Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رقصة موريتانية نسائية للتمرد على الواقع

تتبدى "البنجه" للأعين حركات تمتزج مع التصفيق وضرب الدف

تحولت "البنجه" خلال السنوات الأخيرة إلى وسيلة لكسب العيش (اندبندنت عربية)

على وقع زغاريد وتصفيقات صديقاتها، تتمايل الموريتانية خديجة بنت محمود (50 سنة)، وهي تؤدي رقصة "البنجه" الشهيرة الخاصة بالنساء، للتعبير عما يدور في خلجات أنفسهن من فرح وفخر واعتزاز بالانتماء القبلي أو الأسري، أو لإحياء سهرات نسائية خلال المناسبات الاجتماعية والحفلات الفنية.

تروي خديجة في حديث لـ "اندبندنت عربية"، تاريخها مع أداء رقصة "البنجه" النسائية الذي بدأ في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، فكانت تنضم أحياناً لإحدى الفرق الفنية النسائية، وأحياناً أخرى إلى زميلاتها وهن يحيين سهرة نسائية للاحتفال بزواج صديقة أو نجاح أحد أفراد القبيلة في انتخابات محلية أو تكليفه بوظيفة سامية. وإن كان حضور تلك السهرات حصراً على النساء من مختلف الأعمار، ظلت إلى وقت قريب من حظ النساء المتقدمات في السن البارعات في الرقصة التراثية.

وتضيف بنت محمود أن رقصة "البنجه" التقليدية عبارة عن حركات بهلوانية وفولكلورية تتقنها معظم النساء، وتمتزج تلك الحركات مع التصفيق والزغردة وضرب الدف، والغناء المختلف الذي تعود كلماته إلى اللهجة "الحسانية" الموريتانية.

وذلك عبر ترديد أغانٍ وأوزان محلية تشعر معها النسوة بتلاق فريد بين ضرب الدف والتصفيق والزغاريد وأصوات الغناء، بتلك الأشعار الحسانية الخاضعة في بعض الأحيان لضرورات الوزن والقافية المتبعة في الشعر "الحساني" وجماليته وبراعة الموريتانيين في تدبيجه بشكل متقن.

فن التمرد على الواقع

تسابق فاطمة بنت لقظف الزمن في إعداد وجبة العشاء لأبنائها والتجهز للالتحاق برفيقاتها وهن ينوين إحياء سهرة فنية نسائية مغلقة يرقصن فيها "البنجه"، وهذه المرة ليس للتعبير عن الفرح أو الاعتزاز، وإنما للتمرد على الواقع، حيث يعتبر هذا الفن النسائي تعبيراً أيضاً عن التمرد على الحياة المحافظة للمجتمع، حيث تغني النساء وترقصن تعبيراً عن الحب والتعلق بالمحبوب وإطلاق العنان لحناجرهن بأغانٍ ماجنة وعبارات رومانسية.

تقول بنت لقظف لـ "اندبندنت عربية"، إن "البنجه" هي فرصة النساء للتعبير عن حقائق موجودة مثل التظاهر بالحب والشوق للمحبوب الذي يعد التظاهر به من طرف النساء خروجاً عن القيم المجتمعية للموريتانيين.

مهنة لكسب العيش

ترى خديجة بنت محمود أن "البنجه" تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى وسيلة لكسب العيش بالنسبة الى عدد كبير من النساء اللواتي أصبحن يتلقين الدعوات لإحياء سهرات فنية مدفوعة الأجر لصالح ربات الأسرة الغنية.

وتحصل نساء "البنجه" على مبالغ مالية مقابل إحياء سهرات نسائية خاصة أو حضور عرس اجتماعي تؤدين فيه الغناء والرقص على الطريقة التقليدية، ويمتدحن الزوجين وأسرهم من خلال استخدام عبارات التمجيد والمدح والافتخار بالقيم والأخلاق النبيلة، ما يدفع بنساء الأسرتين إلى دفع مبالغ مالية جيدة للفرق النسائية.

فن نسائي

يرى الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد سيد أحمد أن فن "البنجه" هو فن نسائي عرفته موريتانيا منذ ما يزيد على العقد، ويهدف أساساً إلى منح المرأة نوعاً من الحرية الذاتية للتعبير عن أحاسيسها بعيداً من الرجل، في ظل هيمنة التقليد المحافظ الذي يحظر على المرأة الاختلاط والتبرج على الملأ، وإسماع صوتها للجمهور.

ويضيف ولد سيد أحمد لـ "اندبندنت عربية"، أن هذا الفن هو تعبير نسائي عن الفرح والفخر والشوف الحنين، لكنه ما زال يتمتع بنوع من السرية والابتعاد به عن الرجال لأخذ ما يمكن من الحرية في الغناء والرقص والتعبير بكلمات الأغاني عن أحاسيس المرأة الموريتانية.

ويشير الباحث الاجتماعي إلى أن نساء "البنجه" ابتكروا أنواعا جديدة لهذا الفن حيث بدأن استخدامه في الأعراس والمناسبات السياسية، لكنه يظل فناً نسائياً خالصاً لا يحضره الرجال ويترك للنسوة خلال حرية التعبير عما يردنه.

المزيد من منوعات