Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمين المتطرف على الشاشة... هل تفوقت دراما الواقع على الخيال؟

حذرت أعمال فنية من خطورة العقيدة العنصرية الهتلرية وفيلم "أنا كارل" يكشف قصة متطرف ألماني خطط لعملية إرهابية

يسرد "أنا كارل" قصة أسرة ألمانية تتعرض لانفجار يودي بحياة ثلاثة من أفرادها على يد يميني متطرف (نتفليكس)

يبدو أن التحذيرات المتوالية من صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، التي انطلقت منذ سنوات، لم تغير في الواقع شيئاً، فألمانيا التي تحارب العنصرية، وتحاول التخلص من إرث الأفكار النازية الهتلرية منذ أكثر من سبعين عاماً، تعاني مثلها مثل جاراتها في أوروبا من تنامي أفكار هذا التيار في عقول كثير من الفئات.

الأمر وصل إلى محاولات بعضهم الانقلاب على السلطة، حيث تفتح الدولة أبواب الهجرة على مصراعيها منذ أكثر من عشر سنوات، لا سيما لللاجئين العرب، وهو أمر ترفضه أحزاب وحركات اليمين التي تنظر بعين الريبة إلى الأجانب مع عدم التردد في تنفيذ اعتداءات ضدهم، حيث كانت جرائم الكراهية عنواناً أساسياً في وسائل الإعلام هناك لفترة طويلة.

إعادة إنتاج هتلر

حركة "مواطني الرايخ" المتشددة المتهمة بمحاولة القفز على دولة القانون، التي اعتقلت السلطات الألمانية العشرات من أفرادها بعد تهديدها كيان الدولة، ليست الوحيدة التي تضم بين عناصرها أشخاص يعتنقون الفكر الفاشي وضباط سابقين مهووسين بنفس الأيديولوجية.

وما حدث يذكّر بواقعة سابقة حدثت قبل سنوات في ألمانيا، حينما جرى القبض على ضابط سابق متنكّر في صفة لاجئ عربي، اتهم بأنه وراء عدة جرائم كان يهدف من القيام بها إلى لفت نظر السلطات، لأن تتوقف عن التساهل في منح فرص اللجوء كي لا تتعرض الدولة لعمليات إرهابية.

وهي الشخصية التي قدّمت بتنويعات كثيرة في أعمال فنية ألمانية تحاول التنبيه إلى خطورة العقيدة العنصرية الهتلرية العنيفة التي تسيطر على كثير من الشباب، بينها فيلم "أنا كارل" الذي عُرض العام الماضي من إخراج كريستيان شوتشوف وتأليف توماس فيندريتش.

ويسرد "أنا كارل" باختصار قصة أسرة ألمانية تساعد لاجئ ليبي على الهجرة إلى ألمانيا سراً، وبعد النجاح، تتعرض العائلة إلى انفجار رهيب يودي بحياة ثلاثة من أفرادها، وتتوالى التكهنات بأن اللاجئ العربي هو من يقف وراء الحادث، لإلقاء اللوم على نظام الهجرة في البلاد.

 

وتدريجياً يكتشف المشاهد أن منظم الجريمة الإرهابية ما هو إلى متطرف ألماني عُنصري متشدد، خطط للعملية، وحرص على أن يسرّب أنباء تلقي بالاتهام على اللاجئ العربي ليحقق مبتغاه، هي طريقة تحاكي أحداث كثيرة جرت على أرض الواقع، وتشير إلى أن تلك الأفكار تجد صدى وشعبية لدى شرائح متعددة في المجتمع الألماني.

وسبق وتناول المخرج الألماني دافيد فنينت تلك الظاهرة التي توصف بالمفزعة في فيلمه "المحاربة" الذي عرض عام 2012، حيث نبه فيه إلى خطورة انتشار تلك الأفكار في أوساط الشباب من خلال قصة مراهقة تؤمن هي وأصدقاؤها بالعقيدة النازية، ويتباهون برموزها ويناصرونها، ويوجهون كراهيتهم الدائمة نحو الأجانب، ويصل الأمر إلى قيامها بصدم شابين من أفغانستان عمداً كراهية لهم.

وبالعودة إلى الوراء وفي حادثة منفذ هجوم ‏مسجدي نيوزيلندا "برينتون تارنت"، عام 2019، الذي راح ضحيته 51 شخصاً، والذي صُنف على أنه "يميني متطرف"، فإن الجاني كان يحاكي لعبة "‏PUBG‏" الشهيرة ‏الموجودة على تطبيقات الهواتف الذكية، من حيث تيمة إطلاق النار ‏وطريقة التصوير.

فيما كانت هناك زاوية أخرى التفت إليها متابعو الأعمال ‏الفنية، وهي أن منفذ هجوم نيوزيلندا لم يختلف كثيراً عن مهاجمين آخرين ‏ظهروا على الشاشة، حيث نفذوا قصصهم، بعضها واقعي وأخرى ‏خيالية، في مشاهد محبوكة درامياً عبر السينما والتليفزيون.‏

مذبحة النرويج

منفذ المذبحة، ‏شاب أكمل لتوّه عامه الثامن والعشرين وينحدر من أسرة عادية، كما ‏وصف نفسه، نفّذ جريمته في بلدة صغيرة وهادئة، ودولة يباع فيها السلاح ‏بتسهيلات شتى، حيث جمّع أسلحته وأدواته على مدار شهور ‏وأسابيع، ثم ذهب وكأنه في رحلة عادية، وبهدوء وبرودة أعصاب ‏محاربي الألعاب الإلكترونية شرع في إطلاق النار ووثّق الواقعة، ثم ‏قام بجريمة أخرى، على بعد أمتار، تاركاً رسالة طويلة تشرح توجهاته ‏وأهدافه وأسباب إقدامه على ما فعل.‏

وقبل أكثر من ثماني سنوات، كان هجوماً شبيهاً حدث في النرويج ‏عرف باسم "مذبحة النرويج"، وهو الحادث الذي وُثّق بدقة في فيلم ‏‏"22 يوليو-‏‎ July ‎‏22 " المعروض عام 2018، حيث كان المهاجم ‏أندرس بهرنج برفينج في الثانية والثلاثين من ‏عمره، وكان أيضاً يمينيّاً متطرفاً يرفض سياسة الدولة في إدماج المهاجرين ‏والانفتاح على ثقافاتهم.

وبحسب ما جاء في الفيلم وفي الواقعة الحقيقة فهو ‏أيضاً يبدو شخصاً عادياً جداً، ونشاهده خلال الفيلم يحضّر أسلحته الثقيلة ‏التي اشتراها أيضاً بيسر مع مجموعة من المتفجرات دون أن يعترضه ‏أحد، ويذهب لتنفيذ الجريمتين بسلاسة شديدة بشكل متتابع، حيث استهدف مبنى حكومياً، والآخر كان في منتجع بجوار العاصمة النرويجية ‏أوسلو يضم مجموعة من الطلبة المراهقين والشباب من أبناء كبار رجال ‏الدولة ومشاهير المجتمع، لتصل الرسالة إلى ذويهم بأبشع صورة، حيث ‏قتل 77 شخصاً، مبدياً فخره بما فعل، وتاركاً الشرطة ووحدات مكافحة ‏الإرهاب في حالة صدمة، حيث لم يتوقعوا أن يحدث أمر مثل هذا في ‏منطقة بهذا الهدوء، كما أنهم لم يتوقعوا أن يكون تيار "النازيون الجدد" قد ‏توغل إلى هذا الحد ليخطط لعمليات بهذا الحجم.‏

 

أحداث الفيلم التي جسدت واقعاً مأساوياً، تبدو شبيهة بما جرى في ‏نيوزيلندا، وقد ظهر اليميني المتطرف على الشاشة وهو يحاول أن يقنع ‏بخطابه جماهير أخرى بالتضامن مع وجهة نظره، حيث كان يجلس ‏بتفاخر في أثناء التحقيقات والمحاكمة بعد أن حظى بواحد من أشهر ‏المحامين في البلاد، ليترافع في قضيته، مؤكداً أن توجهه العنصري سيسهم في تغيير المجتمع إلى الأفضل بعد أن يتم الاستيلاء على السلطة، ‏حيث كان ينتمي إلى حزب يميني شهير.

وقد ترك أندرس "مانفيستو" طويلاً ‏أيضاً شرح خلاله أفكاره وهو أمر قد تكرر أيضاً مع إرهابي ‏نيوزيلندا، وكانت والدة أندرس قد صدمت مما فعل، نظراً لأنه كان ‏إنساناً طبيعياً في رأيها على الرغم من غموضه في بعض الأحيان.‏

القصة نفسها جرى تنفيذها بحذافيرها في فيلم شارك كذلك بالمسابقة الرسمية بمهرجان برلين السينمائي، حمل عنوان "أوتويا"، وهو اسم الجزيرة التي جرت فيها واقعة إطلاق النار، وهنا يقول الناقد أندرو محسن لـ"اندبندنت عربية" إنه "من خلال الفيلم يعيش المشاهد التجربة بشكل مختلف، حيث يتابع الفيلم إحدى الفتيات وهي تحاول الهرب من إطلاق النار، الفيلم كان لقطة واحدة ومدته هي تماماً مدة تنفيذ العملية، وتبدو المشاهد مخيفة جداً وتثير الفزع، حيث استحضر المخرج أكثر من قصة من قصص الفتيات الناجيات وصنع من خلالها حكاية البطلة. أيضاً فيلم‏Arlington Road  ‎‏ الذي عرض عام 1999، كان يتحدث عن اليمين المتطرف مستنداً إلى قصة حقيقية ‏أيضاً، مع بعض التغييرات، عن أستاذ جامعي يخطط لعملية إرهابية لرفضه للنظام الفيدرالي الأميركي، انتقاماً لزوجته ‏التي كانت تعمل بالشرطة".‏

النازيون الجدد يحصدون الجوائز

اليمين المتطرف جرى تناوله كثيراً في أعمال فنية عالمية، لكن الشائع دوماً كان التطرق إلى عمليات ينفذها ‏عناصر منتمية إلى جماعات متطرفة، لكنه حضر أيضاً في أعمال أخرى ‏بعيداً من تلك الجماعات، فاليمين المتطرف كان نجم جوائز غولدن غلوب من ‏خلال فيلم "من العدم ‏In the Fade‏" للمخرج فاتح أكين، إنتاج ‏عام ‏‏2017، الذي فاز بالكرة الذهبية كأفضل فيلم أجنبي.

كما فازت بطلته ‏ديان ‏كروجر بأفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي، حيث حقق الفيلم ‏الألماني ‏إشادة كبيرة، وهو يدور أيضاً حول عملية نفذتها جماعة يمينة ‏متطرفة في ‏هامبورج بألمانيا قبل سنوات، حيث تنفذ جماعة الحركة السرية القومية الاشتراكية في ألمانيا، وهي ‏حركة للنازيين الجدد، عدة جرائم بين عامي 2000 و2007 بحق ‏مجموعة من المهاجرين إحياءً لفكر النقاء العرقي ولرفضهم سياسة ‏بلادهم الداعية لاستقبال اللاجئين والمهاجرين، بينما تحاول البطلة أن تفهم ‏حقيقة ما حدث بعد غموض وبطء التحقيقات، حيث تلتقي وجهاً لوجه بقتلة ‏زوجها الذين يدافعون عن أفكارهم بكل شراسة.‏

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفيلم عرض الحياة الحزينة التي تعيشها الزوجة والأم التي بدورها كانت ‏تتلهف على أخبار التحقيقات، ثم تحاول فيما بعد أن تحصل على العدالة ‏هي بنفسها، كما يركز بشكل أساسي على خطر النازيين الجدد في ألمانيا.‏

أكثر من عمل فني عرض وتناول سيرة عناصر يمينة متطرفة في أوروبا بعيداً من الشكل التقليدي لتلك العناصر، والذي كان معتاداً أن يظهر كثيراً، ويركز على الجماعات التكفيرية.

اللافت أن الأفلام تحديداً كانت تسرد وقائع بذاتها، دون حضور للخيال مثلما حدث من قبل في أعمال شبيهة، حيث تستند بالكامل إلى القصة الواقعية بحذافيرها، فهل دراما الواقع وكارثيته بالفعل كانت كافية إلى هذا الحد؟

يعلق الناقد أندرو محسن قائلاً "بالفعل كل تلك الأفلام مستندة إلى وقائع ومذابح شنيعة، لأن الأحداث بقدر ما كانت صادمة، فهي كافية لصناع الفيلم، ‏ليعملوا عليها، خصوصاً أن كثيراً منها حوادث فردية فلسنا بصدد جريمة منظمة هنا، فالدراما حاضرة بقوة وليست بحاجة إلى إضافة المزيد من التفاصيل الخيالية".

الدراما التلفزيونية تتناول الظاهرة

المسلسل البريطاني الشهير "حارس شخصي‏ ‎ Bodyguard"، الذي ‏عرض في أغسطس (آب) 2018، وهو قصة خيالية تتضمن لمحات أيضاً ‏عن صعود اليمين المتطرف في أوروبا من خلال شخصية المحارب القديم ‏صديق البطل، ويدعى أندي أبستيد، الذي يبدو شخصاً مظلوماً وحزيناً ‏بسبب إصابته في أثناء حرب بلاده في أفغانسان، ويتحدث كثيراً بود مع ‏صديقه الذي يتولى حراسة وزيرة الداخلية، ليكتشف الجميع الحقيقة ‏الصادمة وهو أنه منخرط في جماعات مسلحة تعادي سياسة الدولة التي ‏تعارض أفكارهم الداعية للانغلاق، ويحاولون تحجيم القرارات الداعية لما ‏يسميه هو تورط الدولة في حروب خارجية، ثم بشكل مفاجئ ينفذ أندي ‏هجوماً مسلحاً محاولاً قتل وزيرة الداخلية نفسها من أجل خدمة هدفه ‏ورسالته، كما قال قبل أن يقتل نفسه بالرصاص.‏

 

المتطرف هنا بدا ناقماً على حياته بعد أن اتهم الدولة بأنها السبب فيما ‏حدث له في أثناء الحرب، ويحاول أن ينتقم على طريقته، وكان يخفي مدى ‏تطرف أفكاره حتى عن أقرب أصدقائه، بل يتعاون مع جماعات ‏إرهابية شتى من أجل تنفيذ هدفه، والمسلسل يقترب بشدة أيضاً من أفكار ‏وتصرفات الجماعات اليمينة المتطرقة كذلك من خلال شخصية ‏الانتحارية "نادية"، التي تخدع الجميع وتبدو مغلوبة على أمرها، ثم تكتشف ‏الشرطة أنها هي من تصنع الأحزمة الناسفة.‏

قصة خيالية أخرى من خلال مسلسل "الرجل في القلعة الشامخة ‏‎ TheMan in the High Castle‏" المأخوذ عن كتاب يحمل العنوان ‏نفسه، حيث عرض الموسم الأول من العمل عام 2015، وتكشف قصته ‏كيف كان سيكون العالم إذا ربحت ألمانيا النازية الحرب العالمية الثانية، ‏من خلال أحداث مشوقة ومرعبة أيضا.

ويعرض المسلسل لشخصية تبدو ‏مثالية،‎ ‎هي جون سميث أو أوبر جروبن فوهرـ يعرف باسمين في ‏المسلسل- وظاهرياً يبدو النازي المتشدد حنوناً ومفعماً بالأبوة والتضحية، ‏وهو مع عائلته، ويربي أطفاله بطريقة مستقيمة جدا وينجح في تكوين ‏أسرة صالحة، لكنه واقعياً أحد أبرز الداعمين للتطهير العرقي ويعتنق ‏الفكر اليميني المتطرف، ويرتكب جرائم شتى، في سبيل ما يسميه ‏هو خدمة بلده، وحمايتها من أي قوميات أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون