Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا صفقة القرن

لا يمكن تطبيع أمور غير طبيعية، والحق الفلسطيني يظل راسخاً رغم مرور الزمن، ولن تتماشى دول الجوار مع إجراءات تمس هويتها مقابل دعم مادي

فلسطين تستقبل ترمب بلافتة (مدينة السلام ترحب برجل السلام)، 23 مايو (آيار) 2017. (رويترز)

شهد الشرق الأوسط عبر التاريخ معجزات وكوارث عديدة، وكان مصدر إلهام علمي وفكري وروحاني واسع تجاوز حدوده بعيداً، والمجتمع الدولي عبر القارات والبحار، عندها نسبت إليه قضايا مخيفة، مثل التطرف والإرهاب، رغم أنها قد بدأت عبر التاريخ في مناطق أخرى أولاً.

كانت المنطقة ساحة صراع دولي جيوبوليتيكي خلال الحرب الباردة، وتأثرت إيجابياً وسلبياً باختلاف التوازنات العالمية، حينما انكمش فيها الدور السوفيتي الروسي، قبل أن يسمح التردد الأميركي لروسيا بفرصة استعادة مكانها، والقيام بالدور الأكثر فعالية بخاصة في المشرق العربي.

ويموج الشرق الأوسط بعواصف دولية وإقليمية ووطنية، ومن غرائب وبدائع مرحلتنا الحالية، أن أطول القضايا الإقليمية عمراً وأكثرها عمقاً ورنيناً على المستوى العربي، هي النزاع العربي الإسرائيلي، وبخاصة الشأن الفلسطيني الذي أصبح البعض يعتقد خطأ أنه لم يعد له أهمية كبرى، في ظل تعدد الأزمات والنزاعات الإقليمية.

وتتعامل روسيا مع القضية من باب تسجيل الموقف بالتركيز على المصالحة الفلسطينية، وتركز الحوارات الروسية الإسرائيلية على ضبط إيقاع الساحة السورية، مغفلة قضية إقامة سلام فلسطيني إسرائيلي على أساس دولتين إحداهما فلسطين.

ومن المستحدثات أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب علق سريعاً عقب انتخابه عام 2016 بأنه سيحل أصعب وأطول قضايا الشرق الأوسط، النزاع العربي الإسرائيلي، ثم أدلى بأحاديث متعددة مؤكداً على طرحه "صفقة القرن" بمفاهيم جديدة، وقد امتد الحديث دون توضيح أو تفصيل عبر عام من الزمن وما يزال، وهي صفقة قد تُؤجل مرة أخرى بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في أبريل، نتيجة المساءلات القانونية لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.

من السابق لأوانه التعليق تفصيلاً على "صفقة القرن" الأميركية، لأن تفاصيلها لم تعلن بعد، وظلت طوال شهور طويلة تتغير وتتبلور، وإنما هناك بعض المؤشرات السلبية والمقلقة المحددة، التي تعكس أن الولايات المتحدة قد انحازت بشكل كبير لإسرائيل في عدد من قضايا الحل النهائي، والتي لها حساسية خاصة، ومنها نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، وإغلاق القنصلية الأميركية لدى الجانب الفلسطيني، ووقف إسهامها في وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتجميد المساعدات الأميركية إلى السلطة الفلسطينية، وهي مؤشرات جدّ خطيرة.

وقد يرى البعض أن من السلبيات أيضاً أن الجانب الأميركي طرح التعامل مع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار إقليمي عربي شامل، وأن هناك مؤشرات بأننا سنشهد محاولة لإعطاء حوافز مالية واقتصادية لدول الجوار الإسرائيلي، الأردن ومصر تحديداً، وكذلك الجانب الفلسطيني لتشجيعهم على دعم الاقتراح الأميركي حينما يطرح.

وتقتضي الأمانة أن نقيّم الأفكار والمبادئ المطروحة بجدية وواقعية، فقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 242 عام 1968، والذي يعتبر أساس المفاوضات العربية الإسرائيلية المختلفة، وجميع الاتفاقات المبرمة بينهم، وضع إطارا إقليميا شاملا عندما تحدث عن الانسحاب من كل الأراضي العربية، وحق جميع الدول في العيش في أمن وسلام، رغم أنه لم يتناول حينذاك مفهوم العلاقات الطبيعية التي استحدث فيما بعد.

كما أن مؤتمر السلام العربي الإسرائيلي الذي عقد في مدريد عام 1992 وضع إطارا ثنائيا ومتعدد الأطراف إقليمياً للمفاوضات، بل والأكثر من ذلك أن مبادرة السلام العربية التي صدرت عن القمة العربية ببيروت عام 2002، طرحت أيضاً الحل الشامل في إطار إقليمي، بالحديث عن العلاقات الطبيعية بين العرب وإسرائيل حال انسحابها من كافة الأراضي المحتلة عام 1967.

كما لا أرى أي غضاضة حقيقية أو جديدا في فكرة طرح مساعدات اقتصادية وتنموية في هذا السياق، فسبق أن شهدنا ذلك عقب اتفاقات السلام الإسرائيلية مع كل من مصر والأردن، وقُدم دعم للجانب الفلسطيني عقب التوصل إلى اتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي. إذا ليس هناك جديد في هذه المبادئ، وليست معيبة في حد ذاتها.

وإنما السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو هل تطرح هذه المبادئ في سياق يحقق السلام العربي الإسرائيلي، أم تستهدف فقط حماية إسرائيل ومصالحها، تماشياً مع المواقف التي اتخذتها الإدارة الأميركية حتى الآن.

 وقبل الإطلاع على النصوص التفصيلية لديّ الملاحظات التالية:

أولاً: رغم احتمال وجود بعض المواءمات السياسية اللحظية، لن نشهد علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل دون الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، نظراً لارتباط الوطن العربي بهذه القضية، وأكبر دليل على ذلك الموقف الشعبي الأردني والمصري المتردد في الانفتاح الواسع على إسرائيل في ظل احتلالها الأراضي العربية ورفض إسرائيل للدولة الفلسطينية، رغم مرور عقود من الزمن على اتفاقات السلام المبرمة بينهما، فلا يمكن تطبيع أمور غير طبيعية.

ثانياً: الدعم الاقتصادي مهم، ولكن الحق الفلسطيني الذي ظل مسلوباً منذ عام 1948 يظل راسخاً رغم عواصف ضارية ورغم مرور الزمن، ولن تتماشى دول الجوار مع إجراءات تمس هويتها مقابل دعم مادي. كما أنني أتوقع وأؤيد أن تسهم الدول العربية القادرة بسخاء في بناء السلام الشامل العادل والمعاصر، وإنما لا أطالبها، وأستبعد أن تتحمل خطايا غيرها وتحديداً إسرائيل، أو تتشجع على توفير الدعم المطلوب إذا لم يكن المجتمع الدولي والدول الصناعية المتقدمة أكثر سخاءً.

ثالثاً: سيرفض العالم العربي والإسلامي، بل المجتمع الدولي، أي صفقة تفرض السيادة الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والخياران المتاحان هما القدس الشرقية لفلسطين بما فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية، والغربية لإسرائيل، مع وضع ترتيبات بين الدولتين تمَكن شعوب العالم من ممارسة شعائرهم الدينية بسلاسة وحرية، أو العودة لقرار الأمم المتحدة رقم 194، والذي خص المنطقة الدينية للقدس بترتيبات دولية من دون إعطاء سيادة لأي من إسرائيل أو فلسطين عليها بالتحديد، مع وجودها في مناطق مجاورة في النطاق الجغرافي للمدينة.

رابعاً: لا توجد حلول توفر الاستقرار بالمنطقة لصالح إسرائيل على حساب الحق الوطني العربي، فإما التماشي مع حل الدولتين، إحدهما فلسطين والأخرى إسرائيل، بما يحافظ على هويتهما الوطنية، أو تأجيل الحل كله والوقوع في مستنقع حل الدولة الواحدة في كافة الأراضي الفلسطينية، تندمج فيها الهوية الفلسطينية والإسرائيلية.

مجرد ملاحظات ومحاذير، أما التعقيب فبعد قراءة النص وإعلان تفاصيله، لكي نحدد هل نحن على طريق تفاوض شامل، أم نشغل بالنا ببعض الفرقعات والتصريحات التي تنتهي حتماً إلى لا صفقة القرن.

المزيد من آراء