Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسرح الكوميدي في مصر بداياته قوية ونهاياته متعثرة

أسماء وأجيال من المهندس ومدبولي والمليجي إلى عادل إمام وفيفي عبده

الفنان عادل إمام احد رموز الكوميديا المصرية الجديدة (موقع فنون)

عرف المسرح في مصر فنّ الكوميديا منذ بواكيره الأولى، وعلى الرغم من إجماع النقاد على أنه بدأ غنائياً، فإن ثمة أعمالاً كوميدية تم تقديمها في فترات باكرة، لعل أبرزها ما قدمه يعقوب صنوع، بغض النظر عن الخلاف الدائر بين مؤرخي المسرح حول ريادته للمسرح المصري من عدمها.

كانت هناك عشرات الفرق التي تخصصت في تقديم هذا النوع من المسرح، لكن العام 1962 شهد تأسيس "فرقة المسرح الكوميدي" التابعة لوزارة الثقافة، والتي مازالت مستمرة حتى الآن.

من هنا فإن كتاب "فرقة المسرح الكوميدي" للناقد المسرحي عمرو دوارة، الصادر حديثاً عن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية في القاهرة، لا يؤرخ للمسرح الكوميدي في مصر، بقدر ما يؤرخ لهذه الفرقة التي كانت بداياتها قوية، ثم تدهور مستواها بفعل عوامل كثيرة يذكرها المؤلف في الكتاب.

منذ تأسيسها وحتى الآن، قدمت هذه الفرقة نحو مئة وخمسين عرضاً مسرحياً، شارك فيها العشرات من نجوم التمثيل، وعلى الرغم من أن الكتاب مخصص لتوثيق مسيرتها، فقد حرص المؤلف على تتبع السياق التاريخي والفني لنشأة وتطور الكوميديا في مصر، حيث يذكر أن المسرح العربي بدأ - بالدرجة الأولى - غنائياً بفضل إسهامات كل من الرائدين مارون النقاش في لبنان (1848)، وأبو خليل القباني في سوريا (1856)، حيث كان كل منهما على دراية كاملة بذوق الجمهور. وعلى الرغم من أن محاولات وتجارب يعقوب صنوع التي بدأها عام 1870 قد اتجهت نحو الكوميديا الشعبية ومعالجة قضايا اجتماعية من خلال بعض الأنماط التقليدية، فإن ذلك لم يمنع من توظيفه بعض الأغاني الشعبية والمقطوعات الموسيقية.

مظاهر النهضة

ويذكر المؤلف أن تجربة يعقوب صنوع، التي وئدت مبكراً بنفيه إلى باريس عام 1872 لتوجيهه انتقادات لاذعة إلى الخديوي، لم تذهب هباءً، بل كان لها الفضل الأول في غرس أصول الفن المسرحي العربي في التربة المصرية، وتنبيه الخديوي نفسه إلى الفراغ الذي تركه صنوع، ما دفعه إلى محاولة استكمال مظاهر النهضة التي ينشدها وتعويض غياب الفن المسرحي بالموافقة على دعم واستقبال فرقة سليم النقاش لتقدم عروضها في مصر.

يعتبر المؤلف أن فرقة سليم النقاش التي قدمت إلى مصر عام 1876، وعلى الرغم من استمرارها لأقل من عام، كانت صاحبة الفضل الأول في غرس وتأصيل الظاهرة المسرحية في الوطن العربي، حيث لم تتوقف العروض في مصر منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، كما انطلقت منها بعد ذلك - بحسب  عمرو دوارة-  تجارب مسرحية رائدة إلى مختلف الدول العربية. واستمرت الحركة المسرحية في مصر بفضل تفرع عدد كبير من الفرق المسرحية من خلال الفرقة الأم، وفي مقدمها فرق يوسف خياط عام 1877، سليمان حداد عام 1881، سليمان قرداحي عام 1882. هذه الفرق الثلاث كان لنجاحها أكبر الأثر في توجيه نظر الرائد أبو خليل القباني للحضور إلى مصر أيضاً عام 1884، وتقديم عروضه مع المسرحي والموسيقي إسكندر فرح، والذي استقل بفرقته عام 1891. وهي الفرق التي بدأت تستعين ببعض الأصوات المصرية الأصيلة، وفي مقدمها سلامة حجازي، الذي استقل بعد ذلك ليصبح أول مطرب مصري يؤسس فرقة غنائية، ولتستمر وتتعاظم التجارب المسرحية خلال المراحل التالية بفضل جولات تلك الفرق في الأقاليم، والتي كان من أثرها تكوين فرق عدة للهواة في أنحاء مختلفة من مصر.

الكتاب يتضمن ثمانية فصول وأربعة ملاحق، يتناول الأول يتناول نشأة المسرح المصري بعامة، ونشأة تيار المسرح الكوميدي بخاصة، مع إلقاء الضوء على أهم الفرق المسرحية آنذاك، وأهم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المواكبة لتك النشأة، مع التركيز على مسيرة الفرق الكوميدية الكبرى بالتفصيل، وصولاً إلى تأسيس فرقة المسرح الكوميدي في العام 1962.

مراحل وشخصيات

ويرصد الفصل الثاني مسيرة تلك الفرقة منذ تأسيسها في إطار مسرح التليفزيون، ثم نقل تبعيتها إلى ما يعرف حالياً بـ"البيت الفني للمسرح"، وقسَّمها إلى أربع مراحل، الأولى شهدت "مسرحيات جماهيرية ناجحة"، ويحسب لها تأكيدها موهبة ونجومية جيل جديد من الفنانين، منهم:  عبدالمنعم مدبولي، فؤاد المهندس، محمد عوض، أمين الهنيدي، حسن مصطفى، أبو بكر عزت، كما نجحت في إلقاء الضوء على عدد من المواهب الشابة وقتها مثل: عادل إمام، سعيد صالح، شويكار، صلاح السعدني، الضيف أحمد، سناء يونس وغيرهم.

المرحلة الثانية، يطلق عليها المؤلف "مرحلة غياب النجوم"؛ بدأت بانضمام فرقة المسرح الكوميدي مع بقية فرق التلفزيون عام 1966، إلى "مؤسسة فنون المسرح والموسيقى والفنون الشعبية"، ونظراً لاختلاف السياسات واهتمام وزارة الثقافة التي تتبع لها المؤسسة، بتقديم الكيف على الكم تقرر تخفيض عدد العروض وتقليص الميزانيات، ما دفع عدداً كبيراً من نجوم الكوميديا إلى الانفصال عن الفرقة، ومن هنا تكونت "فرقة الفنانين المتحدين" بقيادة سمير خفاجي، والتي ضمت في البداية كلاً من عبدالمنعم مدبولي، فؤاد المهندس، شويكار، أمين الهنيدي، محمد عوض، نجوى سالم، نظيم شعراوي، عادل إمام، سعيد صالح، وزهرة العلا.

المرحلة الثالثة بدأت عام 1976 واستمرت حتى نهاية القرن العشرين، وجنحت غالبية عروضها – بحسب المؤلف- نحو تقديم الفرجة المسرحية والكوميديا الهزلية بهدف الإضحاك وتحقيق المتعة والترفيه، غير أن بعضها تناول أيضاً قضايا اجتماعية وسياسية.

ويحدّد المؤلف الفترة الرابعة من بداية القرن الجديد وحتى الآن، ويذكر أنها شهدت اضطراباً كبيراً في إدارة الفرقة، أثَّر بالسلب في كم الإنتاج وأيضاً على مستوى العروض. وقد بلغ إنتاج الفرقة منذ بداية الألفية الجديدة وحتى الآن اثنين وثلاثين عرضاً فقط، تباينت في مستوياتها، ولم تنجح أي منها في الجمع بين النجاح الجماهيري والامتياز الفني المنشود. ويمكن – كما يقول عمرو دوارة-  من خلال تتبع ودراسة قائمة العروض خلال تلك الفترة، اكتشاف ورصد مدى انحراف الفرقة عن أهدافها، بل وضياع هويتها أيضاً، سواء بمحاولة تحقيق المكاسب المادية بأي وسيلة حتى لو عن طريق استقطاب بعض رموز القطاع الخاص، بعدما غابت عنهم الأضواء. وأوضح مثال على ذلك مسرحيتا "النمر" للكوميديان الراحل محمد نجم، و" روايح" للراقصة فيفي عبده.

بيانات شخصية

جاء الفصل الثالث بعنوان "إدارة الفرقة" وتم من خلاله توثيق الأسماء والبيانات الشخصية والفنية لجميع المديرين الذين تحملوا مسؤولية إدارة الفرقة، مع إيضاح الفترة الزمنية التي تولى كل منهم المسؤولية خلالها. وتناول الفصل الرابع "النصوص بين التأليف والترجمة والاقتباس"، حيث تضمن رصداً لأسماء جميع المؤلفين والمترجمين والمقتبسين والمعدين الذي ساهموا بإبداعاتهم منذ تأسيس الفرقة وحتى نهاية العام 2019. وحمل الفصل الخامس عنوان" المخرجون" وتضمن تصنيفاً لأجيال المخرجين الذين ساهموا في إثراء مسيرة الفرقة، وتضمَّن الفصل السادس تصنيفاً لجميع النجوم الذين شاركوا في عروض الفرقة خلال مراحلها المختلفة.

"دور العرض" كان عنوان الفصل السابع، وتضمَّن بياناً تفصيلياً بأسماء جميع المسارح التي قدمت الفرقة عروضها عليها. أما الفصل الثامن الذي جاء بعنوان "علامات مضيئة على الطريق"، فتم خلاله استعراض التفاصيل الكاملة لأربعة وأربعين عرضاً، يرى المؤلف أنها الأهم في تاريخ الفرقة.

وتضمنت الملاحق القوائم الخاصة بعروض الفرقة وأسماء المؤلفين والعروض. وعلى الرغم من الجهد المبذول في إعداد هذا الكتاب، فإن ثمة تناقضات وقع فيها المؤلف حيث يقول: "لا أعتمد في مثل تلك الكتب التوثيقية على ذاكرتي الشخصية أو عواطفي الذاتية، أو على تسجيل بعض المواقف المسرحية كما عاينتها وشاهدتها بنفسي وعرفت أسرارها، بل أحرص بشدة على إخفاء فيض أحاسيسي ومشاعري، لأترك الفرصة الكاملة للبيانات والمعلومات كي تتدفق بصورة دقيقة من بين ثنايا المادة لتشكل مجموعة الحقائق المهمة التي يجب توثيقها للأجيال التالية". هو فعل ذلك بالتأكيد، لكنه لم يكتف بالتوثيق بل تعداه إلى إبداء بعض الآراء النقدية، ويعترف بذلك صراحة بقوله: "ولكنه كتاب توثيقي يتضمن رؤية نقدية أيضاً". وأحسب أن تقديم الرؤى النقدية كان يجب أن يكون في كتاب آخر، لأن تقديمها هنا يعد انحيازاً يخرج الكتاب عن كونه توثيقياً يتطلب أكبر قدر من الحيادية.

المزيد من ثقافة