Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بلازما المتعافين" تبرع بالحياة محفوف باستخلاصات "غير بريئة"

لا يخلو الحديث من تشكيك في الفكرة وتخوّف من عملية سحب الدم وشيطنة الممتنعين ومتاجرة قبيحة وسط هيمنة "ماذا لو؟"

أعلنت مصر أن تجربة حقن مصابي كورونا ببلازما المتعافين أظهرت نتائج مبشّرة (أ.ف.ب)

كلمتان تترددان في الأجواء المصرية هذه الأيام بقوة وصخب وكثير من الأمل وبعض من تشكّك وريبة. فبعد أسابيع طويلة وثقيلة من هيمنة "كورونا" و"الوباء" على فكر ولسان الملايين، فرض كل من "بلازما" و"متعافين" نفسهما ليطيحا الوباء ومفرداته من على عرش "ترند" الكلام.

ولا حديث في الشارع أو على الأثير إلا عن الأمل الذي يلوح في الأفق ويقف على جبهة مقابلة لتلك الغارقة في تخمة المستشفيات وزيادة الإصابات وانفلات أسعار المسحات والتعايش التدريجي مع الفيروس في عزّ ذروته.

بلازما المتعافين

الجمعة الماضي، أعلنت وزيرة الصحة والسكان المصرية، هالة زايد، أن تجربة حقن المصابين بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"  وفي حالات حرجة ببلازما المتعافين قد أظهرت نتائج مبدئية مبشّرة انعكست في نسبة تعافٍ جيدة بين هؤلاء المرضى، مشيرة إلى أن عدداً ممن تم حقنهم ببلازما المتعافين قل اعتماده على أجهزة التنفس الصناعي، مع زيادة نسبة الشفاء وخروج آخرين من المستشفيات.

البلازما، تلك المادة السائلة التي يميل لونها إلى الأصفر، تشكّل نحو 55 في المئة من حجم الدم في جسم الإنسان. وهي تقوم بمهام حيوية لنقل الماء والأملاح والغذاء اللازم للخلية من مكان امتصاصها أو تصنيعها إلى بقية الجسم. كما تنقل نواتج عمليات الأيض أو التمثيل الغذائي داخل الجسم. وأول من اكتشف قدرة البلازما على علاج الدفتيريا كان الطبيب الألماني إميل بهرينغ، الذي حصل على جائزة نوبل الأولى في علم وظائف الأعضاء والطب قبل مئة عام تقديراً لهذا الإنجاز الكبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنجاز كبير

الإنجاز الطبي الكبير المشار إليه في مصر يداعب أحلام الملايين. فريق يجبر نفسه على التريث قبل الاستبشار خيراً في قدرة حقن المصابين ببلازما المتعافين، والبعض الآخر يعتقد أن الوباء في طريقه للانقشاع طالما "حكاية البلازما" باتت في متناول اليد. وفريق ثالث يمضي قدماً في حياته اليومية محافظاً على تباعده الاجتماعي ومطلعاً على أخبار البلازما والمتعافين ومتضرعاً إلى السماء لحمايته من كل ما سبق.

وسبق وخاضت الصين تجارب عدة في فبراير (شباط) الماضي لإخضاع مصابين بفيروس كورونا المستجد للعلاج بـ"بلازما المتماثلين للشفاء" أو "بلازما النقاهة". وأثبتت التجارب أن مستويات الفيروس في أجساد المصابين تنخفض بشكل ملحوظ بعد حقنها بهذه البلازما. وقال أطباء صينيون في حينها إن أعراض المرض، لا سيما ضيق التنفس وآلام الصدر والحمى والسعال، تحسنت بشكل ملحوظ بعد أيام قليلة من الحقن بها.

شروط التبرع

المتحدث الإعلامي باسم وزارة الصحة والسكان المصرية، خالد مجاهد، يقول إن التجربة في مصر تمت من خلال الفريق البحثي الموجود في قطاع خدمات نقل الدم القومية، الذي يعمل ضمن لجنة علمية مشكلة بقرار من وزارة الصحة، وهي اللجنة المنوط بها وضع وتحديث بروتوكولات العلاج والإشراف على وضع وتنفيذ البروتوكولات البحثية بالتعاون مع عدد من الجهات البحثية في العالم.

ووضعت وزارة الصحة قائمة بالشروط التي يجب توفّرها لدى المتبرعين المتعافين من كورونا للتبرع بالبلازما، وهي: وجود دليل مسحة إيجابية لفيروس كورونا المستجد، وسحب عينتين تفيدان سلبية الشخص، أي دليل التعافي، ومرور 14 يوماً على التعافي من آخر مسحة سلبية مع عدم ظهور أي أعراض أخرى للفيروس، بالإضافة إلى التأكد من خلوه من الأمراض القلبية والصدرية المزمنة، وألا يكون قد خضع لعمليات جراحية كبرى. كما يجب أن يتراوح سن المتبرع بين 18 و60 عاماً، وألا يقل وزنه عن 50 كيلوغراماً.

وقال مجاهد إن المصابين بالفيروسات الكبدية ونقص المناعة والزهري والأورام والسكري الذي يستلزم حقن الأنسولين لا يسمح لهم بالتبرع. أما مرضى الضغط والسكري الذين يتناولون دواء منتظماً فيسمح لهم بالتبرع شرط استيفاء الشروط السابق ذكرها.

إجراءات سلامة

وتشير وزارة الصحة السكان المصرية إلى أن بلازما دم المتعافي الواحد تكفي لحقن اثنين من المصابين. وتحرص الوزارة ومسؤولوها يومياً على التأكيد غير مرة على أن عملية التبرع بالبلازما تخضع لإجراءات سلامة وأمان محكمة، تبدأ بتحاليل الفيروسات عبر الوميض الضوئي للكشف عن أمراض الكبد الوبائي ونقص المناعة والزهري، بالإضافة إلى تحليل الكشف عن الحمض النووي للفيروسات الذي يعدّ أفضل تحليل للتأكد من سلامة وأمان الدم. كما يتم إجراء تحاليل خاصة بكفاءة البلازما وقياس نسبة الأجسام المضادة الخاصة بفيروس كورونا مع التأكد من كفاءة الأجسام المضادة لمواجهة الفيروس.

يشار إلى أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية "FDA" صرحت باستخدام البلازما في علاج الحالات الحرجة في الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) الماضي. وعلى موقعها على الإنترنت، تناشد الإدارة الأميركيين الذين تعافوا تماماً من "كوفيد-19" التبرع، لأنهم قد يتمكنون من مساعدة مرضى يحاربون الفيروس. "لأنك حاربت الفيروس فإن البلازما في جسمك تحتوي على الأجسام المضادة التي يمكن استخدامها لمساعدة الآخرين على محاربة المرض".

 

"التجارب السريرية بالتضامن"

من جهتها، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنها أطلقت مبادرة "التجارب الإكلينيكية أو السريرية بالتضامن"، ومن خلالها تدرس كل البروتوكولات العلاجية التي يثبت أن لها أثر في علاج كورونا، وذلك على أمل الوصول إلى علاج فعّال عبر مبدأ التضامن. وأشارت إلى أنها تنظر إلى المحاولات الجارية في العالم باعتبارها تحت التجربة والدراسة، مشيرة إلى أنها تطلب من كل الدول التي تجري تجارب سريرية أن تشرك المنظمة في نتائجها أولاً بأول، وأكدت وجود عدة بروتوكولات للعلاج وليس بروتوكولاً واحداً فقط".

يشار إلى أن تجربة "التضامن" هي تجربة سريرية دولية أطلقتها منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في 70 دولة بهدف المساعدة على إيجاد علاج ناجع لكورونا المستجد. وتقوم التجربة على مقارنة الخيارات العلاجية مع مستوى الرعاية المعتاد، لتقييم الفعالية النسبية لكل منها في معالجة "كوفيد-19". ومن خلال إشراك مرضى من بلدان عدة يمكن إضافة عقاقير أخرى حسبما يتوافر من بيانات في هذا المجال. وتحذر المنظمة من التوصية بعلاجات غير مثبتة أو وصفها للمرضى، كما تحذر الأفراد من تعاطيها كعلاج ذاتي.

 وتشير المنظمة إلى أن جائحة "كوفيد-19" تمثل ضغطاً هائلاً على النُظم الصحية يستدعي من المنظمة ضرورة تسريع وتيرة التجارب السريرية وتوسيع نطاقها، رغم أن هذه التجارب العشوائية عادة تستغرق سنوات عدة، إلا أن "الصحة العالمية" ترى أن تجربة "التضامن" من شأنها أن تقلص مدة تصميم التجارب وإجرائها بنسبة 80 في المئة، مشيرة إلى أن إشراك المرضى من دول عدة في دراسات تجريبية عشوائية واحدة سيساعد على تيسير المقارنة السريعة بين العلاجات غير المثبتة على الصعيد العالمي، وذلك من شأنه أن يتغلب على ثغرات التجارب المتعددة الصغيرة التي لا تؤدي إلى نتائج مؤكدة بما يكفي لتحديد مدى فعاليتها.

وبالنسبة إلى العلاج ببلازما الدم، هناك بالفعل تجارب تجرى متعلقة بنقل البلازما التي تحتوي على أجسام مضادة لفيروس كورونا والتي تكونت في أجسام المتعافين إلى المرضى بـ"كوفيد-19"، لكنها ما زالت قيد التجريب. صحيح أن هذه التجارب أتت بنتائج مبشرة لا سيما في الحالات الحرجة، لكن حتى الآن لم تظهر نتائج نهائية تجعلنا نعلن بثقة نجاح هذه التجارب وحتى الآن لم توص المنظمة باعتمادها إلى حين اكتمال كافة مراحل التجارب وظهور نتائج مؤكدة بنجاح هذه العملية كوسيلة للعلاج.

محاربة المرض

مساعدة الآخرين على محاربة المرض هي الدافع الذي تعمل وزارة الصحة والسكان المصرية هذه الأيام على تحقيقه. مراكز نقل الدم القومية تتواصل مع المتعافين في نطاق المحافظة التابعين لها من خلال فرق الدعم النفسي الاجتماعي. ويتم تحديد مواعيد للمتعافين لاستقبالهم في تلك المراكز وسحب البلازما منهم.

ويوضح الدكتور أيمن راتب، أحد موردي الأجهزة الطبية، ومنها التي تستخدم في سحب الدم لاستخلاص البلازما- أن "هذه الأجهزة متوفرة في كل محافظات مصر قبل جائحة كورونا". ويشير إلى أن "استخلاص البلازما يستخدم في حالات الأورام والنزيف وأمراض الأطفال وغيرها. وهو إجراء غير مكلف على الإطلاق، ولا يستغرق سوى ساعتين تقريباً".

وعن سبب قصر استخدام العلاج ببلازما المتعافين على الحالات الحرجة فقط، يقول راتب إن الحالات الأخرى تتمكن فيها أجهزة المناعة من القيام بمهمة مواجهة الفيروس، بالإضافة إلى البروتوكول العلاجي المحدد من قبل وزارة الصحة. أما كبار السن أو أصحاب الأمراض الصدرية والقلب وغيرها، فإنهم يحتاجون ما يساعد أجسادهم على مواجهة الفيروس وذلك قبل أن يدخلوا مرحلة التنفس الصناعي والمضاعفات الخطيرة.

 

آثار جانبية

الزميل الباحث في علم المناعة الفيروسي والجراحة البيطرية في جامعة كامبريدج، الدكتورة سارة كادي، تقول في مقال منشور لها في دورية "ذو كونفرسيشين"، إن أنظار العالم كله متعلقة بنتائج استخدام بلازما المتعافين في علاج حالات الإصابة الحرجة بالفيروس. لكن رغم ذلك، تبقى هناك مخاطر وآثار جانبية يجب أن توضع في الحسبان. وتشمل هذه المخاطر الآثار الجانبية مثل الحساسية، واحتمالات أن يكون الدم المنقول من المتعافي ملوثاً بمرض آخر. كذلك ضرورة أن تكون متوافقة وتركيبة ونوع دم المتلقي وإلا تعرّض الجميع لمشكلات خطيرة في أثناء عملية النقل للمصاب. كما أن كبار السن أو المرضى ممن يعانون أمراضاً في القلب أو الرئة قد لا تتحمل أجسامهم نقل هذه الكمية من البلازما. ورغم هذه المخاطر، فإن كادي تؤكد أنه على مدى مئة عام من عمر استخدام بلازما المتعافين، لم يحدث أن توجهت أنظار العالم كله إليها وكلها أمل في أن تحمل الأمل في إنقاذ من يمكن إنقاذهم من كورونا المستجد. وتشير أيضاً إلى أن الوضع الحالي والتوجه إلى بلازما المتعافين سيصقل العالم بخبرات طبية كبرى في مجال تجميع وفصل واستخدام البلازما بطريقة آمنة، ليس فقط لمواجهة كورونا المستجد، لكن أيضاً ما يستجد من فيروسات.

الفيروس الحالي تطلب أن تقوم وزيرة الصحة والسكان المصرية نفسها، هالة زايد، بمناشدة المتعافين من كورونا التوجه إلى أقرب مركز نقل دم تابع لخدمات نقل الدم القومية في الوزارة، وعددها خمسة مراكز في أنحاء مصر للتبرع بالبلازما بعد مرور 14 يوماً على شفائهم.

نشر المناشدة

وعلى أثير مواقع التواصل الاجتماعي، أخذ البعض من المستخدمين على عاتقهم مهمة نشر هذه المناشدة، كلٌ بطريقته. فمنهم مَنْ يطلب مِن الأقارب والأصدقاء الذين مَنّ الله عليهم بالشفاء أن يتوجهوا إلى أقرب مركز نقل دم للتبرع بالحياة لمرضى آخرين. ومنهم من يلفت الانتباه إلى أن أنباء بدأت تتردد عن بعض المتعافين الذين وجدوا في التبرع بالبلازما مصدراً جيداً للربح، حيث تسعيرات تتراوح بين 15 و20 ألف جنيه نظير التبرع. وعلى الرغم من أن أغلب المتعافين الذين توجهوا إلى مراكز نقل الدم الحكومية فعل ذلك على سبيل التبرع، فإن هناك مخاوف عدة من أن تتحوّل بلازما المتعافين إلى سوق لبيع الحياة من قبل متعافين وشرائها في الخفاء من قبل مقتدرين، وهو ما يتطلب مراقبة وتدخلاً حكوميين صارمين لمنع تحولها إلى تجارة.

الممتنع آثم

من جهة أخرى، أفتى مركز الأزهر العالمي للفتوى بوجوب تبرع المتعافين من كورونا بالبلازما. وقال إن "استجابة المتعافين لدعوة التبرع (واجب كفائي) إن حصل ببعضهم الكفاية برأت ذمتهم، وإن لم تحصل الكفاية إلا بهم جميعاً تعيّن التبرع بالدم على كل واحد منهم وصار في حقه واجباً ما لم يمنعه عذر، وإن امتنع الجميع أثم الجميع شرعاً، وذلك لما في التبرع من سعي في إحياء الأنفس". ورأت فتوى الأزهر أن التبرع بالبلازما للمصابين نوع من الشكر العملي على نعمة العافية بعد البلاء، والشفاء من عضال الدّاء.

وأشارت الفتوى إلى أن امتناع المتعافي عن التبرع مع قدرته "شحُّ نفسٍ، وضعف يقين، وأَثَرة وأنانية". ووصلت إلى درجة وصف الممتنع بالآثم.

وعلى الرغم من اعتراض البعض على إقحام الدين والفتاوى في البلازما والمتعافين، فإن آخرين لا يرون غضاضة في ذلك، وإنما تكمن الغضاضة الحقيقية في التقاعس عن التبرع أو عرض البلازما للبيع.

وكما هو متوقع، "هاشتاغات" بدأت تتسلل إلى "تويتر" تدعو المصابين المتعافين إلى التبرع بالبلازما، مثل "بلازما دمك شفاء غيرك". ومعها أيضاً تتسلل تغريدات باحثين عن "متبرعين" متعافين مع تحديد فصيلة الدم المطلوبة. والبعض منهم يلوّح بدفع "مكافأة" نظير التبرع. ووضع مشابه أيضاً على الـ"فيسبوك"، حيث مناشدات تبرع عديدة وتحذيرات من تحول التبرع بالبلازما إلى تجارة قبيحة في زمن الوباء.

أما الشارع فيموج بحديث متخم بالبلازما، فيه قدر كبير من المعلومات الصحيحة، لكنه أيضاً لا يخلو من تشكك في الفكرة وتخوّف من سحب الدم وفصله وإعادة ضخه في آخرين، حيث هيمنة لـ"ماذا لو" كان المتعافي ما زال مريضاً، أو كان حاملاً للإيدز، أو غيرها من الافتراضات. لكن لا صوت يعلو على أمل البلازما والتعلّق بالمتعافين سوى تواتر مناشدات التبرع وشيطنة الممتنعين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات