نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بتوجيه الأنظار إليه ورفع شعبيته بين الإسرائيليين، وذلك في ذروة المنافسة الانتخابية وتبادل الاتهامات بينه وبين أقوى منافسيه بيني غانتس، بعدما أعلن أنه أنجز أقوى تعاون إقليمي في العالم، بالتوقيع على اتفاق مع اليونان وقبرص وبإشراف أميركي، بمدّ أنبوب غاز من إسرائيل عبر قبرص واليونان إلى أوروبا.
وعلى مدار ثلاثة أيام، وحتى مساء الخميس 21 مارس (آذار)، أبقى نتنياهو الأنظار مشدودة إليه، من خلال لقاءاته مع الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، ونظيره اليوناني ألكسس تسيبراس، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والتي بدأت في بحث التعاون الأمني والعسكري ثم الملف السوري والضغط الإسرائيلي للاعتراف "بإسرائيلية" الجولان والمخاطر المحدقة بإسرائيل من قبل محور حزب الله – إيران- سوريا، وسبل التعاون لمواجهتها وصولاً إلى الاتفاق على مد أنبوب الغاز، الذي أكد نتنياهو أنه لا يقتصر على التعاون الاقتصادي حول تسويق الغاز، إنما يمتد إلى شتى المجالات بدءاً من إطفاء الحرائق وانتهاء بالطاقة، عبر الأمن والتعاون الإستراتيجي، الذي قفز درجات عدة في السنة الأخيرة.
نتنياهو حرص على جمع الثلاثة في لقاء واحد ليعلن عنه "لقاء قمة"، ليرفع من مكانته السياسية والدولية. ثم تبعه مسؤول في حزبه مروّجاً إنجازات نتنياهو بالإعلان عن أن اجتماع القمة الثلاثي كشف "تحقيق قفزة في التعاون العسكري بين الدول الثلاث يبلغ حد إقامة جهاز مراقبة مشترك في البحر الأبيض المتوسط لحماية آبار الغاز". يأتي هذا، بعد الإعلان عن "بدء تجهيز وحدة الهندسة في سلاح البحرية الإسرائيلية للعمل على إنشاء جهاز رادار إسرائيلي بحريّ متطور في جزيرة كريت، يكون قادراً على اكتشاف إشارات من مسافات بعيدة وقريبة".
هذه المشاريع اعتبرها نتنياهو زيادة في القدرة الإسرائيلية على مواجهة المخاطر المحدقة بها، بعدما هدّد حزب الله وإيران، مرات عدة، باستهداف آبار الغاز التي اكتشفتها إسرائيل في عرض البحر المتوسط، والتي ما زال الخلاف في شأنها قائماً بين إسرائيل ولبنان. إلى جانب آبار الغاز، سبق أن تحدث مسؤولون سياسيون في إسرائيل عن تطور كبير في العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل واليونان، خصوصاً بعد ارتباط مصالحها في مواجهة تركيا وفي حماية آبار الغاز. وتجري اليونان وأيضاً قبرص، تدريبات عسكرية مشتركة مع إسرائيل. ووفق نتنياهو ينعكس هذا التعاون على الموقف السياسي لليونان، إذ إن أثينا خفّفت من موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية في الهيئات الدولية، من درجة التأييد المطلق إلى درجة التأييد الخجول".
ثلاث سنوات من التخطيط
التوصل إلى اتفاق مد أنبوب الغاز، جاء بعد ثلاث سنوات في الأقل من التخطيط والعمل الإسرائيلييَن. فقبل عامين تم التوقيع على إعلان مشترك بين إسرائيل، واليونان وقبرص، يقضي بتعزيز العمل لمد الخط البحري لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا خلال السنوات الثماني المقبلة. وبموجب هذا الإعلان يبلغ طول خط الغاز في أعماق البحر 2000 كيلومتر، ويعتبر الأطول في العالم، وسيتيح لإسرائيل تصدير الغاز إلى الدول الموقّعة على الاتفاقية ودول البلقان ودول أوروبية أخرى.
ويشمل المشروع إقامة أنبوب بحري بطول 1300 كيلومتر من حقل الغاز شرق البحر المتوسط حتى جنوب اليونان، وكذلك أنبوب برّي بطول 600 كيلومتر باتجاه غرب اليونان، بحيث يرتبط بأنابيب قائمة من أجل نقل الغاز إلى إيطاليا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي. كما تشير التقديرات الأولية إلى أنه سيتم نقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.
هل يمكن تنفيذ أنبوب الغاز؟
"حنكة سياسية"، "ضربة معلم"، "إنجاز انتخابي"، هذه بعض الأوصاف التي أطلقها سياسيون وأمنيون على إعلان نتنياهو بالتوقيع على مد أنبوب الغاز، لكن خبراء، شككوا في إمكان تنفيذ هذا المشروع. وفي بحث سبق ونشره "معهد أبحاث الأمن القومي"، في تل أبيب للباحث عوديد عيران، اعتبر تصدير الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص غير قابل للتنفيذ، لكونه معقداً جداً من الناحية التقنية وينطوي على مشاكل سياسية عدة، مرتبطة بالصراع في قبرص. وأشار إلى أن هذا الإمكان مرتبط اقتصادياً بموافقة دول أخرى مصدرة للغاز في الشرق الأوسط على تقاسم قدرات ضخها للغاز مع إسرائيل من أجل تبرير الاستثمار المالي المطلوب.
واعتبر عيران أنه "من الناحية السياسية، تكمن في مشروع كهذا أفضليات سياسية واقتصادية بالنسبة إلى إسرائيل، كونه يضمن سوقاً كبيرة ومستقرة، ويضيف بعداً مهماً لعلاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي، المتزعزعة منذ فترة طويلة، ويعزز الاستقرار في الشرق الأوسط، لأن جميع الدول المصدرة للغاز والتي تستخدم الأنبوب ستكون معنية بمداخيل تنبع من عمل الأنبوب الآمن والمتواصل. لكن هذا مشروع للأمد البعيد، خصوصاً إذا أخذ في الحسبان حقيقة أن شروطاً عدة مسبقة لتطبيق ذلك غير موجودة بعد". وفي جانب صفقة إسرائيل – مصر يرى الخبير عيران، أن هذا الخيار "يضيف بعداً آخر للتطور الإيجابي في العلاقات بين إسرائيل ومصر، لأن ثمة أهمية لتوسيع هذه العلاقات أكثر من التعاون الأمني الوثيق".
مصر والأردن مكاسب إستراتيجية
صفقة الغاز إلى أوروبا تأتي في مقابل صفقات الغاز بين إسرائيل ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية. فهذه، بالنسبة إلى الإسرائيليين أفضل، وتشكل مكاسب إستراتيجية واقتصادية، على الرغم مما تحمله من خطورة.
وكانت شركتا "ديلك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأميركية، صاحبتا الامتياز باستخراج الغاز من حقلَي "تمار" و"ليفياتان" في البحر المتوسط، توصلتا إلى اتفاق مع شركة "ديلفينوس" المصرية، وبموجبه ستزودان مصر بـ 3.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، على أن تكون الكمية كلها 32 مليار متر مكعب من حقل "تمار" وكمية مشابهة من "ليفياتان"، بمبلغ إجمالي يصل إلى 15 مليار دولار.
كذلك أعلنت "ديلك"، أن شركة East Mediterranean Pipeline (EMED) ، التي تملك "ديلك" 25 في المئة من أسهمها، اشترت 39 في المئة من أسهم الشركة المصرية Eastern Mediterranean Gas (EMG)، بمبلغ 518 مليون دولار، وهذه النسبة عبارة عن أنبوب نفط بطول 90 كيلومتراً، ممتد من أشكلون إلى العريش في مصر.
وحذر الإسرائيليون من أن شركتي "ديلك" و"نوبل" تخاطران بشرائهما قسماً من الأنبوب المصري لتنفيذ تزويد مصر بـ 64 مليار متر مكعب، خلال عشر سنوات تبدأ من السنة الحالية.
ووفق خبراء إسرائيليين فإن الصفقات بين إسرائيل وبين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية "مستقرة من الناحية التجارية، لكنها تخضع لعدد من المخاطر السياسية والأمنية ولمنافسة تجارية محتملة، ومن غير المستبعد أن تتخلى مصر في المستقبل عن استيراد الغاز من إسرائيل، في حال تطوير حقول الغاز المصرية.