أظهرت أرقام الناتج الصناعي والتجارة لأكبر اقتصاد بأوروبا، الجمعة، مؤشراً على احتمال سرعة وقوة التعافي من أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19)، مما كان مقدراً سابقاً. ورغم أنّ تلك المعدلات تظل أقل مما كان عليه أداء الاقتصاد قبل الجائحة، فإنّ النسب والتوقعات تحمل على الاعتقاد بأن تأثير الأزمة ربما يكون أقل من توقعات سابقة في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين.
ورغم عودة أرقام الإصابات بالفيروس إلى الارتفاع بأنحاء مختلفة، واستمرار الوضع المتفاقم بالولايات المتحدة وتأثيره في الاقتصاد عموماً، فإنّ توالي الأرقام الإيجابية يثير موجة من التفاؤل في أوساط المستثمرين وأصحاب العمال.
وأدّى تعافي الاقتصاد الصيني بسرعة من تبعات أزمة وباء كورونا، إذ كانت الصين أول دولة يتفشّى فيها، بالتالي سيطرت على الوباء قبل الآخرين حول العالم، إلى زيادة الطلب على المنتجات الصناعية، خصوصاً من شركائها من كبار المصدرين الأوروبيين.
وحسب الأرقام الرسمية، ارتفع الناتج الصناعي الألماني في يونيو (حزيران) بمعدل شهري 8.9 في المئة، مقارنة مع ارتفاع 7.4 في المئة بمايو، لكنه يظل أقل بمعدل سنوي 11.7 في المئة، مقارنة مع يونيو العام الماضي 2019.
كما ارتفعت الصادرات الألمانية في يونيو بمعدل شهري 14.9 في المئة، مواصلة الارتفاع الذي بلغت نسبته في مايو تسعة في المئة، ليصل حجم الصادرات إلى 113.5 مليار دولار (96.1 مليار يورو). لكنها تظل أقل بمعدل سنوي، تحديداً 9.4 في المئة عن نمو الصادرات في يونيو 2019، وأقل 16 في المئة عن معدلات فبراير (شباط) هذا العام، أي قبل أزمة وباء كورونا.
ومع نمو الواردات الألمانية في يونيو بمعدل شهري سبعة في المئة، لتصل إلى 95 مليار دولار (80.5 مليار يورو) يكون فائض الميزان التجاري الألماني لصالحها عند 18.4 مليار دولار (15.6 مليار يورو)، أي بالقدر نفسه تقريباً كما كان العام الماضي في الشهر نفسه عند 19.4 مليار دولار (16.5 مليار يورو).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المكوِّن الرئيس في نمو الإنتاج الصناعي جاء من صناعة السيارات، التي تضم شركات ألمانية كبرى مثل مرسيدس وفولكسفاغن وبي إم دبليو. إذ ارتفع الناتج الصناعي في قطاع السيارات خلال يونيو بمعدل شهري 54.7 في المئة، بينما قفز إنتاج المواد والبضائع الاستهلاكية 7.3 في المئة، وكان أقل معدل نمو شهري في إنتاج قطاع الإنشاءات 1.4 في المئة، إلا أنّ حجم الإنتاج في القطاع يظل أقل مما كان عليه قبل أزمة وباء كورونا في فبراير الماضي 20 في المئة تقريباً.
تلك الأرقام جعلت عدداً من الاقتصاديين والمحللين يعودون إلى احتمال سيناريو التعافي الاقتصادي السريع بعد أزمة الوباء، أو على الأقل سيناريو في المتوسط ما بين السريع والبطيء مع استبعاد الركود العميق.
وحسب تقديرات معهد إيفو، الذي يقيس ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال بالاقتصاد في مسح أخير، فإنه يوجد شعور عام بالتفاؤل، ويتوقع غالبية من شملهم المسح استمرار النمو في الأشهر الثلاثة المقبلة. ويقدّر كثيرون أنه ما لم تحدث أي انتكاسة مفاجئة يمكن للاقتصاد الألماني أن يعوّض في الربع الثالث من العام أكثر من نصف ما فقده في الربع الثاني، إذ كان التأثير السلبي لانتشار وباء كورونا على أشده.
وتشير الأرقام إلى أنّ الاقتصادَين الفرنسي والإسباني يشهدان أيضاً تحسّناً في الناتج الصناعي وبالتجارة على خُطى الاقتصاد الألماني. فقد ارتفع الناتج الصناعي الفرنسي خلال يونيو بمعدل شهري 12.7 في المئة، بينما قفز الناتج الصناعي الإسباني خلال يونيو 14 في المئة بمعدل شهري.
وحسب تقديرات المفوضية الأوروبية يتوقع انكماش الاقتصاد الألماني 6.3 في المئة هذا العام، على أن يحقق نمواً 5.3 في المئة العام المقبل 2021. وهذا أفضل من التقديرات لمنطقة اليورو ككل، التي يقدر انكماش اقتصادها 8.7 في المئة هذا العام.
ويعود القدر الأكبر من ارتفاع طلبات المصانع إلى تحسُّن التجارة الأوروبية مع الصين، رغم تراجعها مع أميركا وبريطانيا، الشريك الأوروبي الذي أصبح الآن خارج الاتحاد الأوروبي (بريكست) رسميّاً، إذ ارتفعت الواردات الصينية من الدول الأوروبية الرئيسة في يونيو بمعدل سنوي 15.4 في المئة، مقارنة مع واردات يونيو 2019، إلا أنّ الطلب على صادرات كبرى الدول الأوروبية من الولايات المتحدة تراجع خلال يونيو 20.7 في المئة. وهبطت الواردات البريطانية من ألمانيا في يونيو بمعدل سنوي 15.7 في المئة، بينما هوت الصادرات البريطانية بمعدل أكبر 21 في المئة، مقارنة مع يونيو العام الماضي 2019.
وتنتظر الأسواق أرقام الشهرين المقبلين للوصول إلى قدر من اليقين بشأن مسار التعافي الاقتصادي العالمي عموماً، إذ ستكون بيانات الربع الثالث من العام حاسمة إلى حدّ ما في توضيح سرعة وقوة التعافي. وإذا أضيفت أرقام ألمانيا، الجمعة، مع أرقام وبيانات الاقتصادات الأوروبية الرئيسة الأخرى، باستثناء إيطاليا، إلى الصورة التي رسمها بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) الخميس لتوقعات نمو الاقتصاد يمكن القول إنّ التفاؤل الحذر بشأن النمو الاقتصادي مبرر.