Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"النهضة" متهمة بالسيطرة على القضاء التونسي واستغلاله لصالحها

الحركة الإسلامية عمدت إلى تفكيك منظومة بن علي القضائية واستبدلتها بأخرى موالية لها

مبنى قصر العدالة في العاصمة التونسية (اندبندنت عربية)

تعمل السلطة القضائية في الدول الديمقراطية المتقدمة في كنف الاستقلالية، وتربطها بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، علاقات تكامل وتعاون، لا هيمنة وسيطرة، لكن في تونس وعلى الرغم من دعوات إصلاح المنظومة القضائية، إلّا أنّ الممسكين بزمام السلطة بعد الثورة انقضّوا على جزء من السلطة القضائية، لاستخدامه كطريق معبّد من أجل التمكّن من مفاصل الدولة.
 

قضاء البحيري

"قضاء البحيري" عبارة متداولة في الأوساط القضائية وفي أروقة المحاكم التونسية، وتُطلق على جزء من القضاة الموالين لحركة النهضة الإسلامية، إذ عمل وزير العدل السابق، القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري الذي تسلّم منصبه بعد انتخابات عام 2011، على تحقيق الهيمنة على السلك القضائي، وفق شهادات عدّة من المعنيين. وقاد حينها عملية "تطهير" للسلك القضائي الذي كان في أيام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وأرسى قضاءً تابعاً للنهضة من خلال فصل 82 قاضٍ، ما جعل السلطة القضائية تعاني أزمة استقلالية.

ويقول الصحافي المتخصّص في القانون التونسي المنجي الخضراوي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إن "مشكلة السلطة القضائية في البلاد هي أنها لا تزال مرتبطة بجزء منها بما هو سياسي، بمعنى أن مجلة الإجراءات الجزائية تنصّ بوضوح على أن النيابة العمومية تتبع وزارة العدل ووزير العدل هو الذي يعيّن جهاز النيابة العمومية، بدءًا من النائب العام ووصولاً الى المدعي العام، أي أهم شخصيات السلطة القضائية، أو ما يُسمّى القضاء الواقف". ويضيف الخضراوي أنه "في الجانب الثاني، وقبل استحداث المجلس الأعلى للقضاء، كانت وزارة العدل تعيّن القضاة، وبالفعل تمكّنت حركة النهضة عندما كان أحد قيادييها وهو نور الدين البحيري على رأس وزارة العدل من تعيين قضاة في مفاصل الدولة، بخاصة في المحكمة الابتدائية في العاصمة، ثم استطاعت الحركة إيجاد أنصار لها داخل المجلس الأعلى للقضاء، وبدأت بما يُعرف بمعركة الاستئناف في تونس، وهي المعركة الحاسمة ضمن السلطة القضائية".
 

السلطة تدمّر الدولة

ويوضح الخضراوي أنه "نظراً إلى أن محكمة الاستئناف في العاصمة تتبعها المحكمة الابتدائية بتونس وهي المحكمة الممتازة المختصة بقضايا الإرهاب، ويتبعها القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، إضافةً إلى القطب القضائي المالي لمكافحة الفساد وأيضاً المحكمة الابتدائية في محافظات أريانة وبن عروس ومنوبة، بمعنى أن هنالك سبع محاكم كبرى تنظر سنوياً في 70 في المئة من مجموع القضايا في تونس، كلها  تحت قبضة حركة النهضة وهذه المحاكم تدرس أساساً قضايا الإرهاب والفساد. ولذلك أتاح الدخول في مفاصل القضاء للحركة السيطرة على أجهزة الدولة في جانبها السياسي". ويختم بالقول إنه "للمرة الأولى في تاريخ تونس، تعمل السلطة على تدمير الدولة".
وأولى دستور عام 2014 أهمية كبرى للسلطة القضائية وخصّها بالباب الخامس، الذي نصّ الفصل 102 منه على أن "القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلو الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات، والقاضي مستقل ولا سلطان عليه في قضائه لغير القانون".
 


أصحاب النفوذ لا يحاكَمون

من جهة أخرى، يرى المحامي رضا الرداوي أن "القضاء في تونس قبل الثورة كان يعاني ثلاث مشكلات كبرى، أولها أنه كان قضاء فقراء، أي الأثرياء وأصحاب النفوذ لا يحاكَمون. والمحاكم كانت مليئة بالفقراء ولا تزال"، مضيفاً "النقطة الثانية هي أن القضاء التونسي كان خاضعاً للتعليمات السياسية وكان نظام بن علي يستغلّه لتمرير بعض القضايا التي تخدم صالحه وصالح نظامه الديكتاتوري".

أما النقطة الثالثة التي أثارها الرداوي وهي الأخطر برأيه فـ"تتمثّل في سيطرة البوليس على القضاء". ويقول إن "سطوة الأمن على القضاء جعلته يفقد جوهره وقيمته وهي تحقيق العدالة". ويردف "مباشرةً بعد الثورة، ارتفعت الأصوات المنادية باستقلالية القضاء وإصلاح المنظومة القضائية. وبعد الانتخابات الأولى في 2011، تمسّكت النهضة بأهم ثلاث مؤسسات في الدولة، أولها القضاء فوضعت على رأس وزارة العدل، القيادي في صفوفها نور الدين البحيري، وثانيها رئاسة الحكومة عبر تعيين حمادي الجبالي في المنصب، أما ثالثها فكانت وزارة الداخلية، إذ عيّنت قيادي آخر على رأسها وهو علي العريض".
 

السيطرة على مفاصل القضاء

ويفسّر الرداوي وهو أحد أعضاء هيئة الدفاع في قضية اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، أن "قانون67  الذي كان ينظم قطاع القضاء سقط بعد الثورة، إذ أصبح وزير العدل النهضوي آنذاك، المتحكّم الوحيد بالسلك وعزل حوالى 80 قاضٍ من دون تحقيق ولا تدقيق، غالبيتهم ربحوا قضاياهم في المحكمة الابتدائية ثم أجرى سلسلة تعيينات قضائية في المراكز الحساسة. وانقسم الجسم القضائي في ذلك الوقت بين موالٍ للنهضة أو مستقلّ عنها، فيتم إبعاده". ويضيف "بعد الثورة،  شاهدنا قضاة انتقلوا من صف الولاء لبن علي إلى موالاة النهضة. هذه العملية لا تزال مستمرة إلى اليوم لأن حركة النهضة سيطرت في مرحلة أولى على الهيئة الوقتية لمراقبة القضاء، التي كانت المؤسسة الانتقالية ثم سيطرت على المجلس الأعلى للقضاء ولا تزال تتحكّم في مفاصله في كل المناطق الحساسة بدايةً من القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي المالي وفي عدد كبير من دوائر محكمة التعقيب وفي وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية في العاصمة".
ويعرب المحامي التونسي عن اعتقاده بأن "حركة النهضة ما زالت تعمل بنظامٍ موازٍ أي بنظام حافظ على شكل المنظومة المصرية للإخوان المسلمين، ويحتاج إلى أن تكون لديه مجموعات غير معلنة في كل الأجهزة وعلى رأسها القضاء ووزارة الداخلية، حتى تتمكّن من السيطرة على مفاصل الدولة لأنها لا تملك مشروع الدولة الوطنية، بل لديهم مشروع مجموعة عابرة للحدود ويُعتبر القضاء أحد المداخل الأساسية الكبرى في مشروعهم المتعلّق بالتمكين، أي سيطرة حركة النهضة الأخوانية على مفاصل الدولة بشكل أكبر. اليوم، يُعدّ القضاء من المعارك الكبرى التي يجب أن تُخاض فيها معركة فكّ التمكين للرجوع إلى المسار الثوري الحقيقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحلقة الأضعف

في سياق متصل، دعت منظمة "أنا يقظ" في بيان أصدرته منذ أسبوعين، "السلطة التنفيذية إلى الكفّ عن التدخل في شؤون السلطة القضائية". وحمّلت المنظمة المتخصّصة في الشفافية، "المجلس الأعلى للقضاء" مسؤوليته التامة في الحفاظ على حياد مرفق العدالة ودعم استقلاليته.

واعتبرت أن مرفق العدالة أصبح يعيش حالة من "الشلل نتيجة الإهمال، وفي بعض الأحيان يشهد على تواطؤ جزء من القضاة، ما يجب أن يتحمّل مسؤوليته كاملةً المجلس الأعلى للقضاء، بسبب غياب أي مشروع حقيقي لإصلاح مرفق العدالة ودعم استقلالية القضاء وتثبيتها".

وأشارت "أنا يقظ" في البيان ذاته إلى أنه سبق لها أن وصفت القضاء بـ"الحلقة الأضعف في الحرب على الفساد، إلّا أنّ هذه الحلقة أصبحت شبه منعدمة، بخاصة أن أصابع الاتهام باتت توجّه إليه حالياً".

وشدّدت المنظمة على "ضرورة اصطفاف القوى الوطنية والمجتمع المدني حول مشروع وطني حقيقي لإصلاح وإنقاذ مرفق العدالة وضمان استقلاليته".
وكان الوزير المكلّف بحقوق الإنسان والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، العياشي الهمامي أكد السبت الماضي، أن "الحكومة تحرص على ضمان استقلال القضاء، باعتباره من أسس الدولة الديمقراطية"، وذلك في افتتاح أعمال المؤتمر الـ14 لجمعية القضاة التونسيين تحت شعار "استكمال البناء لاستقلال القضاء". وأضاف أن "الحكومة تعمل على تعزيز القضاء المستقل عبر المبادرات التشريعية، بخاصة القانون الأساسي للقضاة وقانون التفقدية العامة للشؤون القضائية".

المزيد من العالم العربي