Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأحزاب الجزائرية تعجز عن "العودة إلى الحياة" تحت ضغط الشارع ونفور تبون

"تحوّلت الأجهزة الحزبية إلى مجال لكل الموظفين السياسيين الباحثين عن الريع"

جانب من مؤتمر حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي عُقد في 28 مايو الماضي (مواقع التواصل)

مرت ثلاثة مؤتمرات لأحزاب جزائرية تقليدية خلال الشهرين الأخيرين من دون أن تلقى أي اهتمام من الشارع الجزائري، كما لم تجذب إليها تحليلات مراقبين اعتادوا مراقبة صراع الأجنحة ضمن التشكيلات السياسية، في ظاهرة تؤكد مرور الأحزاب الموروثة عن فترة ما قبل الحراك الشعبي، بحالة "موت سريري" بسبب تحميلها جزءاً من مسؤولية الوضع السياسي الذي وصلت البلاد إليه مع استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد أكثر من سنة على بداية الحراك الشعبي في الجزائر، ما زالت معالم الطبقة السياسية الحزبية نفسها في البلاد على الرغم من انزياح منظومة حكم كاملة. في فبراير (شباط) 2019 كانت شعارات "الموت" لأحزاب السلطة والمعارضة معاً تُرفع جنباً إلى جنب مع هتافات رفض ولاية بوتفليقة الخامسة. وكان المتظاهرون كما الشارع الجزائري على قناعة بأن حكم بوتفليقة ما كان ليستمر 20 سنة لولا تواطؤ الطبقة السياسية بتياراتها الحاضرة، الوطنية، الإسلامية والديمقراطية.

ضياع فرصة التغيير

في الشهرين الأخيرين، عقدت ثلاثة أحزاب توصَف بالتقليدية مؤتمراتها لتبديل القيادات والمكاتب والمجالس الوطنية، إذ مكّنت هذه المؤتمرات حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم سابقاً، من العودة إلى الحياة مجدداً ولو بخجل كبير. والأمر سيّان بالنسبة إلى ثاني أكبر أحزاب الموالاة سابقاً، "التجمع الوطني الديمقراطي"، ففي الوقت الذي كان أمينه العام السابق أحمد أويحيى يواجه المحاكمة في قضايا فساد، كان عدد من مقربيه السابقين يصوتون لاختيار أمين عام جديد، في مشهد استفز الجزائريين.
ومن أجل إبعاد تهمة "بعث الحياة في أحزاب الموالاة"، منحت وزارة الداخلية الجزائرية ترخيصاً مماثلاً بعقد مؤتمر حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، المعارض التقليدي للنظام الجزائري السابق منذ الاستقلال. واختار هذا الحزب بدوره قيادةً جديدة بعد أشهر من "انسحابه" من المشهد السياسي كما فعلت أحزاب كثيرة.
ويصف البروفيسور في كلية الإعلام، رضوان بوجمعة، الظاهرة الحزبية في الفترة الراهنة بـ "نتائج إسقاطات من المرحلة الماضية"، قائلاً إن "الأجهزة الحزبية تحوّلت إلى مجال لكل الموظفين السياسيين الباحثين عن الريع. يكفي في هذا المجال إجراء بحث لكشف عدد الموظفين السياسيين في كل المستويات من الأجهزة الحزبية إلى كل صالونات السلطة، لنكتشف حجم الضرر الذي أدى إلى استئصال الفعل السياسي المنظَم في المجتمع".
ويقصد بوجمعة اجترار الجزائر في علاقتها بالأحزاب للممارسات القديمة ذاتها، ما أطال عمر "الفراق" بين الرأي العام وفكرة العمل السياسي الحزبي، إذ لم تقدم الانتخابات الرئاسية الأخيرة ولا الحراك الشعبي، فرصةً لبروز ممارسة حزبية جديدة.

نفور تبون

في علاقة السلطة الجديدة مع الأحزاب الموجودة أو المرجوّة، يتضح منطق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوضوح قياساً لـ"نفوره" من العمل الحزبي الموالي لحكمه أو المعارض له، فلا إشارات تصدر منه تعكس رغبته في إقرار تقارب مع الطبقة السياسية الموجودة، بل على النقيض أغلق الباب أمام إمكانية تأسيس حزب سياسي يدافع عن خياراته وهاجم أيضاً "جبهة التحرير الوطني" في بيان رسمي تلاه الناطق باسم رئاسة الجمهورية، بعدما سارعت الأخيرة إلى إعلان "الولاء" له بمجرد انتخاب أمين عام جديد لها قبل بضعة أسابيع.
ويكتفي تبون بوزير واحد من "جبهة المستقبل" التي نافسه رئيسها عبد العزيز بلعيد في الانتخابات الرئاسية، مانحاً هذا الحزب حقيبة "العلاقات مع البرلمان" وهي أقرب إلى الوظيفة الإدارية منها إلى السياسية.
في هذا الشأن، يذكر أستاذ علم الاجتماع السياسي الهواري بن وارث لـ"اندبندنت عربية" أن "علاقة الرئيس تبون بالأحزاب السياسية فاترة وفكرته عن دورها في فترة حكمه غير واضحة بعد، الرئيس يعلم تماماً حجم الخصام الشعبي مع الأحزاب جميعها كما يدرك أن أي تقارب مع الأحزاب الموروثة سيؤلّب الرأي العام ضده".
ويتوقع بن وارث أن "يستمر الوضع كما هو عليه الآن إلى غاية الانتخابات التشريعية المقبلة، ربما يكون هذا الموعد فرصةً لبروز تيارات شبابية تعتنق النشاط الحزبي المهيكل، لكن هذا غير ممكن إلا بوضوح نوايا تبون، بالتالي فسح المجال أمام اعتماد أحزاب بمجرد التصريح لا بالترخيص الإداري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عيوب أبرز التيارات

ويعيب الشارع الجزائري على التيار الوطني الذي حكم البلاد منذ الاستقلال، تحول أحزابه إلى "فضاء مغلق لتوزيع الريع السياسي والتحالف مع المال الفاسد"، لا سيما ما بعد مرض بوتفليقة وانسحابه من تسيير الشأن العام لصالح شقيقه الأصغر السعيد بوتفليقة (حُكم عليه بالسجن 15 سنة).
وتنسحب الظاهرة بحسب البروفيسور رضوان بوجمعة على التيار الإسلامي أيضاً، "فحركة مجتمع السلم (تيار الإخوان المسلمين) تحوّلت بسبب السياسيين من النواب والوزراء (شاركت في الحكومة من عام 1996 حتى 2011) وغيرهم إلى مصدر لكثير من الانشقاقات، بدليل أن هذا الحزب عرف هزات عدة. وولِدت من رحمه أكثر من أربعة أحزاب بعض قيادييها في السجن وبعضهم محل متابعة، في حين تبحث القيادات الأخرى عن موقع جديد للحصول على الرعاية في ظل المخاض الشعبي، لذلك تجدهم يتسابقون في كل الاتجاهات للمشاركة في إجهاض الوعي الشعبي وكسر وتفتيت الحراك الشعبي من أجل إنقاذ النظام الريعي".
على النقيض تبدو النواة الصلبة للتيار الديمقراطي ممثلةً في "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" في مرمى العاصفة قياساً لاستدعاءات حديثة من قبل الدرك الجزائري طاولت رئيس الحزب محسن بلعباس في قضايا تتصل بـ"الحق العام"، بالتوازي مع مراسلات بصيغة "الوعيد" وردت الحزب من وزارة الداخلية تطالبه بالامتثال للقانون، ما فسره متابعون لسلوك السلطة بأنه بداية "متاعب" قد تنتهي بالحزب إلى الحل القضائي.
ويتمسك "التجمع" بالحراك الشعبي ويرفض الاعتراف بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بالتالي ما ترتب عنها. وبقدر ما يدافع هذا الحزب عن "قيم الديمقراطية" بقدر ما يعيب عليه خصومه وهم من التيار الوطني والتيار المحافظ "حمل أجندة" تستهدف الهوية الوطنية.


التغيير عبر الدستور

من جهة أخرى، إذا تجسدت وعود الرئيس الجزائري بجعل النشاط السياسي مرهوناً بالتصريح لا بالترخيص ضمن الدستور المرتقب وما يترتب عن ذلك من آليات في قانون الأحزاب، فإن ذلك قد يمهد لرفع يد الإدارة ممثلةً في وزارة الداخلية وولاة الجمهورية عن النشاط الحزبي المعتمد. وأولى نتائج ذلك يمكن أن تبرز في أول محطة انتخابية للبرلمان والمجالس المحلية وموعدها القانوني في ربيع وخريف عام 2020 الحالي، على التوالي.

المزيد من العالم العربي