فاجأت الصين العالم بارتفاع احتياطياتها من النقد الأجنبي على غير المتوقع بسبب تغيرات في أسعار الأصول، رغم تراجع اليوان بفعل المخاوف حيال تصاعد في التوترات الصينية الأميركية، في حين تقول الهيئات التنظيمية إن الإمكانيات الاقتصادية للبلاد تكفل الاستقرار في المستقبل.
وزاد احتياطي النقد الأجنبي الصيني - الأضخم في العالم- 10.233 مليار دولار في مايو (أيار) إلى 3.102 تريليون دولار، حسبما أظهرت بيانات البنك المركزي اليوم الأحد.
كان اقتصاديون استطلعت "رويترز" آراءهم توقعوا تراجع الاحتياطيات 10.459 مليار دولار إلى 3.081 تريليون دولار بسبب التقلبات في أسعار الصرف العالمية وأسعار السندات الأجنبية التي تحوزها الصين. وقالت إدارة الصرف الأجنبي الصينية، في بيان، إن الزيادة المفاجئة ترجع إلى تغيرات في أسعار الصرف والأصول، لكنها لم تذكر تفاصيل.
تدفقات جديدة على الأسهم والسندات
وأوضحت الهيئة التنظيمية أنه "بالنظر إلى الأمام، فإن إمكانياتنا والمتانة الاقتصادية والمجال الفسيح للمناورة وأدوات السياسة العديدة... ستواصل دعم الاستقرار الكلي لاحتياطيات النقد الأجنبي."
وتسارعت التدفقات الأجنبية على الأسهم والسندات الصينية في الآونة الأخيرة مع مراهنة المستثمرين على انتعاش اقتصادي. وساعدت قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال في سيطرة بكين على نزوح الأموال على مدى العام المنصرم رغم صدمة تفشي فيروس كورونا وحرب التجارة الممتدة مع الولايات المتحدة وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وانخفض اليوان واحداً في المئة مقابل الدولار في مايو (أيار)، في حين تراجع الدولار 0.78 في المئة في نفس الشهر أمام سلة عملات رئيسة أخرى. وبلغ احتياطي الذهب لدى الصين 62.64 مليون أوقية (أونصة) في نهاية مايو، من دون تغير عن نهاية أبريل (نيسان).
وزادت قيمة احتياطيات الذهب الصينية إلى 108.29 مليار دولار في نهاية مايو من 106.67 مليار في نهاية أبريل، انسجاماً مع ارتفاع في سعر المعدن المقوم بالدولار.
الصادرات تراجعت في أدنى مستوياتها منذ 4 أعوام
في حين سجلت الصادرات الصينية تراجعاً، وبلغت الواردات أدنى مستوياتها منذ 4 أعوام، بحسب ما كشفت البيانات التجارية الصينية لمايو، وسط تباطؤ اقتصادي عالمي سببته القيود المفروضة لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد.
وانخفضت صادرات الصين، البلد الأول الذي ضربه فيروس كورونا المستجد، بنسبة 3.3 في المئة الشهر الماضي بالمقارنة مع العام السابق، بحسب بيانات نشرتها سلطات الجمارك.
وعرفت الصادرات في أبريل ارتفاعاً قوياً بنسبة 3.5 في المئة، بعد 3 أشهر من التراجع. ويعزى هذا الارتفاع إلى قفزة ترافقت مع تخفيف تدابير العزل بعد الصعوبات التي واجهها المصدرون في الفصل الأول، نتيجة توقف حركة النقل بسبب تدابير العزل.
صعوبة الطلبات
واستأنفت الحركة إلى حد كبير منذئذ، لكن الشركات تواجه صعوبات في تلقي طلبيات في وقت لا تزال أسواقها الرئيسة في أوروبا وأميركا الشمالية، مشلولة بسبب الوباء.
ورأى المحلل راجيف بيسواس من مكتب "أي إتش أس ماركيت" أن الوضع القائم "سيواصل الضغط على الصادرات في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز).
ويضيف لـ(أ ف ب) "لكن يجب أن تنتعش الصادرات خلال الفصل الثاني"، تزامناً مع رفع العزل في أوروبا "وخلال فترة الميلاد"، التي عادة ما ترتفع فيها الطلبيات.
ويبقى الارتفاع على السلع الطبية، التي تعد الصين المزود الرئيس لها، مرتفعاً جداً في الخارج.
وصدّرت الصين إلى العالم 70.6 مليار قناع بين مارس (آذار) ومايو، وفق أرقام كشفت عنها بكين الأحد خلال مؤتمر صحافي للسلطات مخصص للوباء. ويتوقع المحللون في الأثناء أن ينخفض الطلب على هذه السلع مع تحسن الوضع الصحي في العالم.
ولجهة الواردات، فقد انخفضت من جديد في مايو بنسبة 16.7 في المئة، مقارنة مع العام الماضي، مقابل 14.2 في المئة في أبريل. وهذا أسوأ تراجع للواردات تسجله الصين منذ يناير (كانون الثاني) 2016. وهذا التراجع الذي يسجل للشهر الخامس على التوالي، أعلى بكثير مما توقعه محللون لوكالة "بلومبيرغ"، كانوا ينتظرون تسجيل تراجع بنسبة 7.8 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى بيسواس أن ذلك "يشكل انعكاساً لبطء الانتعاش" في الصين، في ما ثاني أكبر اقتصاد في العالم متوقف منذ أواخر يناير بسبب الوباء.
وتعتبر الاقتصادية إيريس بانغ من مصرف "آي أن جي" أن الشركات أيضاً من دون شك خفّضت وارادتها نظراً للغموض المحيط بالطلب.
التراجع في المدن الصينية
وسط هذا التراجع التجاري، تسعى المدن الصينية إلى استحداث تدابير من شأنها رفع الطلب المحلي، فقد أعلنت بكين الأسبوع الماضي منح قسائم شرائية قيمتها 1.6 مليار يورو لدعم القدرة الشرائية للسكان، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة. وكنتيجة طبيعية لتراجع الواردات، ارتفع الفائض التجاري للصين في مايو حتى 62.9 مليار دولار، في حين بلغ 45.3 مليار دولار الشهر الفائت.
كما ارتفع الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة بنسبة 3.7 في المئة، ليبلغ 27.9 مليار دولار في مايو، مقارنة مع العام الماضي.
وارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين في الأشهر الأخيرة على خلفية الوباء وقضايا أخرى. ووسط تضرّر البلدين من الوباء، يشكك اقتصاديون بإمكانيتهما تلبية تعهداتهما التي وافقا عليها في اتفاق تجاري جزئي أبرم في يناير.
وفي خطوة غير مسبوقة، لم تحدّد الصين الشهر الماضي هدفاً للنمو لهذا العام. وبرر رئيس الوزراء الصيني، لي كيكيانغ، ذلك مع افتتاح الدورة السنوية للبرلمان بالقول إن "بلدنا يواجه بعض العوامل التي يصعب التنبؤ بها"، بسبب وباء (كوفيد-19) والظروف العالمية.
وأعلن لي عن تدابير قيمتها 2000 مليار يوان (256 مليار يورو)، مثل رفع عجز الموازنة والاقتراض الحكومي، بهدف دعم سوق العمل. وللمرة الأولى في تاريخه، تراجع الاقتصاد الصيني بنسبة 6.8 في المئة في الفصل الأول بفعل تفشي الفيروس.
تراجع الورادات في مايو
على صعيد متصل، تراجعت الواردات والصادرات الصينية في مايو وسط تباطؤ اقتصادي عالمي سببته القيود المفروضة لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد، وذلك عقب ارتفاع مفاجئ نتيجة الطلب القوي على المعدات الوقائية من الفيروس، وفق ما أظهرت بيانات رسمية نشرت الأحد.
وتعمل الصين على إعادة تنشيط اقتصادها بعد فترة من الشلل، لكن طلب المستهلكين لا يزال منخفضاً، في ما أسواق الصين الخارجية لا تزال تعاني من انتكاسات.
وانخفضت صادرات الصين بنسبة 3.3 في المئة الشهر الماضي بالمقارنة مع العام السابق، لكنها أفضل من تلك التي توقعها استطلاع محللين لوكالة بلومبيرغ، وهي 6.5 في المئة.
غير أن هذا الانخفاض جاء بعد ارتفاع مفاجئ بنسبة 3.5 في المئة في أبريل، كان يعود جزئياً لارتفاع في صادرات المعدات الطبية. وأظهرت بيانات الجمارك التي نشرت الأحد انخفاضاً أكبر من المتوقع للواردات، بالمقارنة مع العام الماضي، بلغت نسبته 16.5 في المئة، في حين توقع المحللون تراجعاً بنسبة 7.8 في المئة. كما أنه أدنى من التراجع بنسبة 14.2 في المئة الذي سجل في أبريل.
وقال جوليان إيفانز بريتشارد من "كابيتال إيكونومكس" في تقرير "ارتفع نمو الصادرات من جديد في مارس وأبريل، رغم تزامنه مع بدء فرض إجراءات الإغلاق في الخارج، وذلك بسبب تراكم الطلبات التي أرسلت قبل إغلاق المصانع الصينية في فبراير (شباط).
لكنه أوضح أن مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس رئيس لتحديد نشاط المصانع، يشير إلى "تراجع عميق في الصادرات لا يزال بصدد التكون" في وقت يبقى النشاط في أسواق الصين الخارجية الرئيسة ضعيفاً.
وتسعى المدن الصينية إلى استحداث تدابير من شأنها رفع الطلب المحلي، فقد أعلنت بكين الأسبوع الماضي منح قسائم شرائية قيمتها 12.2 مليار يوان (1.7 مليار دولار) لدعم الاستهلاك، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة.