Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ترفض الجزائر أن تكون بلدا سياحيا؟

تعترض القطاع عوائق من قبيل صعوبة حصول الأجانب على التأشيرات

الصحراء الجزائرية (اندبندنت عربية)

لا تشكّل الصور والفيديوهات التي ينشرها هواة على مواقع التواصل الاجتماعي، مفاجأةً للجزائريين أنفسهم بما تزخر به بلادهم من إمكانيات سياحية فقط، بل يعتبرها البعض "صفعة إيقاظ" للعودة والتساؤل عن سبب بحث ملايين الجزائريين عن "نفس جديد" خارج الحدود، في حين لا يزال انجذاب السياح الأجانب لاكتشاف بلادهم التي يصفونها بـ"القارة"، قليل جداً.
يعتبر الجزائريون أنه لا يوجد أفضل من صحرائهم الشاسعة التي يمكن مشاهدة "أجمل غروب في العالم" فيها ولا أجمل من شريطهم الساحلي المطلّ على البحر الأبيض المتوسط والممتدّ بطول 1200 كيلومتر، إلّا أنّه بمجرد حلول فصل الصيف، يحزم كثيرون منهم أمتعتهم ويركبون الطائرات نحو وجهات سياحية مختلفة.
 

الهجرة نحو الشرق

تقول رانية، العاملة في قطاع التعليم، التي تعوّدت على قضاء العطلة الصيفية في مدينة سوسة والحمامات في تونس، "أملي في فتح الحدود ظلّ قائماً بعد 3 أشهر أمضيتها في المنزل تحت ضغط فرضته جائحة كورونا، لكنّ مخططاتي بعودة الحياة إلى طبيعتها فشلت على ما يبدو"، تضيف متحسّرة. وأُصيب جزائريون مِمَّن اعتادوا تمضية عطلة الصيف في الجارة الشرقية بـ"خيبة"، عقب تأجيل فتح الحدود البرية بين البلدين، الذي كان مقرراً أواخر يونيو (حزيران) الماضي، وذلك بسبب تداعيات أزمة كورونا ومخافة تفشّي الفيروس جراء حركة التنقّلات.
ويتوجه قرابة 3 ملايين جزائري إلى تونس سنوياً، يشكّلون نحو 30 في المئة من العدد الإجمالي للسياح في الجارة الشرقية، ويسهمون في رفع مداخيل السياحة هناك بنحو 40 في المئة بالعملة الصعبة، بحسب إحصاءات رسمية.
ويعترف المسؤولون في تونس بأن الجزائريين يساعدون في إنقاذ أحد مرتكزات اقتصاد البلاد، حتى في عزّ الأزمة السياسية التي شهدتها وحالة الطوارئ المفروضة، في وقت فرّ السياح الأجانب بداعي غياب الأمن بعد هجمات إرهابية، كان أبرزها هجوم متحف باردو الذي خلّف21 قتيلاً من السياح، أعقبه هجوم سوسة الذي أدى إلى مقتل 38 أجنبياً.
 

نقمة البترول

ولا تزال مداخيل النشاطات السياحية لا تتعدّى الـ 2 في المئة من إجمالي الناتج الخام، ويعزو رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية في الجزائر إلياس سنوسي ذلك إلى "التهميش والإقصاء الذي طاول هذا القطاع الذي لا يمكن الحديث عن خسائره ولا أرباحه، لأنه لا يوجد أي معيار لقياسه في الظرف الراهن".
ويقول سنوسي لـ"اندبندنت عربية" "واقع مؤسف ألّا توجد سياحة في بلادنا، كل الحكومات المتعاقبة لم تُولي هذا القطاع أهمية في حضرة البترول"، جازماً بأن "البترول تحوّل من نعمة إلى نقمة على بعض القطاعات، في مقدمها السياحة"، إذ يعتبر جزائريون أن النفط ساعد في اتّكالية الفرد، ولم يسمح بالتأسيس لاقتصاد متنوّع مدرّ للثروة في غياب إرادة سياسية.
 


ماذا ينقص؟

كذلك، تتأسف السيدة دليلة إبراهيمي، الموظفة في القطاع الحكومي، لكون بلادها لا تستقبل سياحاً عرب وأجانب في فصل الصيف بشكل كافٍ، قائلةً "ليس لأنني جزائرية، لكن لا يمكن إنكار أن بلادنا من أجمل الدول، حتى من تلك التي تستقبل ملايين السياح سنوياً ومحزن ألّا يكتشف العالم سحرها".
وتضيف "لا يمكن أن نبقى في هذا الوضع، الوقت يُداهمنا، الأولوية هي لفتح المجال أمام مستثمري القطاع الخاص ومنح التسهيلات لإنشاء مرافق بمواصفات عالمية وتحسين خدمات الفنادق التي تبقى أسعارها مرتفعة جداً، والأكثر من ذلك، أن نعيد الحياة إلى مدننا ليلاً، فهي تنام عند الساعة الثامنة بما فيها عاصمة البلاد وهذا غير معقول".
مرور فترة تسعينيات القرن الماضي على الجزائر بظروف أمنية استثنائية، جعلها منغلقة بالنسبة إلى العالم الخارجي الذي لم يكتشف هذا البلد الغني بالثروات الطبيعية وبموقعه الاستراتيجي وتنوّعه الجغرافي وثقافاته والحضارات المتعاقبة عليه وعاداته وتقاليده، بينما لم يُقدّم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي مكث في الحكم لـ20 سنة قبل إزاحته بحركة شعبية عارمة انطلقت في 22 فبراير (شباط) 2019، أي نَفَس لقطاع السياحة، بل على العكس اعتمد على النفط الذي شهد خلال فترة حكمه ارتفاعاً قياسياً ووصل سعر البرميل إلى 140 دولاراً.
 

الحصول على التأشيرة ليس سهلاً

تُعفي الجزائر دول قليلة من التأشيرة لا يتجاوز عددها 11 دولة، كما تُعتبر من أكثر دول العالم تشدّداً في إجراءات دخول الأجانب إلى أراضيها، في حين تسمح الجارة تونس لحاملي جوازات 72 بلداً حول العالم بزيارتها من دون تأشيرة، ويرتفع هذا الرقم إلى 90 بلداً بالنسبة إلى المغرب.

رضا، صاحب وكالة سياحية في العاصمة الجزائرية، تلقّى طلبات عدّة من قبل سياح عرب وأجانب لزيارة بلاده وتحديداً الصحراء، غير أن حلمهم لم يتحقّق بعد، بسبب تعذّر حصولهم على الـتأشيرة. ويقول إن "الجزائر بلد آمن وليس هناك ما يمنع دخول السياح الأجانب في اعتقادي، فعلى الرغم من الوعود الحكومية بتسهيل إجراءات الحصول على الفيزا، إلّا أنّ هذا الكلام غير مجسَّد في الواقع، ما يصعّب نشاط الوكالات السياحية التي أصبحت مهدّدة بالإفلاس في ظل الركود الكبير الذي يعرفه النشاط السياحي في البلاد".
ويطالب مستثمرون جزائريون في قطاع السياحة من السلطات بتسهيل تقديم التأشيرات للأجانب. ويقول أحد رجال الأعمال المعروفين جيلالي مهري، صاحب منتجع سياحي في جنوب البلاد، إن "أي مشروع لن يكتمل ويبقى مرهوناً بمدى قدرته على استقطاب السياح الأجانب".


هل تغيب الثقافة السياحية؟

في المقابل، يتحسّر جزائريون على غياب الثقافة السياحية لدى البعض في بلادهم. ويقول المواطن محمد مباركي إنه دخل في خصومة مع نادل في مدينة تيبازة الساحلية الواقعة غرب العاصمة، لأنه لم يستقبله كما ينبغي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي كمال ديب ذلك، موضحاً أن "الحديث عن الثقافة السياحية أمر في غاية الأهمية، فهو يسبق المنشآت القاعدية من فنادق وخدمات وأسعار تنافسية"، ومبرزاً أن "بعض العاملين في القطاع لا يُحسنون معاملة الزبائن لأنهم لا يدركون أهمية السياحة، وهذه ليست مشكلة عويصة إذا عولجت عن طريق التوعية".
ولا يعني غياب الثقافة السياحية أن السكان في هذا البلد يفتقدون إلى حسن الضيافة، بل على العكس، فإنّ المخرج الفرنسي يان أرتوس برتران، الذي أنجز فيلماً بعنوان "الجزائر مناظر من السماء"، عبّر عن انبهاره بجمال البلد وبحسن ضيافة أهله طيلة فترة تصويره الفيلم التي دامت 3 سنوات.

مبادرات شبابية

من جهة أخرى، وإن كان الترويج الرسمي للسياحة غائباً في الجزائر، فإنه يجدُ ضالّته من خلال شباب وشابات اتّخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً للتعريف بسحر بلادهم وما تزخر به من مناظر خلّابة، بدافع غيرتهم على وطنهم وحبّاً في الترويج للسياحة الداخلية.

ويقول ياسين وهو أحد أعضاء مجموعة "ألف ليلة وليلة سياحة" التي تأسّست عام 2018، "ليس لدينا أي هدف آخر غير الترويج للجزائر، أطلقنا هاشتاغات على غرار حوس (تجول في) بلادك ونقي بلاصتك (أي نظف مكانك) التي لاقت تجاوباً كبيراً". ويضيف "نحاول قدر المستطاع التعريف بمناطق سياحية جزائرية عن طريق نشر صور لأماكن جميلة ساحرة للكشف عن وجهات جديدة في البلاد لا يعرفها حتى السكان المحلّيون، كما نسعى إلى تقديم النصائح حتى تكون الرحلات بتكاليف مناسبة وممتعة في  الوقت ذاته".
ويوضح ياسين أن ما يقوم به برفقة أصدقائه ليس الغرض منه تحقيق أرباح مالية بقدر ما يهدف إلى إبراز ما تكتنزه الجزائر من ثروة سياحية مغيَّبة ومجهولة لدى السائح المحلي قبل الأجنبي، كما يتمنّى أن يصل صدى سحر بلاده الأكبر في القارة الأفريقية إلى كلّ العالم.

المزيد من منوعات