Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعلان حملة فساد الأخير في السعودية يطيح بالكبار والصغار في قطاعات مختلفة

السلطات أزاحت الستار عن قضايا جنائية في قطاعات الأمن والصحة والتعليم

حملات مكافحة الفساد في السعودية تحظى بتأييد شعبي. (رويترز)

تمخضت عن الشفافية التي انتهجتها الحكومة السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، إبّان حربها العلنية على الفساد التي استهدفت شخصيات سياسية واقتصادية كبرى، إصلاحات متعاقبة طالت جهاز مكافحة الفساد بعد ضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إليه، في خطوة سهلت عمليةَ مباشرةِ القضايا، وارتقت بمستوى وعي الأفراد بها، من خلال بيانات دورية مفصلة لجرائم مثل التزوير والرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي.

الفساد يتأقلم مع كورونا

آخر الإعلانات الجريئة التي صدرت، أمس الاثنين، وضعت السعوديين في موقف المتأمل لـ14 قضية من أصل 105، كان من أبرزها تهريب عائلة مصابة بمرض (كوفيد – 19)، حيث يذكر البيان الصادر عن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، إقدام طبيب بوزارة الصحة على استغلال نفوذه لإدخال حالة سليمة إلى المحجر لتكون مع عائلتها، ثم تهريبهم إلى منزلهم قبل التعافي، في مخالفة صريحة للإجراءات الوقائية الصارمة التي تفرضها السعودية.

وتمثلت الواقعة الأخرى في إيقاف ضابط برتبة عميد بشرطة إحدى المناطق، بعد استغلاله نفوذه الوظيفي، وتنقله بالمركبة الرسمية لتسهيل مرور مركبة خاصة أخرى عبر النقاط الأمنية بطريقة غير نظامية أثناء فترة منع التجول، وإيقاف رجل أمن آخر بعد طلبه رشوة من الوافدين مقابل إلغاء مخالفات حظر التجول مستغلاً طبيعة عمله.

ولم تسلم مبادرات الحكومة السعودية لتخفيف الآثار الاقتصادية من التلاعب الذي تمثل في تلقّي مالك مستشفى مبلغ 1.5 مليون ريال (400 ألف دولار أميركي) بعد تحايله على النظام، للحصول على الدعم الحكومي للعاملين بالقطاعات الخاصة والمتأثرة بفيروس كورونا، بعدما أودى بحياة أكثر من 1900 ضحية، وأصاب ما يزيد على 213 ألف شخص في البلاد.

رشوة واستغلال في الأمن والنيابة

ولم تكن النيابة العامة، بمنأى عن قضايا الفساد المالي والإداري، إذ قُبض على أحد موظفيها بالجرم المشهود لحظة تسلمه مبلغ 30 ألف ريال (8 آلاف دولار) من أصل مبلغ 110 آلاف ريال (29300 دولار) طلبه كرشوة، مقابل تسليم مواطن أصل معاملة قضيته، ومسح النسخ المؤرشفة لدى النيابة، كما أُوقف رئيس وحدة الضبط الجنائي بأحد أقسام الشُرط، يحمل رتبة مقدم، لاستغلاله منصبه ونفوذه الوظيفي بإطلاق سراح 4 وافدين، وكفّ البحث عنهم، وعدم إعادتهم للجهة المتخصصة، مقابل حصوله على أجهزة هواتف ذكية.

ويبدو أن معاناة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية من الإجراءات البيروقراطية التي حدت من فاعليتها، خفّت مع تحسّن علاقتها مع الجهات الحكومية الأخرى، إذ نتج عن التعاون مع هيئة الجمارك في البلاد، إيقاف 5 موظفين في أحد المنافذ البرية بتهم التزوير والرشوة، بعدما استغلوا نفوذهم الوظيفي للتلاعب بالأوامر والتعليمات، وتدوين أسمائهم بمحاضر ضبط لعمليات تهريب غير مشاركين بها بغرض الحصول على مكافآت مالية بلغت 264 ألف ريال (70400 دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثمر التعاون في إيقاف موظف تابع لوزارة الإعلام يعمل بأحد مكاتبها بالمنافذ البرية لاستغلاله منصبه في إدراج اسم أحد معارفه ضمن منسوبي المكتب بطريقة غير نظامية لتمكينه من الحصول على بطاقة إعفاء من رسوم الدخول والخروج، وإيقاف موظفيّ بلدية في إحدى المناطق لإصدارهما شهادة إزالة مخلفات بطريقة غير نظامية لأحد المباني المتعدي مالكه على مرفق حكومي بتلك المنطقة بهدف إطلاق التيار الكهربائي للمبنى.

وأطاحت الهيئة، بالتنسيق مع وزارة الإسكان بثلاثة أشقاء، أحدهم يعمل بأحد القطاعات العسكرية، والآخران يعملان مقيّمي عقار بإحدى شركات التقييم المعتمدة لدى وزارة الإسكان، لاستغلالهم ووظيفتهم لمصالحهم الخاصة، من خلال التواصل مع أصحاب العقار والاتفاق معهم على رفع قيمته عن القيمة السوقية بما يقارب مليون ريال (266 ألف دولار)، على أن يكون المبلغ الزائد من نصيبهم.

أسلاك "الكهرباء" مكشوفة

وفي خطوة أكثر جرأة، لم تكتفِ هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بتسمية الوزارات والأجهزة الأمنية، بل كشفت عن قضايا رشى وغسل أموال كان أطرافها ثلاثة موظفين يعملون لصالح الشركة السعودية للكهرباء، حصلوا على رشوة مالية تقدر بـ535 ألف يورو (604 آلاف دولار تقريباً) من إحدى الشركات الفرنسية، وباشروا فتح حسابات بنكية بإحدى الدول بطلب من الشركة لاستقبال تلك المبالغ بهدف التمويه عن مصدرها، وقام أحد المشتبه فيهم بتحويل جزء من مبلغ الرشوة لحسابه البنكي بدولة أخرى بهدف تحويلها لحسابه البنكي داخل البلاد.

وأوضح البيان أن الشركة سلمت الجناة مبالغ نقدية، بما يقارب 30 ألف يورو (34 ألف دولار) لتغطية مصاريف السفر والإقامة والإعاشة خلال زيارتهم لمقرها بفرنسا، والاجتماع مع المديرين التنفيذيين بها، من دون علم الشركة السعودية للكهرباء، وذلك مقابل قبول منتجات الشركة الفرنسية وزيادة طلبات الشراء على تلك المنتجات، مستغلين مناصبهم الوظيفية.

وفيما حصل أحدهم على رشوة تصل إلى 800 ألف ريال (213 ألف دولار) من موردين داخل بلاده مقابل ترسية عقود توريد لصالحهم، لاحقت تهم الإخلال بالواجب الوظيفي والرشوة منسوبين ومهندسين في إحدى المناطق ممن يعملون لشركة الكهرباء الوحيدة في السعودية على خلفية التلاعب بمواصفات بعض المشروعات، ونتج عن ذلك زيادة بقيمتها بلغت 400 ألف ريال (106 آلاف دولار).

ووسط نشوة الشارع العام بالوصف الدقيق لجرائم موظفي قطاعات الدولة، يُثار التساؤل حول مدى رضا الجهات الحكومية التي صارت تهتم بصورتها العامة أمام الجماهير عن ربط اسمها بجرائم رشوة وغسل أموال، لا سيما أن بيان الجهة الرقابية لم يشهّر بأسماء المؤسسات الخاصة التي تورط موظفوها، عدا شركة الكهرباء، التي لا نعرف بعد ماهية موقفها من ذلك، وربما يعود ذكر البيان لاسم الشركة إلى امتلاك الحكومة لأغلبية أسهمها، فيما يملك الأفراد من عامة الناس سواء عن طريق المؤسسات أو المستثمرين 18.8 في المئة فقط وفقاً لإحصاءات الموقع الرسمي للشركة.


طلبات التوظيف في التعليم

وسجلت وزارة التعليم حضورها في اللائحة بتلاعب في عقود تشغيلية، أدى إلى إيقاف عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات بعد طلبه مبالغ مالية بلغت 80 ألف ريال (21 ألف دولار)، من عدد من الشركات بالجامعة، وكذلك التماسه نسبة 20 في المئة من قيمة أحد العقود، وهو ما يبعث القلق حول صمود الجهود الرامية إلى منح المؤسسات الأكاديمية في السعودية استقلالية مالية وإدارية على نطاق واسع.

وتمثّلت الصورة الذهنية للوظيفة التربوية في أنها تتسم بالاستقرار والأجر الجيد، ما انعكس على نمو أعداد الراغبين في الانخراط بالسلك التعليمي، لكن هذه الرغبات تقابلها نية المؤسسة التعليمية تأهيل منسوبيها حتى يكونوا قادرين على تدريس أكثر من مادة لسد أي احتياج، وبالحديث عن الوظائف التعليمية، فقد كشف البيان المعلن إيقاف موظف بوزارة التعليم، لإيهامه المواطنين بقدرته على التوظيف، وطلب مبالغ مالية عن كل طلب.

اقتلاع الجذور

وعلى الرغم من التحولات الجذرية التي مر بها جهاز الرقابة ومكافحة الفساد ذي التسع سنوات، فإن طفرته لم تحدث إلا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وبلغت ذروتها مع ترؤس ولي عهد البلاد الأمير محمد بن سلمان، الرجل الثاني في هرمية الحكومة السعودية، لجنة عليا لملاحقة المتورطين في قضايا بليونية شملت استدعاء381 شخصية مؤثرة.

وتحفظت السلطات حينها على أموال المتهمين، ووضعت طائراتهم الخاصة تحت الحراسة تحسباً لهروبهم، قبل أن تعلن العام الماضي التسوية مع 87 شخصاً، وإحالة 56 آخرين إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات، وجاء استعادة 400 مليار ريال (106 مليارات دولار)، إلى خزينة الدولة، المحصلة النهائية لحملة تاريخية كان عنوانها الأبرز هو أن البتر سيطال يد الفساد أيا كان طبقتها أو مكانتها.

وفيما كمنت الغاية الاقتصادية في استرجاع أصول مالية ضخمة، تكشفت الخطوة الأخيرة التي وُصفت بـ"الشجاعة والحاسمة" من قبل الرأي العام كونها لم تستثن مسؤولين وأمراء ورجال أعمال معروفين، عن توجّه حكومي لضم هيئة الرقابة والمباحث الإدارية إلى جهاز واحد بمسمى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، في قرار يهدف إلى الحد من الإجراءات البيروقراطية، وتسريع وتيرة العمل.

وتسلطت الأنظار لاحقاً نحو موظفي القطاع العام الذي يعد المحرك النائم على ثروات مالية ضخمة، من حيث استحواذه على نصيب كبير من الموازنة العامة للبلاد، وتأكدت أهمية التحول الأخير من خلال تصريحات سابقة لرئيس الهيئة مازن الكهموس، الذي نقل ما وصفه بـ"التحذير شديد اللهجة" على لسان ولي العهد السعودي، موضحاً أن "المرحلة المقبلة سوف تكون لاستئصال الفساد لدى الموظفين الحكوميين الصغار".

ولم يكن إعلان يوليو (تموز) الحالي هو الأول من نوعه، ولا يبدو أنه الأخير، فقد أوضحت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية في منتصف يونيو (حزيران) الماضي أنها باشرت 127 قضية، وكشفت عن تفاصيل سبع قضايا مليونية، تورط فيها 8 شركات ورجل أعمال وموظف جامعي، و8 أشخاص في إحدى شركات الاتصالات، ورجل أمن، ومالك عقار، وموظف بلدية، وتراوحت التهم ما بين استغلال النفوذ الوظيفي، والرشوة، والتزوير.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات