Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحياة الشخصية لفريدا كاهلو في معرض متحفها الافتراضي

الرسامة المكسيكية التي تحدت إعاقتها الجسدية وأسست مدرسة تشكيلية جديدة

الرسامة المكسيكية العالمية فريدا كاهلو (موقع الرسامة)

أكثر من ستين عاماً مرت على وفاة الفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كاهلو، ومنذ رحيلها تزايد تأثيرها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت اليوم واحدة من أكثر النساء حضوراً وشهرة في تاريخ الفن الحديث. وقد أفرد مُتحفها في مدينة مكسيكو سيتي أخيراً جانباً من معروضاته عبر شبكة الانترنت، ليتيح للزائرين جولة افتراضية بين محتوياته. بين هذه المعروضات التي يضمها المُتحف خُصص جانب لمتعلقاتها الشخصية التي ظلت خارج إطار العرض المُتحفي منذ رحيلها عام 1954. تحمل هذه المتعلقات الشخصية للفنانة المكسيكية أهمية كبيرة، لكونها تُلقي الضوء على الجانب الشخصي لها، والكيفية التي كانت تتحايل بها على إعاقتها وألمها، وهو جانب قد يكون خافياً على الكثيرين. بالإضافة إلى العشرات من الملابس والحُلي والأغراض الشخصية، بما فيها أدوات الزينة والرسم التي يضمها المُتحف تطالعنا مجموعة أخرى كبيرة ومتنوعة من الأدوات التي استخدمتها فريدا كاهلو للتخفيف من ألمها، من مشدات ودُعامات معدنية وجلدية لساقها وظهرها. يعطينا هذا الجانب من العرض المُتحفي لمحة حقيقية للمعاناة التي كابدتها فريدا كاهلو في حياتها، وتصوراً لمدى الألم الجسدي والنفسي الذي لازمها طوال حياتها. حتى حرصها على اختيار الملابس ذات التنانير الطويلة والذي ميز هيئتها لم يكن يعكس ذوقاً شخصياً بقدر ما كان وسيلة لإخفاء تشوه ساقها على الأرجح.

حين كانت في السادسة من عمرها أُصيبت فريدا بالشلل في ساقها اليمنى، ما أورثها إعاقة ظاهرة في مشيتها. وفي شبابها تعرضت لحادث سيارة أصابها بكسور في عظامها وأثّر على عمودها الفقري ما سبب لها ألماً دائماً. كثير من اللوحات التي رسمتها فريدا كاهلو لوجهها تعود إلى تلك الفترات المتقطعة التي بقيت فيها ملقاة على ظهرها في  الفراش لا تستطيع الحركة، ولا ترى أمامها سوى وجهها منعكساً على المرأة التي وضعتها والدتها قبالتها. وفي السنوات العشر الأخيرة من حياتها تدهورت صحتها كثيراً، إذ بُترت ساقها، واضطرت إلى العيش بدعامات معدنية حول جسدها. وظلت الوقت الأكثر من حياتها طريحة الفراش حتى رحيلها.
 

 

وجه مألوف

يدفعنا هذا العرض الافتراضي إلى تأمل حياة فريدا كاهلو وتجربتها الاستثنائية، وكيف تحولت مع الوقت إلى أيقونة شعبية عالمية على هذا النحو. فمن لا يعرف وجه هذه السيدة ذات الحاجبين الكثيفين المعقودين فوق عينيها كطائر مُحلق؟ هذه السيدة صاحبة الملامح الحادة والنظرة الواثقة. إنه وجه فريدا كاهلو. قد يغيب الاسم عن البعض، لكن وجهها صار مألوفاً وطاغياً إلى حد أنك لا تستطيع تجاهله. ربما تلمح صورتها مرسومة على علبة هدايا أو زجاجة عطر أو قلادة، أو حتى قطعة ملابس. قد تقتحم هيئتها ناظريك بين مواقع الأخبار والصحف. ترى وجهها هنا أو هناك، مرسوماً فوق جدار في مدينة نائية من مدن العالم، أو مطبوعاً فوق ملابس حسناء تتخايل على ممشى عرض للأزياء. حين رحلت فريدا وهي في عمر السابعة والأربعين حزن عليها الوسط الفني في بلدها المكسيك، ونعاها أصدقاؤها ومعارفها. لم يكد وجهها حينها يُعرف خارج نطاق هذه الدائرة من الأصدقاء والمعارف والمهتمين بعالم الفن. لكنها اليوم تُعد رمزاً قومياً في بلدها، وأيقونة شعبية عالمية، تتلقف صورتها أسواق الاستهلاك المادي النهم، مع اهتمام مُتزايد بفنها وحياتها، وهو اهتمام قد يصل أحياناً إلى حد الهوس، أو ما بات يُعرف بـ "فريدامانيا".

كيف احتلت صورة فريدا هذه المكانة البارزة في الذاكرة البصرية الإنسانية؟ قد يذهب البعض إلى أن معاناة فريدا كاهلو كانت عاملاً حاسماً في تأصيل تجربتها وتطورها، فالحياة البائسة والألم الذي كابدته قد فجر طاقة ما لديها، وزادها إصراراً على التحقق. لكنها ليست المعاناة فحسب التي صنعت من فريدا كاهلو أسطورة على هذا النحو، بل طريقتها في التعامل مع هذه المعاناة، وتجاوزها الإحساس بالعجز، وإصرارها على تقديم نفسها كفنانة. ثم تأتي هذه الملابسات الأخرى الكثيرة التي أحاطت بتجربتها وحياتها، كارتباطها بدييغو ريفيرا أحد أكثر الأسماء شُهرة بين فناني أميركا الجنوبية، وكذلك انغماسها في السياسة وعلاقتها تحديداً بليون تروتسكي أحد أهم أقطاب التيار الشيوعي العالمي، والذي فر إلى المكسيك هارباً بعد انشقاقه عن الحزب الشيوعي عقب وفاة لينين، ولم يجد ملجأً له سوى بيت كاهلو وريفيرا كي يقيم فيه لأكثر من عامين قبل اغتياله. كل هذه التفاصيل ساهمت في تنامي أسطورة فريدا كاهلو. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب، إذ تُعد فريدا كاهلو اليوم نموذجاً للنضال والتمرد النسوي نتيجة لحياتها المتناقضة واضطراب هويتها، وتجاوزها للتقاليد التي كانت تتسم بالمحافظة في ذلك الوقت، ثم هوسها الشخصي بالأمومة الذي جسدته في أكثر من لوحة.

أبرز ما يميز لوحات كاهلو أنها تتجاوز هذه الصورة الذاتية التي رسمتها لنفسها، فهي لا ترسم وجهها فحسب، بل تضمنه هذه التأثيرات التي عاصرتها وساهمت في تكوينها. نلمح في لوحات كاهلو مواقف وحالات نفسية وتواريخ، كما نستشعر مخاوفها ولحظات سعادتها. بين أبرز الملامح التي تميز تلك الأعمال أيضاً كان انحيازها إلى تفاصيل الثقافة المكسيكية، كما يبدو في اختياراتها لعناصرها، وتأكيدها على التفاصيل التي تُبرز ملامح الهوية الوطنية. غالباً ما تُرافق صورة كاهلو في عديد من اللوحات حيواناتها التي أحبتها، من قرود وببغاوات وكلاب، بالإضافة إلى العناصر النباتية الاستوائية التي تُميز طبيعة المكسيك. كانت فريدا كاهلو تحاول تصوير الواقع من حولها، لكن ما يدهشك في تصاويرها للواقع حقاً هو أنها دائماً ما كانت تغلفه بأجواء صادمة وغير مألوفة في ذلك الوقت.

المزيد من ثقافة