Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة إحياء شركتي "قها" و"إدفينا" للأغذية في مصر

 يعود تاريخهما إلى الخمسينيات والخسائر داهمتهما زمن الانفتاح ومقصلة "الخصخصة" لم تنل منهما وأخيراً تخضعان للهيكلة الشاملة

شركة قها للمنتجات الغذائية المصرية أنشئت عام 1940 (ويكيبيديا)

يبدو أن القدر يحمل الكثير من الرحمة لشركتي "قها" و"إدفينا"، الغذائيتين المصريتين العريقتين، فهما لم تفلتا من مقصلة الخصخصة، التي طالت عشرات الشركات المصرية خلال نهايات القرن العشرين، والعشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين فقط، وإنما أيضا جاءت كل منهما على رأس قائمة الشركات التي طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بإعادة إحيائها دعماً للاقتصاد الوطني.
وخلال الأيام القليلة الماضية، بدأت الحكومة المصرية، في إعداد خطة شاملة لتطوير الشركتين ضمن عمل استراتيجي متكامل، يستهدف إعداد تصور واضح للاستفادة من الشركات التابعة لـ"الشركة القابضة للصناعات الغذائية"، لاستعادة الإنتاج المتميز لهما، بما يعزز قيمة المنتج الوطني في السوق المحلية، ويرفع القدرة التنافسية، ويعظم فرص التصدير.

المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية السفير بسام راضي، ذكر في بيان صحافي، أن الرئيس السيسي وجه باختيار مواقع مجمعات ومصانع الإنتاج الغذائي، بما يضمن توافر سبل النجاح كافة، واستدامة الإنتاج المتميز، من حيث القرب من الموانئ والطرق والمحاور، وكذا مزارع الإنتاج، حتى يسهل توفير المواد الخام، وتسهيل عملية نقل المنتجات.

 

 

تاريخ عريق وخطة شاملة للهيكلة

وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي مصيلحي قال لـ"اندبندنت عربية"، إن وزارته بدأت في العمل على خطة إعادة هيكلة شاملة، موضحاً أن تنفيذ إعادة الهيكلة سيُجرى عبر استراتيجية متكاملة لإعادة الشركتين العريقتين إلى الحياة مجدداً، باعتبارهما من الشركات التي تتصل بالأمن القومي للبلاد، التي ظهرت أهميتها في ظل تفشي جائحة كورونا، علاوة على التوترات الجيوسياسية التي يمر بها العالم، وليس منطقة الشرق الأوسط فحسب.
وكشف أيضاً عن أنه سيُجري مؤتمراً صحافياً، لإعلان تفاصيل عملية إعادة الشركتين إلى العمل، فور اكتمال خطة الحكومة بهذا الشأن.
ومن المعروف أن أجيالاً عدة من المصريين، تعلقت بإنتاج الشركتين المذكورتين، خصوصا شركة "قها"، التي كانت تغمر السوق المحلية بمنتجاتها من العصائر والمشروبات والمربى بأنواعها حتى فترة غير بعيدة، حيث بدأ نجمها في الأفول مع مطلع الألفية الحالية، نتيجة المنافسة الشرسة مع شركات القطاع الخاص. الأمر الذي أسقطها في بئر الخسائر لتقادم معداتها.
يعود تاريخ الشركتين العريقتين، إلى خمسينيات القرن الماضي مع تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حكم مصر عقب ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، حيث كانت فكرة تأسيس الشركات القومية الوطنية، التي تملكها الدولة وتديرها بشكل كامل، هي الشغل الشاغل لتلك المرحلة.
وسادت الفكرة كل القطاعات الاقتصادية بالدولة، سواء الصناعات المعدنية، حيث تم تأسيس مجموعة من الشركات، على رأسها "الحديد والصلب"، و"مصر للألمونيوم"، وكذلك قطاع الغزل والنسيج، بتأسيس عدد من الشركات على رأسها "المحلة للغزل"، وأيضا بقطاع الأغذية والمشروبات، وجرى تأسيس شركتي "قها" و"إدفينا".
إلا أن أغلب الشركات التي أُسست في العهد الناصري، عانت مع تغير النظام الاقتصادي التي انتهجته مصر عقب وفاة عبد الناصر، خصوصاً أن هذا التغيير أدى لتكبد هذه الشركات خسائر متتالية استمرت لأعوام طويلة. الأمر الذي اضطر الدولة لتنفيذ برنامج موسع للتخلص من الشركات الخاسرة، باعتبارها عبئاً على الاقتصاد المحلي، الذي عرف ببرنامج "الخصخصة"، وبدأ في مطلع التسعينيات، واستمر إلى عام 2010.

 

 

مهندس برنامج الخصخصة يروي الكواليس

وزير قطاع الأعمال العام المصري الأسبق مختار خطاب، الذي تولى مقاليد الوزارة خلال الفترة من 1999 إلى 2004، ويوصف بـ"مهندس برنامج الخصخصة المصري"، قال إن شركتي "قها"، و"إدفينا"، كانتا تابعتين للقطاع الخاص في فترة ما قبل الخمسينيات.
وأخبرنا، أن الشركتين دخلتا ضمن الشركات التي تم تأميمها عقب تأميم "قناة السويس" عام 1956، إذ بدأت الحكومات التي أعقبت فترة التأميم في تطوير الشركتين بشكل كبير، حتى استطاعتا السيطرة على قطاع الأغذية والمشروبات في مصر والدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل من فترة الستينيات، وحتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين.
وأشار خطاب إلى أن النظام الاقتصادي في مصر آنذاك، ساعد "قها" و"إدفينا" على الاستحواذ على قطاع الأغذية والمشروبات، موضحاً أن مصر كانت تتبع نظاماً اقتصادياً اشتراكياً، ذا تخطيط مركزي احتكاري، يمنع دخول شركات القطاع الخاص في منافسة الشركات الوطنية، بخاصة في القطاعات الاقتصادية الرئيسة، مثل: الغزل والنسيج، والحديد والصلب، والأغذية والمشروبات، والتبغ والدخان.

ولفت خطاب إلى أن هذا النظام ساعد الشركتين على التوسع بشكل كبير، حتى بدأت شركة "قها"، في تصنيع الوجبات الساخنة الطازجة المطبوخة، قائلاً، "كانت الشركة تصنع وجبات من الخضار، واللحم المحفوظ، وأصبحت هي المورد الرئيس للجيش المصري في حرب يونيو (حزيران) عام 1967، ثم في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ثم بدأت في تقديم الوجبات ذاتها إلى الدول العربية، نظراً للطبيعة الصحراوية التي تغلب على مناخ الأغلبية من هذه الدول، علاوة على المذاق الجيد للخضراوات المصرية، التي تمتع بمذاق يجذب المستهلك العربي حتى الآن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خسائر فادحة
وحول بداية أفول نجم شركة "قها" قال خطاب، إن ثورة التصحيح والانفتاح الاقتصادي، الذي اعتمده الرئيس الراحل محمد أنور السادات، اعتباراً من 1974، سمح للقطاع الخاص بأن يدخل بشراسة في منافسة الصناعات الوطنية، فلم تتحمل شركاتها، ذات النزعة الاحتكارية، مجابهة قدرات القطاع الخاص الرأسمالية والتسويقية، بالتزامن مع تهالك وتقادم معداتها، لتسقط في بئر الخسائر، وتفقد القدرة على المنافسة والاستمرار.
وتابع، في عام 1991، ومع بداية تنفيذ برنامج الخصخصة عرضنا شركتي قها، وإدفينا للتقييم والبيع، وتم طرحهما أكثر من مرة، ولم يتقدم أحد بعرض مناسب لشرائهما. وتقدم مستثمر في عام 1999 بعرض لشراء شركة قها بسعر أعلى من سعر التقييم. مشيراً إلى أن ما حدث بعد ذلك، هو أن المستثمر تعثر في سداد قيمة الصفقة لعدة سنوات، مما أجبر الحكومة المصرية على استردادها من جديد بعد معركة قضائية.
وأضاف، "بعدها استعضنا عن بيع الشركة بضخ أموال لتجديدها، ومنذ ذلك الحين تعمل الشركة وحتى الآن، كإحدى الشركات الوطنية، لكن بإمكانات ضعيفة لا تساعدها على منافسة شركات القطاع الخاص في صناعة الأغذية.

توفير 90 في المئة من احتياجات السوق المحلية

بدوره قال الرئيس الأسبق للشركة القابضة للصناعات الغذائية حسن كامل، إن شركتي "قها" و"إدفينا"، لهما تاريخ في وجدان الشعب المصري. وأوضح لنا، أنه حتى ما قبل التسعينيات من القرن العشرين، ببضع سنوات، كانت كلاهما توفر ما يعادل 90 في المئة من احتياجات السوق المحلية للأغذية المحفوظة والمشروبات.
ولفت إلى أن شركة "قها" أُنشئت في عام 1940، وبدأت بمصنع واحد فقط تحت مسمى "المصنع المصري للأغذية". ثم في عام 1962 تم تأسيس شركة مساهمة باسم "النصر للأغذية المحفوظة"، انضمت إلى قطاع الأعمال المصري في 1991، تحت اسم "قها للأغذية".
وحول شركة "إدفينا"، قال كامل، "أُنشئ مصنع الشركة الأول بمحافظة دمياط، على الساحل الشمالي الشرقي لمصر في 1960 خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتم تدشين مصنعين في محافظتي الإسكندرية وبورسعيد، استغلالاً لموقعهما مع دمياط، على ساحل البحر المتوسط، في نشاط الصيد، الذي يسهل عملية تصنيع الأسماك المعلبة المحفوظة، لافتاً إلى أن الخسائر أدت إلى تصفية مصنع بورسعيد في 2007، مع الإبقاء على مصنعي الإسكندرية ودمياط فقط.
الموقف الحالي للشركتين يعبر عن حجم المنافسة الشرسة، التي لا تستطيع أي منهما خوضها في ظل السياسات التسويقية والترويجية، التي يتمتع بها القطاع الخاص، وبلغت جملة منتجات "قها" خلال العام الماضي فقط 70 ألف طن، بمبيعات لا تزيد على 118 مليون جنيه (نحو 7.3 ملايين دولار أميركي)، من خلال 21 منفذ بيع بجميع المحافظات المصرية.
فيما كشف رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية اللواء أحمد حسانين، التي تتبعها شركتي "قها"، و"إدفينا"، في تصريحات خاصة عن الخطوط العريضة للخطة الشاملة للتطوير، مؤكداً أنها تسعى إلى إنعاش آليات التسويق، وزيادة مراكز التوزيع والبيع بمختلف المحافظات، واختراق أسواق جديدة.

124 مليون دولار للتطوير

وقال إن شركته بدأت خطوات إعادة الهيكلة منذ عام تقريباً، وأسندت ملف التطوير إلى شركة عالمية للاستشارات المالية، وإعداد الدراسة الكاملة لتطويرهما، باستثمارات متوقعة تقترب من ملياري جنيه (124 مليون دولار).

وأضاف أن الخطوط العريضة تتضمن تحديثاً شاملاً بعد دمج الشركتين، لتضم أربعة مصانع إنتاج، بدلا من سبعة مصانع، تحت مسمى شركة "قها وإدفينا للصناعات الغذائية"، بهدف الحفاظ على العلامة التجارية التاريخية للشركتين محلياً وخارجياً.
ولفت إلى أن الدراسة تتضمن التدريب الشامل للعمال، بمختلف درجاته الإدارية والفنية، حتى لا يتم فصل أي منهم، مشيراً إلى أنه تُجرى حالياً إعادة تأهيل خط إنتاج "الفول المحفوظ"، المتوقف عن العمل منذ عام 2000، لتصل طاقته الإنتاجية إلى 300 طن شهرياً، مع إعادة تشغيل خط التجميد بمصنع أبو كبير بمحافظة الشرقية، وإعادة تشغيل خط تصنيع العلب بمصنع الطابية بمحافظة الإسكندرية.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد