة للنشاطات المدنية والنسوية، بعد الاستهدافات المتكررة من جماعات مسلحة طالت عدداً منهن في فترات سابقة، وحفزت النساء للتعبير عن همومهن ومشاكلهن بصوت عالٍ".

وتختم كريم بالإشارة إلى أن "الحراك الأخير حفّز النساء على اتخاذ أدوار مساوية لأدوار الرجال في جميع الأنشطة المدنية والثقافية والسياسية، فضلاً عن محاولة استعادة روح بغداد المدنية والمشاركة بتغذيتها".

 يبقى صراع مدينة بغداد نحو التحول إلى المدنية مرهوناً بمدى قدرة الدولة العراقية على إرساء قوتها على حساب الجماعات المتشددة، التي باتت تسيطر على مفاصل عدة فيها، الأمر الذي يجعل هذا الصراع قائماً ومستمراً مهما حاولت تلك الجهات إخفاءه أو قمعه.

المزيد من تحقيقات ومطولات