Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحديقة الروحانية" معرض استعادي للرسام الجزائري علي خوجة

بعد عشر سنوات على رحيله أعماله تؤكد ريادته في البحث عن أبعاد  تشكيلية صوفية

لوحة من معرض "الحديقة الداخلية" للجزائري علي خوجة (اندبندنت عربية)

بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيل الفنّان التشكيلي الجزائري علي علي خوجة (1923-2010)، ارتأت مؤسسة "سين آرت غاليري" في الجزائر، إعادة فتح معرض الفنّان "الحديقة الروحانية"، بعدما نُظّم افتراضياً قبل أشهر قليلة من تفاقم تبعات فيروس كورونا على العالم، ما تسبّب على أكثر من صعيد في تهديم مشاريع ثقافية وإلغاء بعضها. هكذا أعادت المؤسسة فتح معرض الفنّان الجزائري علي خوجة، بعدما خُفّفت إجراءات الإغلاق بشكل تدريجي للمؤسسات الفنيّة داخل البلاد. وجدت المؤسسة أنه من اللازم إعادة تمديد استمرارية هذا المعرض، من جهة بسبب أهمية الفنّان الذي لا ينبغي أن تمر ذكرى رحيله سريعاً، هو الذي يحتل موقعاً ريادياً في الفن المغربي والعربي، وهي استعادة فنيّة ضرورية أكثر منها تجارية أو إعلامية، بحيث أنّ الأمر له علاقة أساساً بتاريخ الفن العربي ومدى قدرة تراث التجارب العربية الرائدة التي بزغت منذ الخمسينيات وفق ما سُميّ بالاتجاهات الفطرية، على مسايرة الإبدالات الفنية والمفاهيمية التي يحفل بها الفن المعاصر عبر العالم الآن.

معرض خوجة هذا، يُشكّل ثروة حقيقية للنقاد والباحثين في تاريخ الفن لإعادة التفكير في الفن الجزائري وفهم مداخله ومرجعياته المعرفية والجمالية التي أسهمت في بروز وبلورة رؤى وتجارب وتصوّرات داخل هذا الفنّ، بحيث أن معرض علي خوجة الذي يُعدُّ من الفنانين المؤثرين في التشكيل الجزائري، يُتيح لنا إمكانية التعرف على تراثه وقدرته على تطويع ذائقته الفنية والجمالية بين اللوحة وأسلوبها التجريدي، وبين تصميم وصياغة طوابع، لا تزال إلى حدود اليوم مُتداولة وتحتلّ نصيباً كبيراً داخل الذاكرة الثقافية الجزائرية ورموزها وعلاماتها الفنية المُضيئة. وهو من جهة أخرى، يضعنا على حافة الجرح والسؤال عن تراث خوجة وعن ضرورة أرشفته وتدوينه ووضع تراثه داخل متاحف ومؤسسات ومكتبات جامعية في الجزائر، بغية استمرار تاريخه الفني الشاهد على مرحلة مهمة من التشكيل الجزائري.

موضة التجريب

في هذه  الفترة انتشر فيها الأسلوب التجريدي كـ"موضة" داخل التشكيل العربي بتأثير من المدارس الغربية. وهذا المنزع لا يرتبط بالتشكيل الجزائري، بل امتدّ واكتسح كارتوغرافية البلاد العربية التي انقسمت إلى مرحلتين، الأولى مرحلة التجريد ونزعاته التعبيرية عن طريق الكتل اللونية والثانية اهتمت بها الحروفية عن طريق التشبّث بهوية مُفتقدة ومُهدّدة عن طريق الاكتساح العارم للعولمة، في وقت كان سؤال الهوية لا يزال مُلحّاً، فكانت التجربة العراقية الأغنى في هذا المضمار. لكن الملاحظ هو أنّ الأسلوب التجريدي، ظلّ بشكل كبير متأثراً بأسماء غربية، باستثناء أعمال تشكيلية معدودة على أصابع اليد الواحدة، هي من عَمِلت على فتح تخوم غير مفكّر فيها داخل التجريد من خلال جعل هذا المنزع لا يتماهى مع الحساسية الغربية. فهو ينطلق من خصوصيات الذات وارتجاجاتها وقلق كينونتها، كما نراها متبدّية في أعمال الجزائري علي علي خوجة، الذي قال يوماً في إحدى مقابلاته: "داخل كل فنّان، هنالك جزء جدلي وطني/ عالمي. صحيح أننا متشبّعون بثقافتنا ولا نستطيع أن ننجح ونعبّر عن ذواتنا بشكل متكامل من دون العودة إلى الحكايات والأمثال والأشياء والأحاسيس التي مررت بها في طفولتك، هي ما سيميّز شكل تعبيرك الخاصّ".

في معرض "الحديقة الروحانية"، تأخذ التجربة الجمالية عند خوجة بالعودة إلى أصل الذات وطفولتها في محاولة استكناه هذا العابر والمنسي داخل فضاء الذاكرة. وهي عودة ليست بريئة، إذ إنّها بقدر ما تُقيم في الماضي، فهي تفتح التجربة ومعها الذاكرة على الحاضر وتجعلها تنطلق مجدداً للغوص في ماهيتها وملامحها البهية المقترنة بالموت لدى الفنّان. ففي أعماله المُتنوعة المعروضة داخل "سين آرت غاليري"، نرى تناقضاً كبيراً وجميلاً في أعماله، فالفرح لديه مقترن بالحزن ، مع العلم أنّ أعماله تهجس بالبهجة عن طريق الألوان الباردة التي تفتح مسام الجسد على السرور والتفاؤل صوب عملية الاستعادة أو الرجوع إلى مخزون الطفولة. هذا المخزون لا يكاد يخلو من حزن وموت مُسبق وكأن عملية الغوص في الذاكرة وبعدها الرمزي، تفرض على الفنّان عيش جميع المراحل التي قضاها بكل أفراحها وأحزانها داخل ذاته.

بل أكثر من ذلك، فإنّ مفهوم الذاكرة لديه أشبه بحديقة روحية ساحرة، حيث الجسد والذاكرة يحتفلان ببلاغة الصمت والبهاء الروحي. لذلك نعتقد أنّ المؤسسة قد أصابت في الاحتفاء بالفنّان علي علي خوجة وإطلاق المعرض افتراضياً في فترة الحجر الصحي، بسبب ما ميّز هذه الأشهر الثلاثة من صمت وخوف جعلا الذات تعود إلى موطنها أو إلى ماهية وجودها الحقيقية، أمام اللغو الذي بات يميّز الإنسان المعاصر داخل وسائط التواصل الاجتماعي. وقد جعلت فنانين عرب يبدعون أشكالاً وتعبيرات فنية، تنمّ عن مدى حضور الفنّ في الحياة اليومية العربية.

المزيد من ثقافة