Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة الجزائرية أمام ضغوط مالية متزايدة في ظل تراجع عائدات النفط

أزمة السيولة سببها تهافت المواطنين على سحب أموالهم خلال فترة كورونا مقابل تراجع نسبة الإيداع 80 في المئة

العاصمة الجزائرية في بداية حظر التجوال (أ ف ب)

 

تعيش الطبقة الاجتماعية بالجزائر على صفيح ساخن، من جراء تدهور القدرة الشرائية ومشكلات مالية وتنموية مع توقف العجلة الاقتصادية عن الدوران، الأمر الذي جعل الحكومة على "الأعصاب"، خصوصاً أنها في بداية طريق لا يخلو من "أشواك" المطالب الشعبية، التي أزاحت النظام السابق من أجل التغيير نحو الأفضل.

أرقام تكشف حجم الضرر

وجاءت أرقام الديوان الجزائري للإحصاءات لتكشف عن حجم الضرر الذي مسّ شريحة واسعة من الشعب، بعد أن بلغ معدل التضخم السنوي 1.9 في المئة، وأشارت إلى أنّ أسعار المواد الغذائية سجّلت ارتفاعاً 1.2 في المئة، في حين عرفت المواد الفلاحية الطازجة ارتفاعاً بنحو أربعة في المئة، والمواد الغذائية الصناعية قفزت اثنين في المئة، ومجموعات "الأثاث وتجهيزات التأثيث" ثمانية في المئة، بينما شهدت أسعار الخدمات ركوداً.

وأحدث تدهور القدرة الشرائية من جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية توتراً اجتماعياً، ظهرت أولى بوادره مع الاحتجاجات المتفرّقة التي تشهدها مختلف مناطق الجزائر، خصوصاً في ظل توقف العجلة الاقتصادية، بسبب الإجراءات المُتخذة لمواجهة فيروس كورونا، الذي أدخل فئات واسعة إلى عالم البطالة مضطرة، ما جعل الحكومة تواجه وضعاً استثنائياً زاد من خطورته تراجع مداخيل البلاد من جراء تهاوي أسعار النفط.

فلسفة تسيير الشأن العام

وحسب المحلل الاقتصادي مراد ملاّح، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، قال إن تصاعد التضخم في الجزائر يرجع إلى عوامل عدة، من بينها "ارتفاع مُطَّرد لأسعار المواد الاستهلاكية، يقابله استمرار حالة الضعف في توليد القيمة المضافة والثروة عموماً في اقتصاد مبنيّ على الريع"، مبرزاً أن هذا ليس السبب الوحيد، فـ"تضخم الأجور مع ارتفاع التكاليف واستمرار الدولة في ما يسمّى بالتمويل غير التقليدي من دون أن يكون أن يقابله في البنك المركزي عملات أجنبية أو سندات مالية، أو من حيث خلق الثروة مثل التصنيع والإنتاج الفلاحي المصحوب بالتصدير، عوامل تؤدي إلى التضخم المرهق للمواطن الجزائري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل ملاّح، "توجد أزمة تتعلق بفلسفة تسيير الشأن العام في الجزائر، إذ إن السياسة النقدية هي من مهام البنك المركزي الذي يكمّل السياسة المالية التي هي من مهام وزارة المالية، غير أنه في الجزائر البنك المركزي يسبح في بحر السياسيين وتجاذبات مكونات السلطة، ونجده تحت السلطة المباشرة لرئاسة الجمهورية، وفي أحسن الأحوال تحت سلطة وزارة المالية، ما حوّله إلى كيان ضعيف بتأثير محدود في المنظومة المالية للبلد".

تراجع السيولة المتداولة إلى ما تحت 8 مليارات دولار

وفي خضم هذا الوضع الاقتصادي، دخلت البلاد في نفق أزمة السيولة، على الرغم من التدخلات الكثيرة للبنك المركزي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فخّ شح الموارد، وباتت مظاهر الأزمة تلفت الانتباه مع طوابير المواطنين أمام البنوك ومراكز البريد، الذين عجزوا عن الحصول على مدخراتهم، فضلاً عن المتقاعدين الذين أخفقوا في سحب معاشاتهم وسط فوضى خانقة، ما دفع الحكومة إلى التدخل ومنع الشركات من سحب كميات كبيرة من الأموال من مراكز البريد.

وفي السياق ذاته، يشير أستاذ العلوم الاقتصادية عبد الحميد دحمانو، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن أزمة السيولة سببها "تهافت المواطنين على سحب أموالهم خلال فترة كورونا"، مقابل "تراجع كبير جدّاً في نسبة الإيداع"، موضحاً أن كثيراً من المواطنين والتجار ورجال الأعمال أصبحوا "يرفضون ادّخار أموالهم بالقنوات الرسمية، ويفضّلون اكتنازها كسيولة ملموسة في المنازل".

وتابع، "الغالبية تُوقف نشاطها بسبب كورونا، الأمر الذي جعل عملية ضخ الأجور تتراجع وتفاقِم الوضع"، مبرزاً أن "نسبة الإيداع تراجعت 80 في المئة، في حين تضاعفت نسبة السحب إلى مستويات كبيرة".

ويعتَبر دحمانو أن حجم السيولة المتداولة في السوق البنكية هوى إلى ما تحت عتبة الثمانية مليارات دولار، للمرة الأولى منذ أكثر من 20 سنة، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب تراجع عائدات النفط، وتداعيات جائحة كورونا التي أضرّت بالاقتصاد، وباتت تهدد الآلاف من الشركات بالإفلاس، مضيفاً "المصارف تعيش وضعية مالية صعبة من جراء الركود الاقتصادي، وارتفاع نسبة القروض المتعثرة التي استفاد منها رجال الأعمال، إضافة إلى استمرار تهاوي قيمة الدينار". وختم، "الحكومة أمام ضغوط مالية متزايدة في ظل تراجع عائدات النفط، وتآكل احتياطي الصرف الأجنبي، ومنع طباعة النقود والاستدانة الخارجية".

عبثية الهندسة المالية

في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي مراد ملاّح، أن إشكالية السيولة في الجزائر هي ترجمة مباشرة لعبثية الهندسة المالية بالبلد، وتساءل: "هل يُعقل أنه وبعد 60 سنة من الاستقلال ونحن في القرن الـ21، لا يزال الملايين من الجزائريين مجبرين على سحب أموالهم نقداً من البنوك ومراكز البريد لتدبير أبسط شؤون حياتهم؟"، مشيراً إلى أن التعاملات التجارية بما فيها المشتريات الضخمة للشركات "لا تزال تتم باستخدام السيولة التي وصلت إلى مرحلة خطيرة من عدم التحكّم فيها وتتبعها".

وأوضح، "المواطن بات يزن النقود ولا يعدّها، بسبب تهاوي قيمة عملته المحلية الدينار"، مرجعاً أسباب أزمة السيولة إلى "غياب ثقافة الادخار، وعدم وجود بورصة قوية فاعلة ناظمة وممتصة رؤوس الأموال وداعمة السوق بالسيولة، منعاً لتلاعبات التجار والأفراد والمضاربين". وختم قائلاً، "هذا الواقع يسيء لسمعة الجزائر، ويؤثر بشكل سلبي في ملف الاستثمار".

 

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد