Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن مبررات العودة إلى المكاتب

تخشى الحكومة من أن يعرقل الأشخاص المتمسكون بإجراءات العمل التي تبنوها خلال الإغلاق، الانتعاش الاقتصادي. لكن ما هو الفارق الذي تحدثه هذه الظاهرة حقاً؟

متى سيعود العمال إلى مكاتبهم في وسط لندن بعد كورونا (غيتي) 

أرسى البيان الذي أصدره بوريس جونسون يوم الجمعة الماضي الأساس لعودة البريطانيين إلى مكاتبهم.

وقال رئيس الوزراء إن النصيحة الرسمية بأن يعمل الناس من المنزل إذا استطاعوا، ستتغير بدءاً من 1 أغسطس (آب). وأضاف "سنعطي أصحاب العمل مزيداً من حرية التقدير، ونطلب منهم أن يقرروا كيف يمكن لموظفيهم العمل بأمان… في حين نعيد فتح مجتمعنا واقتصادنا، يصح إعطاؤنا أصحاب العمل مزيداً من حرية التقدير مع الاستمرار في ضمان سلامة الموظفين".

وجاء البيان إثر خطاب وجهه أندرو بايلي محافظ بنك إنجلترا إلى النواب المحافظين. وذكرت تقارير أن بايلي أعرب عن مخاوفه من الأثر الاقتصادي الأوسع الضار لتوقف الناس عن الانتقال إلى المكاتب.

وادعى نائب لم تورد التقارير اسمه أن المحافظ (بنك إنجلترا) حض مكتب رئيس الوزراء على تشجيع الناس على معاودة استخدام النقل العام، والعودة إلى المكاتب قائلاً "إننا سنواجه الركود لفترة طويلة ما لم نتخذ هذه الإجراءات كلها".

وبما أن هذه المعلومات بلغتنا في شكل غير مباشر، لا نعرف ما الذي قاله المحافظ بالضبط، لكن يجدر النظر في صحة حاجتنا إلى العودة إلى المكاتب لكي ننقذ الاقتصاد من عدم صحتها.

كيف يمكن للعودة إلى المكاتب أن تساعد الاقتصاد؟

ثمة أسباب كثيرة قد تجعل أي شخص انتقل يوماً ما إلى مكتب يعتقد بأن الأمر بديهي.

أولاً، ثمة الطلب الناشئ على خدمات النقل. فإذا انتقلتم في قطار أو حافلة، فأنتم تنفقون المال على هذه الخدمات.

وحين بدأ الإقفال في مارس (آذار)، اضطرت الحكومة إلى إنقاذ الشركات المشغلة لرخص السكك الحديد.

وكانت الخطوة ضرورية لضمان استمرار توفر الخدمات للعاملين الأساسيين، على رغم انهيار عدد الركاب.

وأقرت الحكومة إنفاقاً عاماً إضافياً بقيمة 3.7 مليار جنيه إسترليني (4.65 مليار دولار) لهذا الغرض، غير أن الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد البروفيسور توني ترافرس قدر أن الإنفاق قد يصل إلى ضعفي هذا الرقم، وربما أكثر، إذا لم تعد أعداد الركاب إلى طبيعتها.

وتؤكد "نتوورك رايل" (الشركة المالكة المشغلة لمعظم السكك الحديد في بريطانيا) أن أعداد الركاب لا تتجاوز خُمْس ما كانت عليه قبل فيروس كورونا.

ونالت "ترانسبورت فور لندن" (الشركة المشغلة لنظام النقل في مدينة لندن الكبرى)، التي انهارت عوائدها من الحافلات والمترو خلال الإغلاق، إنقاذاً حكومياً كان عبارة عن منحة بقيمة مليار جنيه إسترليني، وقرض بواقع 600 مليون جنيه.

 

ما هو الوضع بعيداً عن قطاع النقل؟

تقوم منظومة بيئية من المؤسسات الصغيرة حول مراكز المكاتب والشركات في مراكز المدن والبلدات، وتشمل متاجر السندويشات، ومحال بيع الصحف، والحانات.

وبات مسموحاً لهذه المؤسسات فتح أبوابها، لكن إن بقي عملاؤها الرئيسون، العاملون المكتبيون، يشتغلون جميعاً من المنازل، لن يتمكن كثير من هذه المؤسسات من الاستمرار.

ويضم كاناري وارف Canary Wharf، وهو حي للمكاتب في شرق لندن، أكثر من 300 متجر، وحانة، ومقهى ومطعم، لكن سبعة آلاف فقط من العاملين المألوفين في المنطقة، وعددهم 120 ألفاً، عادوا إلى مكاتبهم.

وهبطت المبيعات في "بريتا مانجيه"  Pret a Manger، وهي من أكبر المؤسسات المزودة للسندويتشات، ووجبات الغداء في المكاتب، بنسبة 74 في المئة، مقارنة بها قبل سنة، ما دفع سلسلة المتاجر إلى إغلاق 30 من محالها، وصرف ألف عامل.

يجب أيضاً النظر في القطاع العقاري. فالمكاتب غير المستخدمة، أو المستخدمة بأقل من طاقتها تخلق قدرة فائضة من شأنها أن تضرب أسعار العقارات التجارية وإيجاراتها، الأمر الذي لا يشجّع الاستثمار. وهذا كفيل بإحداث أثر غير مباشر في وظائف قطاع البناء.

وثمة عاملون كثر مثل عاملي النظافة المكتبية، والحراسة الأمنية يجب أخذهم في الاعتبار. فلو قل عدد مستخدمي المكاتب، سيقل الطلب على هذا النوع من الوظائف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما هو الفارق الاقتصادي الذي تحدثه هذه الظاهرة حقاً؟

يصعب تقدير قيمة الاقتصاد "المكتبي" الأوسع.

ولا يجمع "مكتب الإحصاءات الوطنية" ONS بيانات عن أعداد العاملين المكتبيين، على الرغم من أنه أفاد بأن نحو 47 في المئة من العاملين اشتغلوا بعض الشيء من المنازل في أبريل (نيسان) خلال الإغلاق، ما أعطى فكرة تقريبية عن الحد الأعلى لهذه الشريحة السكانية.

يسهم النقل بالسكك الحديد بنشاط اقتصادي بقيمة نحو خمسة مليارات جنيه إسترليني سنوياً ويكون نصف الرحلات بالسكك الحديد (من مترو وخطوط قطارات الضواحي) مخصصاً لأغراض التنقل، أو الأعمال.

وفي العام الماضي كان حوالي 2.5 مليون شخص يعملون في قطاع الضيافة، من المرجح أن جزءاً لا بأس به منهم كان يعمل في مراكز المدن.

ويصح الأمر نفسه على العدد المماثل من العاملين في البيع بالتجزئة.

فهل نسارع بالعودة إلى المكاتب لحماية هذه الوظائف والمؤسسات العاملة في مراكز المدن؟

من المهم بالتأكيد التفكير في الآثار غير المباشرة لسلوكنا الاقتصادي، وهذا يشمل الأثر غير المنتظر للعدد الأكبر بكثير من الناس العاملين من المنازل في شكل دائم.

لكن في الوقت نفسه يجب أن ننظر في المكاسب على صعيد الرفاه التي يحصل عليها العاملون بفضل عدم الاضطرار إلى التنقل، والمنافع البيئية المترتبة على تراجع عدد السيارات المتجولة على الطرق، وتراجع عدد الرحلات بالقطارات.

ويجب ألا نقلل من شأن قدرة الاقتصادات على التأقلم.

فلو أن كثيراً من الموظفين كانوا يعملون في المكاتب، وأصبحوا يشتغلون في المنازل بالإنتاجية نفسها، سيتوفر لهم مزيد من المال إذ لن يضطروا إلى الإنفاق على النقل العام، أو شراء غداء في مراكز المدن. وسيشكل الأمر خسارة للشركات المزودة لخدمات النقل، ومتاجر الأغذية، الأمر الذي سيدفعها على الأرجح إلى صرف موظفين.

لكن لو أنفق العاملون سابقاً في المكاتب مالهم المدخر في مواقع أخرى، فمن المرجح أن يولّد ذلك وظائف جديدة، وفرصاً اقتصادية جديدة.

ومن هذا المنظور، يجب أن يكون الهدف الأهم للحكومة أن تضمن مواصلة الناس إنفاق المال بدلاً من محاولة إدارة الأماكن التي ينفقون المال فيها.

© The Independent

المزيد من اقتصاد