Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا الحلم والكابوس تغيرت ولم تتغير

الولايات المتحدة التي توحدت بالعنف مستعدة للحفاظ بالقوة على الاتحاد

محتجون ضد عنف الشرطة في العاصمة الأميركية واشنطن (أ ف ب)

في "أوليس"، يقول جيمس جويس بلسان بطله "إن التاريخ كابوس أريد الاستيقاظ منه". وفي الواقع، يقال إن أميركا محظوظة لأن طبقات التاريخ لم تتراكم فوقها، بحيث تنطلق من الحاضر إلى المستقبل بلا أثقال. لكن تاريخها القصير ليس من دون كابوس إلى جانب الحلم. "الحلم الأميركي" تحقق، وجعل القارة الجديدة القوة الأعظم والأغنى، والأكثر حداثة في العالم. والكابوس الذي رافقها منذ الولادة هو العنف والعنصرية. عنف المستوطنين الأوروبيين الذين أبادوا معظم السكان الأصليين من الهنود الحمر، للاستيلاء على أراضيهم. وعنصرية الذين اخترعوا نظرية "تفوق العرق الأبيض" لاستعباد السود بعدما جاؤوا بهم من أفريقيا للعمل في مزارع القطن والقمح. وكلما حاولت أميركا الاستيقاظ من الكابوس عادت إليه ثانية. مرة بعد الحرب الأهلية في منتصف القرن التاسع عشر، حين قرر الرئيس إبراهام لينكولن تحرير العبيد بعدما شاركوا في الحرب إلى جانبه في هزيمة الكونفيديرالية في الجنوب أمام الفيديرالية في الشمال، لإعادة توحيد الولايات الأميركية. وأكثر من مرة بعد حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ في منتصف القرن العشرين. واليوم في الانتفاضة الواسعة ضد عنف الشرطة، والعنصرية تحت عنوان "حياة السود مهمة"، بعد موت المواطن الأسود جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض.

 المطلب هو العدالة، لا فقط لشخص بل لشعب، لأن "الصبر ليس رداً على العدالة"، كما كتب مارتن لوثر كينغ إلى صديق له من سجنه في بيرمنغهام. والعدالة ليست فقط إعادة تنظيم الشرطة، بل أيضاً إعادة النظر في النظام.

إذ يقول تشارلز بلو في "نيويورك تايمز" إن "البوليس عنيف ضد السود لأن النظام عنيف ضدهم، والبوليس السيئ أداة في نظام سيئ". وليس من السهل إعادة النظر في بلد بني بالعنف ضد السكان الأصليين، واستقل بالمعارك عن بريطانيا بقيادة جورج واشنطن، وتوحدت ولاياته الشمالية والجنوبية بحرب أهلية. أولاً، لأن الأكثرية في أميركا، وحتى خارجها ترى أن النظام الذي أقامه "الآباء المؤسسون" هو قمة الديمقراطية لا طبقية، لا امتيازات، لا سلطة مطلقة لأحد، ومؤسسات تؤمن الضبط والتوازن. وثانياً، لأن ممارسة السلطة أنشأت مصالح للنافذين الأقوياء الذين يحافظون عليها بقوة السلطة والمال في إطار اللامساواة في الدخل بين السكان بيضاً وسوداً، واللاعدالة في معاملة السود. فلا تحقق ما تمناه جيفرسون بالقول "آمل أن تكبر حكمتنا مع قوتنا لنتعلم أن قوتنا تصبح أعظم كلما استعملناها أقل". ولا كان الرئيس الحالي دونالد ترمب سوى نتاج اللاعدالة واللامساواة، بحيث عمل على تعميق الانقسام الداخلي وإشاعة سياسات الحقد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والسؤال هو: أي تغيير ممكن في أميركا؟ والواقع أنها تغيرت، ولم تتغير في آن. تغيرت ديموغرافياً وسوسيولوجياً، بحيث صار السود والملونون نحو 40 في المئة من السكان، حسب دائرة الإحصاء الوطني. تغيرت اقتصادياً، وإن بقيت الأولى في العالم، بحيث قل حجم اقتصادها، وزاد حجم اقتصاد سواها في الإنتاج العالمي. وتغيرت ثقافياً وسياسياً واستراتيجياً من إمبراطورية صاعدة إلى إمبراطورية تنحدر نحو "الخندقة"، والتخلي عن بعض مسؤولياتها في الخارج. لكنها لا تزال "دولة أمن قومي" قبل أي شيء. خصومها يبنون أحلاماً على انهيارها وهم يرونها تحترق. بعضهم يتوهم أن الظروف بدأت تنضج للانفصال بين البيض والسود، وإقامة دولة لكل منهما. وبعضهم الآخر يحلم بحرب أهلية جديدة تقود إلى فوضى، وفرط الولايات المتحدة. أما في الداخل، فإن الدعوات إلى الانفصال لا تزال أحلام يقظة. وأبرز تلك الدعوات هي التي تجسدها "حركة تكساس الوطنية" بقيادة دانيال ميللر، التي تضم 300 ألف عضو، وتطالب بانفصال تكساس عن الولايات المتحدة لتصبح دولة مستقلة. ويقول ميللر في حديث مع مجلة "أتلانتيك" إن تكساس لها "حضارة خاصة" ودخلها يبلغ 1,7 تريليون دولار، أي في المركز العاشر العالمي اقتصادياً قبل كندا. و"إذا كان الكرد والكاتالونيون والاسكتلنديون يستحقون دولة، فإن التكساسيين يستحقون دولة". والشعار الرائج هو "تكسيت" على غرار "بريكسيت". وما يطلبه السود هو العدالة والمساواة، لا الانفصال. وما يطلبه "يسار" الحزب الديمقراطي هو تخفيف التفاوت في الأجور والثروة. وما تطالب به العاصمة "واشنطن دي.سي" هو، كما كتبت مستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس، أن تصبح مقاطعة واشنطن التي لا تمثيل لها في الكونغرس "الولاية الحادية والخمسين".

لكن الكل يعرف أن أميركا التي توحدت ولاياتها بالقوة مستعدة للحفاظ بالقوة على الاتحاد، وحتى على المركز القيادي في العالم. والساعة دقت لشيء من التغيير. وهو حتى الآن إسقاط تماثيل الجنرالات الكونفيديراليين، وتغيير أسماء الثكنات التي تحمل أسماءهم، وإعادة "تربية" الشرطة. ولا أحد يعرف متى تنجح أميركا في ما سماه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكوتيل "مصارعة الخطيئة الأصلية".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء