Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعيات فرض بريطانيا العزل على الوافدين من إسبانيا

إن النماذج الاقتصادية لا تستطيع أن ترصد سوى القليل مما يجري حالياً بسبب غياب البيانات ذات الصلة، فالعالم لم يمر بتجربة كهذه من قبل

كيف كانت الإجازة إذاً في إسبانيا؟

يمثل القرار البريطاني المفاجئ، بأن يعزل الناس الآتون أو العائدون من إسبانيا أنفسهم لأسبوعين، واحدة من الضربات التي سنضطر إلى الاعتياد على تلقيها لأشهر كثيرة مقبلة. وقد يبدو الأمر تعسفياً، فعلى رغم حصول تفشٍّ لكوفيد-19 في بعض أجزاء إسبانيا، بما في ذلك برشلونة، تبدو مناطق أخرى خالية من الفيروس في شكل معقول. لكن ذلك هو واقع العالم.

فقد مرت ثلاثة أسابيع من أصل ستة على إغلاق ملبورن، ثاني أكبر مدينة في أستراليا، بعد تفشي موجة ثانية من الفيروس فيها. واضطرت لوكسمبورغ السبت الماضي إلى تشديد قيودها في مواجهة تفشٍّ جديد. وفي الولايات المتحدة، التي تبنت نهجاً كان مجزأً وأحياناً مربكاً، طرأ تحول على السياسات في ولايات مختلفة مع ارتفاع عدد الحالات والوفيات وهبوطها.

وهذه كلها تطورات مقلقة من وجهة النظر الشخصية ومعطلة بعمق من المنظور الاقتصادي. صحيح أن العزل بعد الإجازة، يثير غضباً مفهوماً عند الناس. لكن فلنتذكر أن المتاعب بسبب القيود على السفر تتخطى ذلك بكثير. فثمة عائلات لا تستطيع لم شملها بسبب وجود أفرادها على جانبين مختلفين من المحيط الأطلسي. وهناك جامعات تتساءل إذا كان نصف طلابها الأجانب سيتمكنون من متابعة دروسهم هذا الخريف. وفرضت إغلاقات المدارس ضغوطاً هائلة على عائلات كثيرة، ووقع العبء الأكبر على الأمهات، فهكذا يسير العالم. وهذا غير منصف في شكل بشع.

يجب أن نجهد لتجنب إصدار أحكام سريعة حول فاعلية الاستجابات الحكومية أو بشأن استجاباتنا المجتمعية الأوسع. فالوضع متحرك وسيبقى كذلك خلال الخريف. وثمة انطباع عام في المملكة المتحدة وأمكنة أخرى بأن من المخاطرة فتح القطاعات الاقتصادية في شكل أسرع مما يجب. وهذا صحيح، لكن إبقاء القطاعات مغلقة ليس تدبيراً مستداماً على الصعيد السياسي، كما يدل سخط الأحزاب في مختلف أرجاء البلاد.

وفي نظام ديمقراطي، يجب على الحكومة أن تقنع الآخرين بأن ما تفعله مدروس ومحسوب. وعليها أن تكون صادقة بخصوص التقدم الحقيقي الذي تحقق على صعيد النتائج في مجال الصحة العامة، وأيضاً في شأن التطورات الغامضة وهذا ليس سهلاً لأن البشر لا يتقنون فهم المخاطر.

مثلاً، ما هو عدد الأشخاص الذين يدركون أن عدد الوفيات الإجمالي في المملكة المتحدة، على رغم استمرارها بسبب الفيروس، باتت الآن أقل بكثير من المتوسط في خمسة أعوام؟ وسيكون من الصعب إيصال تلك الرسالة التي تؤكد وجود تقدم، وكذلك محاولة توعيتنا جميعاً إلى مختلف المواضيع المهمة ونحن نمضي نحو الخريف، مثل صعوبة حماية الناس الأكثر هشاشة. وسيستمر الارتباك.

بيد أن ما اتضح في شكل أكبر بكثير هو استجابة العالم الاقتصادية لهذا الوضع ككل. فنحن نعلم أننا تجاوزنا الأسوأ. وبدأ الانتعاش عند نهاية فبراير (شباط) تقريباً في الصين، ثم انتشر في أوروبا، ووصل إلى المملكة المتحدة في أواخر أبريل (نيسان)، ليترسخ في الولايات المتحدة في مايو (أيار). وثمة جدال الآن حول ما إذا كانت أوروبا القارية ستشهد انتعاشاً أسرع مقارنة بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعتقدُ بأن الأمر لم يُحسَم بعد. وعلى الناس أن يقاوموا إسقاط آرائهم السياسية في كفاءة الحكومات على الأداء الاقتصادي النسبي لبلدانهم. فالروابط أضعف مما ينبغي والتأخيرات أطول مما يجب. لكن ما يمكننا أن نثق به هو أن الارتداد الأولي عن القاع أصبح الآن ثابتاً، وأن الصعود من الهاوية سيكون مسألة غير متساوية تتألف من خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء.

ويعود السبب في ذلك إلى التحولات الهيكلية الضخمة الحاصلة حول العالم أكثر منه إلى الطلب على صعيد الاقتصاد الكلي. ولنعد الآن إلى العزل البريطاني المفاجئ المفروض على الناس الآتين من إسبانيا. فعلى هامش ذلك، لن يسافر إلى إسبانيا بعض الذين خططوا للتوجه إليها. ويمكننا أن نكون على ثقة بذلك، على رغم أننا لا نعرف عدد هؤلاء الناس. لكن ستكون هناك تداعيات غير مباشرة لا نستطيع سوى أن نخمنها.

ربما ستُلغَى رحلات خارجية أخرى لاعلاقة لها بالأمر نهائياً. وربما سيُنفَق مزيد من المال على أشياء مختلفة تماماً، مثل مزيد من الإنفاق على التحسينات المنزلية. وقد يوفر مزيد من الناس المال ويذهبون للتزلج في الشتاء المقبل. وربما سيستخدمون المال ببساطة ليسددوا ديوناً، ما يعني أن عائلات كثيرة ستخرج من هذا الوضع كله بوضع مالي أكثر متانة. نحن ببساطة لا نعرف.

لا تستطيع النماذج الاقتصادية رصد أي من هذه الأمور. فهي لا يمكن أن تستند إلا إلى بيانات سابقة. والآن لا توجد أي بيانات ذات صلة فالعالم لم يمر بتجربة كهذه من قبل. ولو كنتم متفائلين، وأعترفُ بأنني كذلك، فمن الحتمي أن نخرج من الأزمة باقتصاد عالمي أكثر مرونة من نواحٍ كثيرة جداً.

ربما تقل أسفارنا قليلاً، لكننا سنحمل قيماً أكثر صلابة. إلا أنني أشعر بصعوبة الأمر بالنسبة إلى الناس الذين اعتقدوا بأنهم يستطيعون فور تحسن الظروف أن يسافروا في إجازة إلى إسبانيا، أو فلوريدا أو بالي أو مكان آخر، من دون أي مخاوف. غير أن العالم لم يتجاوز هذه المرحلة بعد.

© The Independent

المزيد من آراء