Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل اقترب تحقيق "حلم" تصنيع سيارة جزائرية؟

لم تتمكن تجربة السنوات الخمس في هذا المجال من تحقيق مؤشرات اقتصادية إيجابية ولا تقليص فاتورة الاستيراد

مصنع تركيب علامة "كيا" في محافظة باتنة (مواقع الشركات المصنعة لعلامات السيارات التجارية)

بعد مدّ وجزر طيلة سبعة أشهر كاملة، أفرجت الحكومة الجزائرية عن دفتر جديد لتركيب السيارات في البلاد، يعوّض تجربة "فاشلة" لهذا القطاع بدأت منذ خمس سنوات، وانتهت بأغلب ممتهنيه من رجال أعمال في السجن. وتحولت صناعة السيارات في الجزائر إلى عبء اقتصادي وقانوني كبير وأيضاً مصدر سخط شعبي بسبب الأسعار المحلية وعيوب التركيب.

وقررت الجزائر الجمع ما بين تركيب السيارات على أساس دفتر شروط جديد وحرية استيراد السيارات الجديدة من قبل وكلاء (منعت في السنوات الخمس الأخيرة)، بما يمنح المجال للحكومة لتقييم أي عيوب محتملة في قطاع التركيب محلياً من دون تأثير ذلك على السوق الداخلية بوجود استيراد مباشر.

استحوذ خمسة رجال أعمال مقربين سابقاً من محيط الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، على قطاع تركيب السيارات في البلاد بعد حصولهم على تراخيص حكومية استثنائية، ولم تتمكن تجربة السنوات الخمس في هذا المجال من تحقيق مؤشرات اقتصادية إيجابية أو تقليص فاتورة الاستيراد، التي كانت المبرر الأول لإطلاق هذا النوع من الصناعة.

حلم سيارة جزائرية

ولم تتجاوز نسب الاندماج في التجارب الخمس أو الست التي انطلقت في البلاد الـ15 بالمئة، لذلك فشلت الجزائر في صناعة سيارة جزائرية مئة في المئة، وفشلت أيضاً في خلق قطاع مناولة لتوفير قطع غير أساسية وقطع غيار أخرى، فيما انحصر نشاط بيع السيارات المحلية لدى عدد من "السماسرة" بأسعار مرتفعة. وتحصي الحكومة خسائر سنوية بنحو 422 مليون دولار بفعل الامتيازات الممنوحة لمصانع التركيب، مقابل ارتفاع أسعار المركبات المحلية بنحو الضعف، مقارنة بالسيارات المستوردة في الفترة السابقة.

تحاول حكومة عبدالعزيز جراد تجاوز كل تلك المعوقات بموجب دفتر شروط جديد، أبرز ما فيه غياب الإعفاءات الجمركية والضريبية وتشجيع المركبات النفعية على حساب المركبات السياحية. وفي هذا الشأن، يقول مؤسس موقع "سيارة دي زاد" الصحافي لعرابي عبدالحي لـ"اندبندنت عربية"، إن "حكومة جراد لا تبدو متحمسة فعلياً لقطاع تركيب السيارات، يظهر هذا في جمعها بين التركيب والاستيراد، وعدم تحمسها للشراكات الدولية، إن حضرت أو غابت فالأمر نفسه، وفق تعبير وزير الصناعة فرحات أيت علي".

يتابع لعرابي قائلاً: "في الحقيقة ما كان يحصل في الجزائر هو مجرد تجميع وليس تركيباً للسيارات، إذا أرادت الحكومة إطلاق تجربة فعلية، فعليها البدء من عملية تركيب، شرط خلق نشاط مناولة يقوده شباب في مجال قطع الغيار".

استغرق إعداد الدفتر الجديد سبعة أشهر، وجرى إعداد الهيكل القانوني من قبل وزير الصناعة فرحات أيت علي، وهو رجل اقتصاد وكان من أشد الناقدين لتجربة الجزائر في مجال التركيب، والتي قدمت نموذجاً منفرداً عالمياً من حيث أسعار المركبات، إذ بلغ سعر السيارات بعد تركيبها في الجزائر أسعاراً أكبر من السيارات المستوردة من بلد المنشأ.

نفخ العجلات

وفي وصف صادر عن رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون لتلك المركبات، قال، إنها "مصانع لنفخ العجلات وليست لصناعة السيارات"، قاصداً وصفاً شائعاً بين الجزائريين ينتقد صيغة الشراكة التي وافقت عليها الحكومة من دون تدقيق في نسب الإدماج المحلي، وتقضي بجلب أغلب الأجزاء جاهزة مع الاكتفاء بتركيب عجلات السيارة وبعض القطع الجاهزة وغير الأساسية.

وعكس وصف تبون لقطاع السيارات في بلاده نظرة رئيس الجزائر لهذه الصناعة، التي باشرتها الجزائر قبل خمس سنوات فقط. ومعلوم أن مهندس تركيب السيارات في البلاد هو وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، الذي فر بعد حكم قضائي بـ20 سنة سجناً نافذة في قضيتين على الأقل، مع أوامر بالقبض الدولي.

صمّم بوشوارب دفتر الشروط بالشكل الذي مكن رجال أعمال عديمي الخبرة في قطاع السيارات من الدخول في شراكات لم يحلموا بها مع علامات دولية. في هذا الشأن يقول أستاذ علوم الاقتصاد سفيان فواتيح لـ"اندبندنت عربية"، إن "العلامات الدولية للسيارات اختارت الصمت المطبق إزاء انهيار شراكاتها في الجزائر"، مضيفاً "التجربة الجزائرية عرّت انتهازية هذه الشركات بعد ما وافقت على الدخول في شراكات مع رجال أعمال لا يملكون أدنى خبرة، وبالتالي أسهمت في صناعة عالم مثالي للفساد في الجزائر، مستفيداً من سمعة تلك الشركات الأوروبية والآسيوية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف فواتيح "القرارات الوحيدة التي سمعنا عنها هي اتخاذ مؤسسة فولسفاغن قراراً بفض الشراكة مع شريكها مراد عولمي في مصنع محافظة غليزان، لكن الأمر المثير للغرابة أن هذه الشركة باشرت البحث عن شريك محلي جديد على أمل الاستفادة من مكانة في السوق، بموجب نص دفتر الشروط الجديد".

لكن فواتيح لا يبدو متفائلاً بنجاح التجربة الجديدة، وقال: "لا أرى تغييراً كبيراً في المنظومة الاقتصادية التي تؤطر الصناعة الميكانيكية في البلاد، لذلك أخشى أن تؤول التجربة الجديدة إلى النتائج نفسها. فهدف الحكومة الأوحد الآن هو إطلاق تجربة جديدة بصفر فساد، والأصح أن يكون تحقيق طفرة ميكانيكية حقيقية تُكسب شباب الجزائر تجربة في دخول هذا المجال، وربما توسيعه إلى أفريقيا في وقت لاحق".

كل من ركّب سيارة في السجن

وانتهى المطاف بجميع المتعاملين الذين منحتهم السلطات الجزائرية عبر "المجلس الوطني للاستثمار"، رخص إنشاء مصانع لتركيب السيارات، في السجن. وكشفت أولى المحاكمات لثلاثة من رجال الأعمال على الأقل، عن معاملات تفضيلية في صالحهم من قبل الحكومة على حساب مجموعة أخرى أقصيت لأسباب سياسية، وشكلت الشراكة مع علامة "رينو" الفرنسية الاستثناء، بما أنها شراكة حكومية – حكومية، بعيداً عن رأس المال الخاص.

وحكم القضاء الجزائري على رجل الأعمال محيي الدين طحكوت بالسجن 16 عاماً مع مصادرة جميع ممتلكاته، بما فيها مصنع لتركيب السيارات بالشراكة مع علامة "هيونداي" الكورية الجنوبية. كما حكمت على مراد عولمي بالسجن 12 سنة ومصادرة ممتلكاته والتي تضم أيضاً مصنعاً لتركيب علامة "فولسفاغن" الألمانية، في حين تم الحكم على محمد بايري بالسجن ثلاث سنوات وإلغاء مشروع الشراكة مع "إيفيكو" الإيطالية.

المصير نفسه يتربص بعلامة "كيا" الكورية الجنوبية، التي دخلت في شراكة مع رجل الأعمال حسان عرباوي. هذا المصير أيضاً ينتظر رجل الأعمال أحمد معزوز مع فض الشراكة التي تجمعه بمؤسسة صينية لتركيب "الحافلات". ففي حالة هذا الأخير اكتشف قضاة التحقيق وجود اسم فارس سلال، نجل الوزير الأول السابق عبدالمالك سلال، شريكاً في بعض الاستثمارات بنسبة تفوق 25 في المئة من دون مقابل من رأس المال.

جرت محاكمة عدد كبير من المسؤولين السياسيين السابقين بسبب هذا الفساد، وحُملت المسؤولية للوزيرين السابقين، أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، ولوزراء الصناعة، عبدالسلام بوشوارب (في حالة فرار) ويوسف يوسفي وأيضاً الوزير بدة محجوب.

المزيد من العالم العربي