Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيرة نجوى قدح الدم مهندسة علاقات إسرائيل بالسودان التي اختطفها كورونا

توفيت بعد إصابتها بالفيروس وفتحت بوابة على الغموض الذي اكتنف حياتها كما محاولة إنقاذها

كانت قدح الدم تعمل في دائرة ضيقة قرب الرئيس موسفني ولا تتمتع فيها بودّ (وسائل التواصل الاجتماعي)

على الرغم من سهولة رؤية الخط الفاصل بين كونها سياسية أو موظفة دبلوماسية تؤدي عملها، إلَّا أن نجوى قدح الدم المستشارة الدبلوماسية للرئيس الأوغندي يوري موسفني، لفتت الأنظار مبكراً بحركتها الدؤوبة بين السودان وأوغندا وإسرائيل، كما أثارت جدلاً مستمراً بلغ ذروته عندما عملت على تنسيق اللقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير (شباط) الماضي.

توفيت نجوى قدح الدم بعد إصابتها بفيروس كورونا وتدهور حالتها الأربعاء 27 مايو (أيار)، وبوفاتها فُتحت بوابة على الأسرار والغموض الذي كان يكتنف حياتها مثلما اكتنف محاولة إنقاذها، وقد نجت من الموت مرتين، الأولى عندما اعترفت لبعض المقربين منها بأنها قد تكون تعرَّضت لمحاولة قتل بالسم، وذلك إثر وعكة ألمَّت بها في أوغندا وتعامل الكل معها على أنها ربما تتوهم ذلك بسبب ما يحيط بأجواء القصر الرئاسي الأوغندي من صراع حول دائرة الرئيس الضيقة، أما الثانية فكانت بعد تأثرها بإصابتها نتيجة حادث سير أودعها أحد مستشفيات الخرطوم لفترة من الزمن كانت تلازمها حراسة أمنية مشددة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مسيرة حياة

ولدت نجوى قدح الدم عام 1966، والدها ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺪﺡ ﺍﻟﺪﻡ، ﺇﻣﺎﻡ ﺟﺎﻣﻊ يحمل اسم الأسرة بحي العباسية في أم درمان، وورث مشيخة قبائل الفلاتة من والده الذي تعود أصوله إلى قبائل الهوسا والفولاني والبرنو في غرب أفريقيا وتُعرف في السودان باسم "الفلاتة"، درست مراحلها التعليمية في مدينة أم درمان، ثم التحقت بجامعة ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، ﻛﻠﻴﺔ الهندسة، ﻗﺴﻢ الهندسة الميكانيكية، وتخرجت فيها عام 1989، ثم عُيّنت ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ تدريس بكلية الهندسة في ﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، وابتُعثت بعد ذلك للدراسات العليا ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ في أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ، وخلال رحلتها العلمية تزوجت أستاذها أحمد نومان، ألماني الجنسية، وأقاما ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻤﺴﺎ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﻤﻞ مع ابنتهما الوحيدة قبل أن تنفصل عنه.

دور وطني أم إرث استخباري؟

تحدثت قدح الدم في حواراتها الصحافية القليلة عن انفعالها بقضايا السودان وبحثها عن دور تخدم به البلد فعلياً، وعلى الرغم من إسهاماتها الحيوية وعملها الطويل في ملفات سودانية وأوغندية، إلَّا أنها كثيراً ما تجرَّعت مرارات تُهم العمالة لأوغندا عندما كانت في خلاف مع السودان، ثم لإسرائيل، وربما استلف العقل السوداني هذه التهم ما علق بسيرة جدها قدح الدم ثم والدها بعد ذلك، ولم يكن اختلاف العصر محصِناً لها من كلّ ذلك.

ومنذ أن بدأت الأنظار تتسلَّط على تحركاتها الأخيرة، نُبشت سيرة جدها الذي كان موالياً للإمام محمد أحمد المهدي، ولكنه لم يكن على وفاقٍ مع خليفته عبد الله التعايشي، وذكر أحد المراجع الموجودة في متحف الحرب الإمبراطورية ببريطانيا التي كتبها ضباط الحرب آنذاك، أنه كان ينقل ما يحدث في مجلس التعايشي إلى ونجت باشا مدير الاستخبارات البريطانية للحملة على السودان ما مهَّد لهزيمة الأنصار في معركة كرري في الثاني من سبتمبر (أيلول) 1898 ودخول جيش هربرت كتشنر أم درمان.

كافأه ونجت باشا عندما صار حاكماً عاماً على السودان بأن عيَّنه ناظر عموم الفلاتة في السودان، كما يُتداول أن والدها في عهد الاستعمار عيَّنه إدوارد عطية رئيس الاستخبارات البريطاني، سكرتيراً لنادي الخريجين لمدة 16 عاماً بغرض كتابة تقارير عن نشاط الحركة الوطنية السودانية.

لقاء موسفني

صادفت قدح الدم الرئيس الأوغندي يوري موسفني في النمسا خلال مؤتمر للأمم المتحدة حول الموارد المائية عقد عام 2002 في فيينا، ثم عند خضوعه للعلاج في النمسا، ظلت تتابع حالته بصورة منتظمة إلى أن شفي، واستمر تواصلها معه إلى ما بعد عودته إلى أوغندا واقترحت عليه أن تأتي مع طاقمه العلاجي لمراجعته، وظلت معهم في قصره مدة ثلاثة أسابيع، وكان يناديها بابنتي، بحسب تصريحها عندما استفسرتها مجلة سودانية عن سرّ العلاقة بينهما، وتوطدت صلتها بأوغندا أكثر بانتقال شركة زوجها للعمل هناك في مجال الطاقة البديلة، ووعدت موسفني بتحويل بلاده إلى جنة، وهو ما لم يحدث بالطبع، ومع أنها انتقلت إلى أفريقيا في إطار مشروع تجاري، إلا أنها سرعان ما أصبحت مستشارة  موسفني فى الشؤون الدبلوماسية.

الربط بين عدوين

في سنوات التمرد الجنوبي على الحكومة في الخرطوم، كان موسفني يدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان بلا حدود، لرؤيته التحررية من جوار العرب وانتقاماً من الحكومة في الخرطوم التي اتهمها بدعم "جيش الرب" المتمرد على نظامه بقيادة الجنرال جوزيف كوني، ولكن تدخلت أميركا في عام 1999 وأشرفت على التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين البلدين، والتي قضت بعدم دعم أي من البلدين للمعارضة المسلحة في البلد الآخر، ثم بعد أن عُقدت قمة الإيقاد بالخرطوم عام 2001 تم تبادل الدبلوماسيين، واتفقا على دعم العلاقات الثنائية بينهما، بعد ذلك، لعبت قدح الدم دوراً بارزاً في تحسين العلاقات بين السودان وأوغندا.

ومن أبرز الملفات التي عملت عليها هي زيارة يوري موسفني إلى الخرطوم في سبتمبر 2015، وملف إطلاق أسرى الجيش السوداني (125) أسيراً في مارس (آذار) 2017، كانوا لدى "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بواسطة الرئيس الأوغندي الذي قام بتسليمهم بدوره إلى حكومة السودان.

وبفضل هذين الملفين، حصلت قدح الدم على ثقة الرئيس السابق عمر البشير الذي كلفها بتنسيق الدور السوداني والأوغندي في تحقيق السلام في جنوب السودان، وبمجرد توقيع الاتفاق، منحها البشير وسام النيلين عام 2018 وحصلت على جواز سفر دبلوماسي سوداني بدرجة سفير للمهام الخاصة، وبعد أن تم إعفاؤها بواسطة لجنة إزالة التمكين، واصلت العمل على ملف العلاقات مع إسرائيل الذي بدأته منذ العهد السابق.

استفهام حول هذه العلاقات

عندما ذكر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أنَّه هنأ رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان بالعيد، لم يذكر بالطبع أنَّه تطرَّق إلى الحالة الصحية للمستشارة نجوى قدح الدم، وكانت إسرائيل قد قرّرت القيام بمحاولة ‏لإنقاذها ونقلها إلى الضفة الغربية بحسب ما كشف عنه تقرير القناة 13 الإسرائيلية، ولكن حال تدهور حالتها دون ذلك، ورُتِّب للطائرة التي تحرَّكت من مطار بن غوريون بتل أبيب إلى الخرطوم أن تكون سرية لولا كشف المسار غير المعتاد للطائرة بتطبيقات تتبع الطائرات على الإنترنت، في ظل انحسار حركة الطيران الدولية بسبب أزمة تفشي كورونا، وأشار التقرير إلى أن الطائرة حملت فريقاً طبياً ومعدات وأدوية بالإضافة إلى مسؤول إسرائيلي لم يُفصح عنه، إلا أن المحامي الإسرائيلي نايك كاوفمان الذي نسق مع قدح الدم في عملية تبادل الرسائل بين نتنياهو والبرهان، صرح إلى القناة بأن "قدح الدم دبلوماسية فذَّة ولولا نشاطها ما كانت هناك علاقات بين إسرائيل والسودان".

الدائرة الجهنمية

كانت قدح الدم تعمل في دائرة ضيقة قرب الرئيس موسفني، ولوحظ أنها لا تتمتع بودّ في هذه الدائرة التي تتكون من ابنه الجنرال موهوزي كاينروجابا الذي عينه كبيراً للمستشارين منذ عام 2017 في خطوة وصفها معارضوه بأنها تتجه نحو توريثه، واتصف الابن بشراسته التي أدت إلى هروب دافيد سيجوز رئيس الاستخبارات الحربية السابق بعد انتقادات وجهها إلى ديكتاتورية موسفني، قبل أن يعود بعفو رئاسي ثم يُعتقل، وتكتمل الدائرة بسالم صالح أخ الرئيس الذي يشغل منصب مستشار رئاسي، وزوجته جانيت موسفني، ورئيس الاستخبارات الأوغندية جوزيف أشوت، وربما يكون رئيس الاستخبارات أكثر من ارتاح لرحيلها، ذلك أنه أثناء لقاءات موسفني مع رؤساء الدول، كان أكثر من يبدو عليه التوتر والامتعاض بسبب تحركات قدح الدم بين الوفود وحرصها على الجلوس خلف الرئيس مباشرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات