Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاعتداءات على الطواقم الطبية في الجزائر تتفاقم والرئاسة تخشى "تمردا"

"لوحظ التلاعب بصور تمس بكرامة الـمرضى وأسرهم وباحترافية السلك الطبي ونزاهته ونشرها عبر مواقع التواصل"

طاقم طبي جزائري (مواقع التواصل)

في الوقت الذي قرر قاضٍ جزائري إيداع مغنية "راي" شهيرة الحبس المؤقت إثر بثها لـ"مباشر" عبر حسابها على "فيسبوك" وهي تشتم أطقماً طبية في وهران (شمال غربي الجزائر)، باشر قاضي محافظة البويرة التحقيق مع أفراد عائلة سيدة فارقت الحياة في مستشفى المدينة، إثر مداهمتهم مكتب مدير المستشفى ما دفع بالأخير إلى القفز من أحد الطوابق العلوية محاولاً الفرار. في هذه الأثناء قرر الرئيس الجزائري إنشاء نظام حماية للأطباء بسبب ضغوط يواجهونها مع تزايد الإصابات بـ"كورونا".
وسجلت السلطات الجزائرية تزايداً مطرداً للاعتداءات على الأطقم الطبية العاملة في مصالح الاستعجالات العادية أو مصالح "كوفيد 19"، مرفقة بـ"تشهير" يوثَق في العادة عبر تسجيلات مصوَرة يتم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الأحداث حركت الثلاثاء 14 يوليو (تموز) الحالي، كلاً من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الوزير الأول (رئيس الحكومة) عبد العزيز جراد وحتى وزير العدل بلقاسم زغماتي.


ارتفاع الوتيرة

وتزامناً مع عشر حالات حدثت في توقيت متقارب في مستشفيات جزائرية، أعلنت رئاسة الحكومة الثلاثاء، تجهيز نظام أمني جديد لحماية المؤسسات الاستشفائية بقرار من الرئيس تبون. وأضافت أنه " لوحظ خلال هذه الأسابيع الأخيرة، ارتكاب اعتداءات جسدية ولفظية ضد الـمستخدَمين الطبيين وشبه الطبيين والإداريين والـمواطنين داخل بعض الـمستشفيات وغيرها من الهياكل الصحية، مصحوبةً أحياناً بأعمال إتلاف وتدمير أملاك عمومية ومعدات طبية".
وأمام هذا الوضع، تفيد رئاسة الحكومة بأن "السيد رئيس الجمهورية قرر تدعيم وتعزيز نظام حماية العاملين في الـمجال الطبي وشبه الطبي والإداري، بموجب نص قانوني، فضلاً عن النظام الـمنصوص عليه في قوانين الجمهورية. ويهدف هذا الجهاز إلى حماية السلك الطبي من كل اعتداء أو عنف، أياً كان شكله، أو وسيلته أو من كان مرتكبه، داخل حدود الـمستشفيات وغيرها من الـهياكل والـمؤسسات الصحية عبر كامل التراب الوطني، أثناء ممارسة مهمته النبيلة في خدمة الأمة".
وجاء تحرك أعلى الهيئات الرسمية في الدولة استباقاً لأي رد فعل غير متوقَع من الأطقم الطبية التي تواجه انتشاراً مضاعفاً للإصابات بـ"كوفيد 19" منذ عيد الفطر الماضي، وبلغ عدد الإصابات اليومية الثلاثاء 14 يوليو، 527 إصابة وهو أعلى معدل سجلته البلاد منذ ظهور أول إصابة في نهاية فبراير (شباط) الماضي.


استهداف مبرمج؟

تفسير السلطات العليا ما حدث في الأيام الأخيرة يستبعد فرضية "البراءة" من وراء تزامن هذه الاعتداءات داخل المؤسسات الاستشفائية، فذكرت رئاسة الوزراء أنه "لوحظ التلاعب بصور ونشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام  وسيطة، تمسّ بكرامة الـمرضى وأسرهم، وباحترافية السلك الطبي ونزاهته الأخلاقية، هذه الأفعال غير الـمقبولة التي تهدف إلى الـمساس بأمن وسلامة الأشخاص والأملاك  العمومية، والتي يحاول مرتكبوها عبثاً الحط من صدقية عمل الـمرفق العام للصحة والنيل من الجهود والتضحيات التي يبذلها جميع الـمستخدمين الطبيين، هي أفعال تعاقب عليها قوانين الجمهورية".
وتابع البيان "بل إن هذه الأعمال الغريبة على مجتمعنا الذي يرفضها، باتت تتخذ بعداً أكثر خطورة في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد، والذي يجب أن توجَه فيه وتركَز كل الجهود على التكفّل بالـمرضى والحماية الصحية لـمواطنينا، من أجل مجابهة وباء كورونا".
في هذا الشأن، شكا رئيس النقابة الجزائرية للأطباء العامين صالح لعور عبد الحميد من أن "الاعتداء على الطواقم الطبية في الفترة الأخيرة تحول إلى حدث عادي وعابر في وقت تعمل الأجهزة المعنية تحت ضغط كبير وأمام أشكال سوء تسيير الإمكانات".
ويشتكي العاملون في المصالح المخصصة لـ"كورونا" من نقص فادح في الأسرّة، في المقابل يكثف وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد من زيارة المستشفيات التي تعاني صعوبات في استقبال الكم الكبير للمصابين بالفيروس، بينما منحت رئاسة الجمهورية وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد طائرة رئاسية خاصة، وكلفته بالتنقل يومياً إلى المستشفيات التي يُشاع حديث عن نقص في أدائها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العدالة تتدخل

محاولات الاعتداء على الأطباء أخذت منحىً مغايراً انطلاقاً من محافظة وهران (400 كيلومتر غرب العاصمة) بعدما بثت مغنية "الراي" الشهيرة "الشابة سميرة" تصويراً مباشراً من داخل قسم جراحة العظام في أحد المستشفيات وهي تتنقل بين المكاتب منتقدةً غياب الأطباء، لكن قوات الدرك اعتقلت المغنية الإثنين 13 يوليو قبل أن يأمر وكيل الجمهورية بإيداعها الحبس المؤقت.
وأثارت الحادثة موجة استهجان كبيرة بين الرأي العام وردوداً غاضبة من نقابات القطاع الطبي، إلا أن الأحداث تسارعت في وقت لاحق بعد تسجيل مستشفى محافظة البويرة (120 كيلومتراً شرق العاصمة) حادثةً أكثر غرابة، إذ تهجّم نحو 30 فرداً على مكتب المدير (وفق رواية المعني)، ما دفع الأخير إلى القفز من طابق علوي. وكانت المجموعة المعتدية تحاول استخراج جثة سيدة توفيت في المستشفى، خلافاً للتدابير التي أقرتها الحكومة والتي تقضي بإجراء تحليل "كورونا" على كل وفاة (مهما كانت أسبابها) ما يضطر المستشفيات إلى الاحتفاظ بالجثث بضعة أيام في انتظار صدور نتائج التحاليل.

وبعدما جرى في وهران والبويرة ومحافظات جهوية أخرى، وجّه وزير العدل، بلقاسم زغماتي، تعليمات إلى النواب العامين لدى المجالس القضائية دعاهم فيها إلى التعامل بالصرامة التي تستدعيها الظروف الصحية التي تمر بها البلاد حالياً، مع ظاهرة الاعتداء على مستخدمي السلك الطبي وشبه الطبي ومسيّري المؤسسات الصحية.
وتضمّنت المذكرة تعليمات "بضرورة اللجوء تلقائياً إلى إيقاف الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال وتقديمهم وجوبياً أمام وكيل الجمهورية مع تقديم التماسات صارمة سواء أمام قضاة التحقيق أو أمام جهات الحكم واستئناف الأوامر والأحكام المخالفة لهذه الالتماسات".


"كورونا" تفاجئ السلطات

على أرض الواقع وعلى الرغم من الإجماع محلياً على استنكار الاعتداءات ضد مستخدمي القطاع الطبي، تبدو وضعية المستشفيات الجزائرية صعبة باعتراف وزير الصحة، فالطفرة الجديدة في أرقام الإصابات بـ"كورونا" وضعت المصالح الطبية في ورطة حقيقية أمام بقية المرضى، لذلك تسرّع السلطات الصحية وتيرة اللجوء إلى مراكز منفصلة للمصابين بـ"كورونا" بالتزامن مع نشر نحو 35 مركزاً جهوياً للتحاليل المباشرة.
وتفرض الجزائر حجراً صحياً جزئياً منذ 24 مارس (آذار) الماضي، وعادت لتشديده في بعض المحافظات (بداية من الواحدة بعد منتصف الليل إلى الخامسة صباحاً) كما منعت التنقل من وإلى المحافظات "الموبوءة" مدة أسبوع بدايةً من يوم الجمعة الماضي.

وعلّقت النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة على الأحداث الأخيرة محمّلة السلطات قسماً كبيراً من المسؤولية عن "هذه الممارسات العدوانية ضد مهنيي الصحة، أياً كان الأشخاص، ومهما كان الظرف، حتى وإن أخطأ هؤلاء، فهناك إجراءات قانونية وأساليب حضارية للتعامل وتسوية الأمور، ما نراه من اعتداء يومي بحق الأطباء ومعاونيهم وتصويرهم أثناء تأدية مهماتهم غير مقبول، ناهيك عن تخريب الأملاك العامة التي يحتاجها كل المرضى، ومَن يعتدي عليها فإنما يعتدي على حقوق غيره من المرضى".

المزيد من تقارير