Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحجر الصحي يحرم الشباب المغربي من مهرجانهم المسرحي

إمكانية اللجوء إلى المنصّات الرقمية الإلكترونية لمواصلة الأنشطة الثقافية والفنية

من عروض المهرجان الشبابي في الدار البيضاء (اندبندنت عربية)

للمرة الأولى منذ 32 سنة، يتم تأجيل "المهرجان الدولي للمسرح الجامعي في الدارالبيضاء" في المغرب، الذي تنظمه جامعة الحسن الثاني (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك) بسبب يوميّات الحجر الصحي، التي طاولت البلد منذ أشهر. فكرت المؤسسة في إمكانية اللجوء إلى المنصّات الرقمية الإلكترونية لمواصلة أنشطتها الثقافية والفنية، غير أنّ الأمر، اختلف هذه المرة، بحيث أنّ المسرح يتطلب حضوراً فيزيقياً ومُشاهدة مُباشرة داخل الفضاء الحيّ، مقارنة مع ندوات أدبية أو أنشطة ثقافية أو أعمال سينمائية من المُمكن أنْ تُعرض عن بعد. هكذا كان التأجيل هو الخطوة الوحيدة، التي أقدمت عليها المؤسسة، لتفادي بعض الإصابات القادمة من أوروبا وخارجها، خاصة وأنّ المهرجان "دولي" وتتقدّم إليه فرق مسرحية من كافة دول العالم وبوتيرة كبيرة، من حيث الفرق المُشاركة وكثافة الجمهور الذي دأب منذ سنوات على الحضور للاستمتاع بالعروض المسرحية، خاصة تلك القادمة من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. بعض الفرق المغاربية تجد نفسها في حالة صدمة من التألق البصري والزخم الفكري، الذي تنضح به هذه التجارب المسرحية الغربية، وتستدعي التفكير في مثل هذه المناسبة عن واقع المسرح الجامعي المغاربي.

هذه السنة اختلف الأمر، ليس لأنّ المهرجان يدخل فقط ضمن أجندات المؤسسة وبرامجها الفنية السنوية، وإنما أيضاً من جهة الجمهور الذي حُرِمَ من المُتعة البصرية، التي تهز كيانه وهو مُقبلٌ على مُشاهدة أعمال تحفر مجراها عميقاً في الذاكرة العربيّة بكل مأساتها ونتوءاتها. ولم تر المؤسسة المُنظمة، إمكانية المُغامرة في تنظيم المهرجان في يوليو (تموز) المنصرم، فكان التأجيل أفضل حلٍ، يُمكن أنْ تقوم به، ريثما يتحرّر البلد من الوضعية الوبائية وتعود الأمور إلى نصابها، آنذاك يُمكن للمؤسسة، أنْ تعلن مُجدداً عن إقامة هذا الحدث المسرحي الغنيّ شكلاً وموضوعاً.

مكانة مقبولة

من الأمور التي بات يحفل بها مهرجان المسرح الجامعي، هو أنه أضحى مناسبة للتفكير في وقت غدت الكتابة المسرحية غائبة عن الساحة الثقافية وأشبه ب"الفولكور" في نظر مؤسسات فنية كثيرة داخل المغرب، أمام  مكانة بارزة يُمثّلها المسرح في الغرب، وقدرته على تحرير الحياة الثقافية من الفقر المادي المُدقع، الذي قد يستبد بها.  من ثم، فإنّ مكانة المهرجان لا تتوقف فقط على عرض مسرحيات للاستمتاع، بما تمنحُه للجمهور من مُتعٍ آنية، بقدر ما غدا مناسبة وفضاء للتفكير في خصوصية المفاهيم والنظريات وحداثة التجريب داخل المسرح المغربي وتقليديته. فهو لم يُحقّق بعد حداتثه المُنتظرة، إلاّ في بعض تجارب مسرحية قليلة برزت مؤخراً،  تُحاول جاهدة اجتراح لغة مسرحية جديدة غير مألوفة داخل الساحة. رغم أنّ هذه التجارب التي تخترق بنية مكبوت المسرح المغربي التقليدي، قد يعترض سيرها وتقدّمها مفهوم الرقابة، كخطٍ بارز في المشهد المسرحي المغربي. ومع ذلك فمهرجان المسرح الجامعي في الدار البيضاء، يُحاول قليلاً التنصّل من هذه الرقابة، التي تُعيق العملية المسرحية وتجعلها خاضعة لعادات وتقاليد مُجحفة.

كل هذا جعل مكانته مقبولة بالنظر إلى مهرجانات مسرحية أخرى هزيلة على مستوى الكم والكيّف، وتحتكم في مُجملها إلى الصداقة والزمالة، من دون مراعاة خصوصية العمل المسرحي وقيمته الفنية وما يُقدّمه من آفاق جمالية على مستوى الشكل. ما يحكم على العديد من المهرجانات المسرحية المغربية بالوهن والتفكّك والتلاشي، لأنّ مُنطلقاتها ليست معرفية، ولا مداخلها الأساسية فنية وثقافية، بل كلّ ما يُهمها هو الدعم الكبير، الذي تحصل عليه هذه المهرجانات ويجعلها كلّ سنة تُقبل على كتابة أعمال مسرحية ضعيفة وهجينة لتقديمها من أجل الحصول على الدعم لا أكثر. ولكن بهذا الرأي، لا نُجزم أنّ المسرح الجامعي هو الأفضل، بل هو الآخر له أعطابه التقنية وأخرى مُرتبطة باختيار الأعمال المسرحية المُشاركة، لكن ومع ذلك فهو مُهمٌ، لأنه يُتيح فرصة أكبر للشاب من الجيل الجديد داخل المسرح العربي على التعبير عن جوارحه ومكنوناته، وغالباً ما تكون الأعمال التونسية صادمة للجمهور المغربي، بسبب الجرأة التي يمتلكها المسرح التونسي داخل الكارتوغرافية المغاربية، مقارنة مع المغرب والجزائر.

تجريب مُتواصل

هكذا ظلّ المهرجان على مدار 32 سنة من العمل المُتواصل، يصنع أهميته انطلاقاً من التلاقح الفني، الذي يُقيمه مع التجارب المسرحية الغربية الأخرى. لكن السمة البارزة فيه كل سنة، هي خاصية التجريب، التي تنضح بها بعض الأعمال المسرحية المغربيّة الجديدة، من خلال الرهان على الجسد ومكبوتاته السياسية والاجتماعية وخلخلة المألوف من الصورة النمطيّة التي تشكّلت عبر مدار سنوات حول تقليدية المسرح المغربي وشعبيته. إذْ أنّ هذه التجارب الجديدة تخلق الحدث داخل هذا المهرجان، والناس أصبحت تُراهن على أسماء من الجيل الجديد، عوض وجوه باتت رتيبة من كثرة بروزها على الساحة المسرحية منذ ثمانينيات القرن المنصرم، تجعل المسرح المغربي يدور في فلكٍ مُغلقٍ من التنميطات المُتكرّرة شكلاً وموضوعاً ومُعالجةً. لكن المُلاحظ، هو أنّ المؤسسة وعلى مدار دوراتها السابقة، أحست بهذا الدور الكبير، الذي بات يلعبه الشباب داخل الجامعة في خلق مسرح مغربي جديد، يُراعي الإبدالات الجمالية والفنية المُركبة بين المسرح والسينما والأدب، وقدرة بعض أسماء هذا الجيل في كل من المغرب وتونس والجزائر ولبنان والإمارات والسعودية وسورية على إنتاج مسرحيات ذات طابع تركيبي تُوازي في متونها بين قوّة النقد وفي أشكالها التعبيرية على محنة الجسد أمام عنف الواقع وسورياليته. من ثم، ظلّ هذا الرهان داخل هذا المسرح الجامعي مُتأججاً داخل أجندات المؤسسة الجامعية، التي لم تعمل فقط، على عرض مسرحيات، وإنما على استحداث عروض مفتوحة مع الجمهور وإقامة ورشات في التدريب المسرحي، هذا إضافة إلى عدد من الندوات العلمية، التي تُقام داخل الجامعة أو خارجها ببعض المركبات الثقافية القريبة من مُحيط الجامعة، بُغية الانفتاح أكثر على أطياف جديدة من المجتمع المدني، يُشارك فيها ثلة من الباحثين والمسرحيين، الذين ينتمون إلى بلدان عربية مُختلفة.  

المزيد من ثقافة