Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا فعل الهاشمي ليخنقوا صوت كلمته الحرة؟

طالب بإخضاع الحشد الشعبي للرقابة وتمسك بعروبة العراق واستقلاله

حين وضعت العصابات حداً لحياة الباحث العراقي هشام الهاشمي لم تدر أنها كتبت الخلود لأفكاره، التي اغتالته من أجلها بعد أن كافح بها لاستقلال العراق عن التبعية الأجنبية، وتطهيره ممن يسميهم "تجار الحرب الصغار".

لكن يبدو أن أولئك التجار، وسادتهم من أطياف عدة تبدأ بداعش ولا تنتهي بوكلاء إيران، أبوا إلا "أن يلحقوا الصوت العراقي الحر بقافلة شهداء الكلمة الحرة من كل الطوائف"، وفقاً لتعبير مواطنه المفكر رشيد خيون، الذي ما فتئ يشكو غربة العروبة في مهدها بغداد، واستشراء الفساد في طبقاتٍ من حكامها وأحزابها.

 وكان الراحل الهاشمي في أطروحة بحثية له مطلع يوليو (تموز) الجاري اقترح إخضاع هيئة "الحشد الشعبي" وأعمالها للرقابة المالية والإدارية حتى تنسجم مع جسد الدولة العراقية وقانون العراق ودستوره.

وأكد في الورقة التي عنونها بـ"الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي" أن الهيكل التنظيمي القيادي والإداري للهيئة يدار بنسبة 80 في المئة من خلال قيادات وإدارات تنتمي إلى مرجعية الحشد الولائي وتمثل نفوذ إيران العسكري داخل العراق، في حين أن الحشود المرجعية وحشود السنة والأقليات ليست لديهم مناصب قيادية عليا أو وسطى داخل هيكل الهيئة، متوصلاً إلى أنه يجب إخضاع أعمال الحشد للرقابة المالية والإدارية من خلال تفعيل دور الرقابة الحكومية والبرلمانية في هذا الاتجاه للحيلولة، من دون إصدار قرارات غير شرعية تخالف أحكام القانون العراقي.

ورأى أن التشكيل الحالي لهيكلية الحشد "لم يعد يتفق مع النظام السياسي الحالي وما اعتراه من تغييرات، فالمعترضون على هيكلية الحشد اليوم أكثر بكثير مما كانوا عليه عند إنشائها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشروع الدولة والعميان طائفياً

وأثار اغتيال الباحث الهاشمي في بغداد استياءً عاماً بين الأوساط العراقية والعربية، إذ عرف المغدور بآرائه السياسية والإعلامية التي تتصدى للتغلغل الإيراني في بلاده ولوبيات الفساد السياسي، ومناصراً استقلال قرار بغداد وتعميق تعاونها الاقتصادي والسياسي مع أشقائها العرب، ما أجّج نقمة وكلاء إيران من الميليشيات وأنصارها، الذين يخوضون حرباً مع التحالف الدولي وأميركا بالوكالة عن طهران.

ولذلك اعتبر خيون أن "الجهة التي تلوغ بدماء العراقيين من أصحاب مشروع الدولة معروفة تماماً، العميان طائفياً وجنود الولاية وحدهم لا يرون الشمس في رابعة النهار، انظروا في وجوه هؤلاء المغتالين والمئات غيرهم، وجلهم أبناء الشيعة، بكم عمامة ولائية يقاسون، من عمائم الدم والاغتيال، بكم قاعدة وداعش وكتائب وبدر والتيار والدعوة والمجلس والإخوان المسلمين وكل قوارض الوطن يقاسون"؟

وكان الراحل يُصنف الباحث الأول في مركز صنع السياسات الدولية والإستراتيجية والخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية والجماعات المتطرفة، بحسب تقديم المركز له، وأبّنته أوساط عدة، أجمعت على أنه دفع ثمن آرائه التي اعتادت التيارات المتشددة من السنة والشيعة أن تقتل عليها، كما سبق في حق الكاتب المصري الشهير فرج فوده والآخر التونسي شكري بلعيد، أما في عراق ما بعد صدام فإن القائمة طويلة، تداول نشطاء عراقيون صور عدد منها، إذ كان الضحايا الإعلاميون والمثقفون والسياسيون الشرفاء، محل تصفيات الأطراف المتناحرة كافة.

 

الانتقام من الصحافة الحرة

ووثّق مرصد الحريات الصحافية العراقي قائمة بأكثر من 200 صحافي وإعلامي عراقي، قتلوا منذ الغزو الأميركي البلاد حتى 2008 في ظروف غامضة، وربما تضاعف العدد بعد ذلك.

واعتبر المرصد لدى تقديمه سجلاً بأولئك الأسماء، أن أعدادهم الهائلة نسبة إلى طبيعة عملهم المدني، تبرهن على أن "الصحافي العراقي مستهدف من كل الاطراف المتنازعة من دون استثناء، وأن مهنة الصحافة باتت موضع انتهاك يومي، من دون أدنى اعتبار للدور المهني والإنساني الذي تقدمه، وأن (سلطتها الرابعة) التي مارستها في خضم الأحداث على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن انتقاماً ممن يضيقون ذرعاً بحق الإنسان - داخل العراق وخارجه - في معرفة الحقيقة، وممن يخرقون المواثيق والأعراف والمحرّمات، إذا وجدوا أن هذا الخرق قد يخدم مصالحهم".   

مطالب بحل "الحشد" أو تحجيمه

ومن بين النقاط التي قد تكون أثارت حنق "الحشد" نحو الكاتب الذي وصفه زملاؤه بالشجاع، حديثه الصريح عن حض دول عربية وغربية العراق على "حل هيئة الحشد أو تحجيم أدوارها وصلاحياتها أو تقليص مواردها البشرية أو مراجعة عمليات دمجها مع القوات النظامية أو اعتبارها قوات احتياطية تستدعى عند الحاجة مع راتب تقاعدي منصف فالهيكلة الحالية للحشد الشعبي لا تعبر عن التغيرات الدراماتيكية السياسية والاقتصادية الحالية"، مضيفاً أنه لا بد من تعزيز فاعلية الحشود الأخرى الولائية في زمن يشهد أزمات متعددة ومتشعبة منها الإرهاب الدولي والصراعات الداخلية وزيادة الفقر، وكل ذلك يؤثر في ضرورة إعادة هيكلة الحشد.

ولتطويق تأثير الهيئة وقادتها شدّد على أنه يجب وضع معايير محددة وواضحة لمناصب هيئة الحشد الشعبي واللجوء إلى استخدام القانون العسكري ضد المتمرد، وتنشيط دور أمن وقانونية ومفتشية الحشد لغلق المكاتب الاقتصادية ومعاقبة المخالفين ومنع العمل السياسي والحزبي.

 

الحرب الداخلية على الامتيازات

ورصد الهاشمي تصاعد الخلاف بين فرقة العباس القتالية العائدة إلى عتبة العباسية التي تتّخذ من علي السيستاني مرجعاً عقائدياً وبين الهيئة الرئيسية وتحديداً مع القيادة الولائية في الحشد، مشيراً إلى أن الفئات المتخاصمة ترتبط مركزياً بالحكومة، لكنها تختلف من ناحية التمويل والأفكار والأيدلوجيات، وفصائل المقاومة الإسلامية تضع فصائل تأسست قبل فتوى السيستاني في عام 2014 لتأسيس الحشد الشعبي، وهي تجد نفسها أحق من الآخرين بالتمويل والامتيازات، كونها قاتلت الوجود الأميركي بعد عام 2003 مثل بدر العصائب وكتائب حزب الله العراقي، وهي في الوقت ذاته تمثل نفوذ إيران العسكري داخل العراق.

ويعيد الباحث في أطروحته التي تلقى تهديداً مباشراً بعد نشرها أسباب الخلافات إلى مشاكل مالية عانت منها ألوية الحشد وأثرت في مستواه وأدائه، ثم اتخاذ القرارات من قبل القيادات العملياتية وبصورة تفتقر إلى الشفافية، وارتباط قرارات الهيئة بعدم المساواة في الاطّلاع على المعلومات التي تبنى عليها التقارير الصادرة عن مكاتب رئاسة أركان الهيئة، إضافة إلى مطالبات شخصيات دينية مرجعية بأدوار قيادية للحشود غير الولائية، وانتشار المكاتب الاقتصادية التابعة للحشود الولائية.

صراع 64 جناحاً

وأبدى تفهمه المطالبات بإعادة توزيع المناصب على قيادات الحشود بعدالة على أساس إستراتيجي، لتكون "حصة القيادات الولائية متناسبة مع حجم مواردهم البشرية وهو ما يقارب 35 في المئة والـ65 في المئة تتقاسمها بقية الحشود في ما بينها بعدالة، مبيناً أبرز العقبات التي ستمنع ذلك والمتلخّصة في إشكالية الاستقلالية للحشود التي لها ارتباطات سياسية وعسكرية داخلية وخارجية، ونزع سلاح الفصائل واحتكاره بيد الدولة ومشاكل الرتب العسكرية، ومدى إمكانية انسجام القيادات تحت قانون 40 لعام 2016، وكذلك إمكانية وجود علاقة بين أبو فدك عبدالعزيز المحمداوي وميثم الزيدي".

ويتشكل الحشد الشعبي بحسب الدراسة من 64 لواء موزعة على 8 محاور عمليات، منها 67 فصيلاً شيعياً و43 فصيلاً سنياً و9 فصال أقليات، من بينها 44 فصيلاً مقلداً للخامنئي، و17 فصيلاً مقلداً للسيستاني و6 فصائل مقلدة لمرجعيات أخرى.

 

وتعتمد تصرفات إعلام الحشد في السنوات الستة الماضية على استخدام الفتوى المرجعية لإضفاء الشرعية الدينية على سياساته القتالية، لكن الهاشمي تساءل عن مدى استطاعة الحشود غير الولائية تجاوز حاجتها للحشود الولائية قيادياً وعملياتياً واستخباراتياً ومهنياً وعلاقات سياسية وقوات خاصة وتصنيع عسكري.

ويخلص إلى أن "الانقسام داخل بيت الفصائل الولائية يميز بين فئتين: فئة ولائية ترى الحل بالسلاح وليس هناك المزيد من الوقت للسياسة أو للدبلوماسية لإخراج القوات الأجنبية، وفئة ولاية ترى هناك المزيد من الوسائل الدبلوماسية والقانونية قبل اتخاذ قرار الحرب واستخدام السلاح لإخراج القوات الأجنبية".

 

"عراقي نقي"

ولم تصدق الأطراف العراقية والعربية التي عرفت الهاشمي تبني تنظيم داعش اغتياله، إذ على الرغم من مناهضة الراحل الأفكار المتشددة والتنظيمات الإرهابية، إلا أن الأطراف التي تناصبه العداء وتلقى تهديداتها مرة إثر الأخرى معروفة للجميع، وهي الأطراف نفسها التي نشطت في محاولة شيطنة سجله المهني والديني بعد إعلان مقتله.

ومن بين تغريداته التي وجدت تفاعلاً من متابعيه، وتختصر جوهر الاختلاف مع من يسميهم "تجار الحرب الصغار"، قوله أخيراً "يُريد المغرر بهم إقناع فقراء الشعب العراقي بأن الحرب مع أميركا والخليج هي حول مبادئ الكرامة والسيادة، وليس حول توزيع النفوذ والثروات".

واعتبر أن "معظم تجار الحرب الصغار يمتلكون ثروات كبيرة جمعوها خلافًا للقانون، وأما كبارهم فهم مثل الديكتاتوريات يعتقدون أن كل العراق ملكهم وورثهم".

ونعى باحثون وكتاب عرب مثل اللبناني عبد الوهاب بدرخان الهاشمي، باعتبار تصفيته ليست حدثاً عابراً. وقال "لا حدود لحزني على هشام الهاشمي. كما لو أنه عِشرة عمر. هشام إنسان عراقي نقي، رمز عراقي محترم لجيل عاش نصف عمره تحت نظام مستبد ونصفه الآخر تحت سطوة ميليشيات أكثر استبدادية. تصفيته ليست حدثاً عابراً بل يثير الحدس بأنه إرهاص لمواجهة باتت حتمية في العراق: إما الدولة أو الميليشيات. اغتيال هشام إنذار وتحدٍّ مباشر لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي بدأ مساراً وطنياً صعباً، وبات الآن مدركاً أن مَن قتلوا هشام يترصدونه".

خطف وقتل وتهديد بالحرق

وطاولت التهديدات والهجمات المستمرة مؤسسات صحافية عدة مثل مجموعة "إم بي سي" التي تعرض مكتبها قبل نحو شهرين في بغداد لهجمات تخريبية من الميليشيات المحسوبة على إيران، كما تعرض صحافيون مثل أحمد عبد الصمد للاغتيال، والصحافية شهد الخليل لتهديد شديد اللهجة قال لها مرسلوه " لن نقتلك... سنحرق وجهك فقط"، وآخرون للخطف، بحسب المرصد الذي نشر في وقت سابق قائمة بكتاب عراقيين بارزين تلقوا تهديدات جدية، كان بينهم لسوء الحظ المقتول الهاشمي، إلا أن السلطات العراقية يبدو أنها لم تقم بالتدابير اللازمة لحمايته، وفقاً للعديد من أصدقائه الذين يخشى بعضهم المصير نفسه، هذا على الرغم من تلاقي خطه القومي مع النهج الذي ينادي به رئيس الحكومة الحالي الكاظمي.

ولهذا اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة على "تويتر" أن أقل ما تقدمه السلطات العراقية في قضية الصحافي المغدور هو تقديم الجناة إلى العدالة.

 

 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات