Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحيرة "قبر عون" جوهرة ضائعة في الجنوب الليبي

لها خصائص علاجية لعدد من الأمراض الجلدية

رقصة تقليدية للطوارق في البحيرة (اندبندنت عربية)

تحتل الصحراء مساحة واسعة، من القطر الليبي الشاسع، فخلف شريطه الساحلي، الممتد على ضفاف البحر المتوسط، بحار من رمال، مليئة بالألغاز والعجائب، ومواقع نادرة للسياحة الصحراوية، التي لم تُستغل حتى يومنا هذا.

وتعتبر بحيرة قبر عون، إحدى هذه العجائب الساحرة، في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية، تقع بين هضاب ذهبية عالية من الرمال الناعمة، يفصل بينها حزام من النخيل الأخضر، وفي الأسفل تستلقي البحيرة، بلونها الأزرق الهادئ، ليشكل هذا المزيج الثلاثي اللون لوحةً ساحرةً، على امتداد لا نهائي من الفيافي القاحلة.

وليس المنظر المدهش فقط، هو ما يسلب العقول عند زيارة البحيرة ، بل خصائصها العجيبة، التي تجعلها مزاراً علاجياً وملاذاً سياحياً، للهاربين من ضوضاء المدن، في آن واحد.

جنة للناظرين

تقع بحيرة قبر عون، غرب مدينة سبها عاصمة الجنوب الغربي لليبيا، بنحو 130 كيلومتراً تقريباً، ويبلغ طولها نصف كيلومتر، وعرضها 200 متر عند أطول نقطة و90  متراً عند أقصر نقطة فيها.

تنفرد البحيرة، بميزة نادرة بين مثيلاتها من البحيرات الصحراوية، وهي ملوحتها وارتفاع نسبة الكبريت فيها، وحرارة مياهها التي يصل عمقها إلى سبعة أمتار، عند أقصى نقطة في قاعها.

عجائب لا تنقضي

تشتهر البحيرة بميزات نادرة وخصائص عجيبة، أولها أنها محصنة ضد الغرق، بسبب شدة ملوحة مياهها الكبريتية، ما يجعل أي جسم يدخل إليها يطفو إلى السطح، ولذا لم تسجل أي حالة غرق بالبحيرة، في أي وقت مضى.

ثاني الغرائب، التي تكشفها البحيرة تباعاً لزوارها، حرارة مياهها الدائمة، والتي تزداد كلما توجهت إلى الأعماق، ويمكن الشعور بهذه الحرارة بوضوح بعد تجاوز عمق متر ونصف المتر، نحو أسفل البحيرة.

وتقع ثالث الغرائب على بعد أمتار قليلة من البحيرة الشديدة الملوحة، حيث يمكن عبر الحفر باليدين لمسافة متر أو متر ونصف، استخراج ماء عذب خال من الملوحة تماماً، وهذا أمر اشتهرت به البحيرة عند السكان المحيطين بها، وزوارها على حد سواء.

علاج للأمراض الجلدية

تتميز مياه البحيرة الكبريتية الشديدة الملوحة، بخصائص علاجية للعديد من الأمراض الجلدية، مثل الصدفية وحساسية الجلد، بحسب ما يقول السكان الذي يعيشون بالقرب منها، لذا يقصدها العديد من الزوار، من مدن الشمال الليبي لغرض الاستشفاء.

وحول حقيقة الخصائص العلاجية لبحيرة قبر عون، يجيب الدكتور المختص في الأمراض الجلدية، أحمد الرياني على سؤال لـ "اندبندنت عربية"، "أكدت التجربة العلمية، أن مياه البحيرة عامل مساعد في علاج عدد من الأمراض التي تصيب الجلد، مثل الصدفية والتهابات وحساسية الجلد والطفح الجلدي، بسبب التوازن بين نسب الكبريت والملح في مكوناتها، بخاصة الأول الذي لا تعد نسبته مرتفعة في المياه، وإلا قد يسبب الضرر للجلد، أكثر مما يسهم في شفاء الأمراض التي تصيبه".

بحيرة الطوارق وأسطورة "عون"

ينتمي غالبية السكان، القاطنين بالقرب من بحيرة قبر عون، إلى قبيلة الطوارق الليبية، التي تنتشر في جنوب غربي ليبيا بشكل كبير، وتتميز بثقافتها الصحراوية الخاصة، الضاربة في القدم والمليئة بالألغاز.

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، خططت السلطات الليبية لاستغلال الإمكانات السياحية الهائلة للبحيرة، فرحلت سكان وأهالي قبر عون من الطوارق عنها، وفي عام 1989، بُنيت قرية جديدة لهم في منطقة "وادي الآجال"، الواقعة على بعد كيلومترات قليلة غربها، تحمل اسم قرية قبر عون، بعد أن كانوا يقيمون حول مياه البحيرة، منذ القدم.

أطلق الطوارق، اسم "قبر عون" على البحيرة، نسبة إلى قبر لأحد الصالحين، دفن على ضفاف البحيرة، ولا يزال ضريحه إلى اليوم.

ويعتقد السكان المحليون، بحسب الأسطورة الشعبية القديمة، التي تناقلوها جيلاً بعد جيل، أن هذا القبر يحمي البحيرة من انهمار الكثبان الرملية عليها، من الهضاب المحيطة بها، التي يصل ارتفاعها إلى نحو 10 أمتار، لذا ينظرون بقدسية كبيرة إلى القبر وصاحبه.

لؤلؤة في عقد فريد

بحيرة قبر عون، ليست يتيمة من المثيلات لها في محيطها الصحراوي، حيث تقع ضمن سلسلة متجاورة من البحيرات الصحراوية، عددها11  في الحيز الصحراوي الذي يسمى في ليبيا بـ"رملة الزلاف"، وأشهرها بحيرة المندرة (جفت حديثاً) وبحيرة "أم الماء"، لكنها تتميز عن أخواتها العشرة، بملوحة المياه وخصائصها العلاجية، بينما كل البحيرات الأخرى عذبة.

ويقول الصحافي الليبي، عماد بن عامر، الذي زار البحيرة مرات عدة، إنها "بما تنفرد به من خصوصية في كل شيء، تعتبر من الأندر في صفاتها وميزاتها، وباعتباري عضو نادي بنغازي البحري، زرتها أكثر من مرة، للمشاركة في مهرجانات للقوارب الشراعية، على مياهها الدافئة، وفي أحضان طبيعتها الساحرة".

ويتأسف في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن "البحيرة لم يستفد منها حتى الآن، كوجهة سياحية خلابة، بخاصة في الربع الأخير من السنة، حيث تكون الأجواء معتدلة في الصحراء، تستهوي تحديداً السائح الأوروبي، الذي يفضل الوجهات الدافئة وذات الطبيعة المغايرة لطبيعة قارته الباردة".

ويضيف "يمكن إقامة مهرجانات سنوية متنوعة على ضفاف البحيرة، بسبب طبيعتها الغنية، حيث شاهدت فيها مهرجانات عدة ناجحة، مثل التزلج على الرمال وسباقات القوارب الشراعية والمهرجانات الموسيقية، كما أضفى عليها سكان الطوارق، لمسة ساحرة، بسوق المقنيات المحلية التقليدية، الذي يقيمونه مع بداية كل مهرجان، وكانت مبهرة للسياح الذين شاركوا في الفعاليات".

معاناة من الإهمال

من جهة ثانية، يعتبر الصحافي والموسيقي الليبي، وليد بن صريتي، أن "قبر عون، جوهرة ضائعة في الصحراء، مثلها مثل بقية الكنوز الضائعة في هذا البلد، المبتلى بصراع فيه وحوله، طيلة قرن من الزمان".

ويستغرب بن صريتي "عدم وجود فندق سياحي واحد، على مقربة من هذه البحيرات الخلابة في الصحراء الليبية، التي تستغل بحيرات أخرى أقل منها جودة وسحراً، في إنعاش خزائن الدول، بمئات ملايين الدولارات سنوياً".

ويتمنى في حديثه لـ "اندبندنت عربية" أن "يقام مهرجان موسيقي عالمي سنوياً، في أحضان الصحراء وعلى ضفاف هذه البحيرات"، مؤكداً أنه "سيجد إقبالاً كبيراً وشهرة واسعة، ويجعل قبر عون وأخواتها، وجهة سياحية يشار إليها على المستوى الدولي".

وفي انتظار أن تمتد إليها اليد الراعية، والمقدرة لسحرها وجمالها وإمكاناتها، تبقى البحيرة محتفظةً بطبيعتها العذرية في صحراء ليبيا، وبعضاً من كنوزها المنسية، المتوارية خلف دخان الحروب وصراعات السياسة.

المزيد من منوعات