Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعافي الاقتصاد ليس مستداما في ظل كورونا

الابتكار ملاذ للمؤسسات والأفراد لكن التأقلم مع المشاكل ضروري

من المستطاع إعادة تفعيل النشاط الاقتصادي لكن الاستمرار فيه مرهون بكبح انتشار كورونا  (تلتريدير.كوم)

تُصدِر كاليفورنيا أمراً إلى الحانات الموجودة ضمن بؤر تفشي فيروس كورونا بأن تغلق أبوابها، وخلافاً لبقية المناطق الإنجليزية، على "ليستر" أن تؤجّل إعادة فتح حاناتها ومطاعمها. فيما تغلق منطقة "شمال الراين- وستفاليا"، أكثر الولايات الألمانية اكتظاظاً بالسكان، بعض الحانات ودور السينما والنوادي الرياضية فيها. وتفرض مقاطعة "فيكتوريا" في أستراليا إغلاقاً لأربعة أسابيع، وكذلك تحذر "منظمة الصحة العالمية" من أن أسوأ مراحل الجائحة "لم تحل بعد".

ليس ما ورد أعلاه سوى لمحة عشوائية عن الأنباء التي سرت في الأيام القليلة الماضية. وثمة كثير من الأمثلة الأخرى عن تفشي الوباء التي نفهم منها أنه فيما وصل الاقتصاد العالمي إلى الحضيض في الربع الثاني من السنة الحالية، سوف يواصل "كوفيد-19" مساره المدمر لبعض الوقت. وطالما يعيث الفيروس في الأرض خراباً، فمن المستحيل أن يحقق الاقتصاد العالمي تعافياً مستداماً. وكذلك يستطيع متخصصو الاقتصاد أن يخمنوا شكل النمو خلال الأشهر المقبلة لكن نقاط الشك عارمة، وعلى الشركات أن تتعايش مع هذا الوضع.

 للمفارقة، يتوضح شكل استجابة الشركات للأزمة، الناجمة عن الفيروس، أكثر من شكل الأزمة نفسها. وعلى الرغم من أن هذا قد يعتبر تعميماً، إلا أن ثلاثة عناصر يبدو أنها تتداخل في هذا الموضوع. إذ تختصر الشركات سلاسل التوريد، وتخطط لتغير أكبر بكثير في الطلب، وتؤسس لميزانيات أكثر صلابة. وستكون النتيجة الصافية اقتصاداً عالمياً تكلفته أعلى بكثير، لكن قدرته على المقاومة أكبر. وتحتاج هذه العناصر إلى بعض التوضيح.

أولاً، بدأ تبسيط سلاسل التوريد قبل حلول "كوفيد-19". وطبعاً، دفعت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة، والصين الشركات الأميركية إلى محاولة تخفيف اعتمادها على المكوّنات المستوردة من الصين، وسارت الشركات الأوروبية على خطاها. لكن جذور الدفع باتجاه تبسيط هذه العملية يعود إلى فترة سابقة، تقريباً إلى عام 2014، حين توقف نمو نسبة التجارة العالمية في إجمالي الناتج المحلي العالمي. في المقابل ترجع عبارة "العودة إلى بلد المنشأ"، أي إعادة الإنتاج إلى البلد الأصلي، إلى وقت أبعد بكثير. وقد تأسست مجموعة ضغط اسمها "مبادرة العودة إلى بلد المنشأ"، في الولايات المتحدة في 2010 .وتالياً، إن ما يحدث الآن يشكّل تعزيزاً لاتجاه موجود بالفعل. ومن الأمثلة المشهورة جداً عليه، إعادة إحياء إنتاج معدات الوقاية الشخصية في المملكة المتحدة. فعندما اكتشفت المستشفيات البريطانية النقص في معداتها، تبيّن أن جميع هذه الأجهزة تقريباً مستوردة. وجهدت الحكومة في محاولة التفتيش في كل أنحاء العالم عن شركات تستطيع تصنيعها. ويظهر الآن أن المملكة المتحدة سوف تصنع نحو 20 في المئة من حاجتها محلياً بحلول نهاية العام. قد لا تبدو هذه النسبة كبيرة لكنها قاعدة يمكن البناء عليها، وتشكّل أيضاً مثالاً صغيراً عن موجة عالمية. تدفعون مبلغاً أكبر بقليل مقابل ضمان أمن التوريد.

ثانياً، يمثّل التخطيط لتغيّر الطلب أمراً تفعله الشركات كل الوقت. كيف سيكون شكل النمو هذا العام؟ هل سيحدث ركود؟ هل نضيف نوبة عمل ليلية؟ في المقابل، لم تمرّ الشركات أبداً باختبار بهذا الحجم، إذ لا يشكّل مجرد تراجع في الطلب فحسب، بل بالنسبة إلى شركة خطوط جوية أو مطعم، انعدام الطلب كلياً. ماذا تفعل في هذه الحال؟ من المستحيل التعميم، لكن ما عليك سوى النظر إلى العالم من حولك كي ترى الطرق المختلفة التي تتكيف الشركات بواسطتها مع الأزمة. باتت الحانات تحوّل مواقف السيارات كي تصير حدائق لتناول الجعة، وتضع المطارات محطات لفحص الحرارة الفوري، وتتكيف المتاجر مع أنماط العمل المستجدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا نعلم شكل تأثير هذه الأزمة على التوظيف. فمن جهة، إذا ظهرت الحاجة إلى مزيد من الموظفين من أجل مراقبة حركة العملاء، فسيخلق ذلك الأمر فرص عمل، مع زيادة الكلفة بالطبع. ومن جهة ثانية، إن اضطرت المطاعم إلى تبسيط لوائح طعامها وخدماتها من أجل ضبط التكاليف بسبب تراجع المبيعات، فسوف تستخدم موظفين أقل.

من ناحية أخرى، يتمثّل ما نعرفه في أن الضغط سيزيد أكثر على مدى مرونة القوى العاملة. ويعني ذلك وجود عدد أقل من الوظائف بدوام كامل، وزيادة عدد المهن الحرّة والعاملين بدوام جزئي.   

يتمثّل التحوّل الثالث في الاتجاه صوب ميزانيات أكثر قدرة على المقاومة. ثمة شركات استدانت أموالاً كثيرة، فباتت أكثر عرضة للاضطراب والخلل في عملها. في المقابل، تستطيع تلك الشركات التي تحوز سيولة نقدية كبيرة أن تتملك الأعمال التي تضطر شركات أخرى إلى بيعها. وقد يكون أحد الأمثلة على ذلك إقدام شركة "بريتش بتروليوم" للنفط على بيع نشاطها في مجال البتروكيماويات إلى شركة "إنيوس". وتحدث غربلة في صفوف شركات الطيران بين قوي وضعيف. ما زلنا لا نعلم إن كان مصير شركة "فيرجين آتلانتيك"، المملوكة لريتشارد برانسون، سيكون الإنقاذ، لكننا نعلم أن موقف بعض الشركات الأخرى مثل "أميركان إيرلاينز" صلب تماماً.

هناك أفضلية في استدانة مبالغ ضخمة بالنسبة إلى الشركات، تتأتى من أنه إذا سارت الأمور كما يجب، فلسوف تجني عائدات أعلى على حقوق المساهمين. في مقلب مغاير، يظهر الجانب السلبي لهذا الوضع إذا لم تَسِر الأمور كما يجب، فتُفلس الشركة. سعى المساهمون إلى زيادة العائدات فدعموا خيار الاستدانة. لكن حاضراً، وقد خسر المساهمون في عدد من الشركات كل أموالهم تقريباً، فلقد تبدّل المناخ.   

خلاصة القول، سوف يتعافى الاقتصاد العالمي. لكن في أعقاب ضربة كهذه، سوف يختلف الوضع الطبيعي الجديد عما كان عليه في السابق. ونرى الآن لمحة عن الوضع الجديد، بمعنى ظهور اقتصاد أقل "فعالية" بالمعنى الضيق للكلمة، لكنه أكثر قدرة على استيعاب الصدمات.

© The Independent

المزيد من آراء