لا أحد يستطيع أن يشكك في أن جائحة كورونا دمرت القدرة المالية لكثير من شركات الطيران من خلال الإغلاقات القسرية والانهيار العام للسفر الجوي.
لكن ثمة خلافاً كبيراً حول ما يجب أن تكون عليه استجابة الحكومات لمحنة هذه الشركات.
ويناشد ريتشارد برانسون الخزانة البريطانية علناً أن تقدم قرضاً عاماً ضخماً لـخطوط "فيرجين أتلانتيك".
لكن كثراً – لا سيما رئيس "ريان إير" مايكل أوليري – يعترضون بالقول إن الملياردير يجب أن يستخدم أمواله الخاصة للحفاظ على استمرارية شركة الطيران، بدلاً من السعي إلى الحصول على أموال عامة.
ومن جهة أخرى، يهدد أوليري باللجوء إلى إجراءات قانونية حول الإجراءات التي تنفذها حكومات أوروبية لدعم شركات النقل الجوي الوطنية في بلدانها، قائلاً إن هذا الدعم العام يهدد بتقويض المنافسة العادلة.
وتتلقى شركات الطيران الأميركية 25 مليار دولار من الحكومة الأميركية. لكن محللين كثراً يشتكون من أن هذا الإنقاذ يكافئ إدارات المؤسسات التي تهورت مالياً قبل اندلاع الأزمة.
ويؤيد البعض إخضاع هذه الشركات لإدارة خبراء في الإعسار، وأن تشرع صناعة شركات الطيران في عملية دمج طال انتظارها.
أي من الجانبين على حق؟ لكن ما مدى قوة الحجج الاقتصادية لصالح الإنقاذ العام لشركات الطيران الخاصة في سياق كوفيد-19؟ وما هي هذه الحجج؟
تتمثل الحجة الأساسية هنا في أن شركات الطيران هذه تعرضت إلى كارثة لم يكن بوسعها في الواقع أن تعد العدة لها مالياً.
كذلك أدت الإجراءات الحكومية، في هيئة حظر السفر والحجر، إلى القضاء في شكل مباشر على عوائد القطاع بضربة واحدة.
لذلك من حق شركات الطيران، مثلها في ذلك كمثل الملايين من الشركات الأخرى، المطالبة بدعم مالي عام يساعدها في عبور حالة الطوارئ هذه.
وعلاوة على ذلك، تؤدي شركات الطيران، بوصفها شركات نقل، دوراً حيوياً في تيسير الأنشطة الاقتصادية الأوسع، لذلك فإن للحكومات مصلحة خاصة في ضمان بقائها لأن الحاجة ستدعو إليها لتيسير التعافي في نهاية المطاف.
لكن ماذا لو كانت شركات الطيران تُدَار في شكل سيئ؟
من بين الشكاوى الأبرز في الولايات المتحدة تحديداً أن المسؤولين التنفيذيين في شركات الطيران أنفقوا تدفقاتها النقدية الحرة في السنوات السابقة على إعادة شراء أسهمها (وهي صفقات تعزز أسعار أسهم الشركات، وكذلك، في العادة، أجور المسؤولين التنفيذيين)، ما هدد بكشفها مالياً في حال حدوث انكماش كبير في العوائد. بالتالي يكافئ إنقاذها الآن السلوك المتهور للمسؤولين التنفيذيين.
وفي الواقع، أنفقت صناعة الطيران في الولايات المتحدة مجتمعة مبلغاً ضخماً يساوي 50 مليار دولار على إعادة شراء أسهمها على مدى العقد الماضي، ويساوي هذا المبلغ كل تدفقاتها النقدية الحرة تقريباً. وهذه الأموال كانت ستسعفها تماماً الآن.
لكن المسؤولين التنفيذيين عن شركات الطيران لم يكونوا وحدهم في هذا. فإعادة شراء الأسهم كانت سمة شائعة في شكل محبط في المشهد الخاص بالشركات في العقد الماضي. ويثير حجب الدعم عن قطاع يرى البعض أن شركاته تصرفت في شكل غير مسؤول السؤال الصعب: لماذا لا يُحجَب الدعم أيضاً عن قطاعات أخرى أساءت شركاتها السلوك؟
وثمة حجة ذات صلة مفادها بأن شركات الطيران هذه كانت ضعيفة مالياً إلى حد يجعل إطالة أمد حياتها مصطنعة. فقد تكبدت "فيرجين أتلانتيك"، مثلاً، خسائر طوال العامين الماضيين.
لكن مرة أخرى يستطيع المرء التأكيد على هذه النقطة ليس فقط في ما يتصل بشركات الطيران بل أيضاً في مختلف قطاعات القطاع الخاص. فالمسؤولون يفتقرون بوضوح إلى الوقت أو القدرة اللازمين لتفحص كل شركة في شكل منهجي بغرض تحديد احتمالات تمكنها من البقاء أو عدمه في غياب جائحة كوفيد-19، وبطبيعة الحال، لا نستطيع أن نضمن توصل المسؤولين إلى الإجابات الصحيحة.
وتبدو الحجة القائلة أن الأعمال التي يدعمها شخص ثري مثل ريتشارد برانسون لا تستوفي شروط تلقي أموال عامة حجة مقنعة ظاهرياً. لكن مرة أخرى، قد يكون بوسع المرء أن يعقد مقارنة بعدد لا يُحصَى من الشركات الأخرى التي تتلقى الأموال العامة في هذه الأزمة.
وإذا كان هذا الركود أقرب إلى كارثة طبيعية وليس إلى انقلاب منتظم في دورة الأعمال، ثمة حجة قوية لصالح عملية إنقاذ شاملة وليس واحدة تسعى إلى التمييز بين الشركات الجيدة والسيئة أو الشركات التي يديرها أخيار وأشرار. ويصح هذا المنطق أيضاً في شركات الطيران.
ماذا عن المنافسة؟
لا شك في أن الطيران العالمي يعاني من فرط مزمن في القدرات، وهذا أحد الأسباب التي تجعل عدداً كبيراً من شركات الطيران تميل إلى عدم الاستقرار المالي.
وقد يكون مايكل أوليري محقاً حين قال إن إنقاذ شركات الطيران الوطنية الضعيفة من شأنه أن يسيء إلى شركات أكثر نجاحاً مثل "ريان إير".
بيد أن المنافسة ليست أكثر من حجة مفرطة الدقة. فعلى الرغم من أن عدداً من المسارات الجوية تشهد منافسة مفرطة مقارنة بغيرها، يكون الخطر ضئيلاً للغاية، مثلاً، إذا أفلس المنافس الوحيد القابل للاستمرار.
وبعض المسارات ليست مربحة جداً لكنها قيمة اجتماعياً. فـ"لوغانير" تخدم مطارات إسكتلندية بعيدة وتطالب بإنقاذ حكومي بريطاني.
ما هو الضرر الفعلي الذي قد ينجم عن ترك شركات الطيران تفشل؟
يرى البعض مغالطة مركزية في الحجج المؤيدة للإنقاذ، أو على وجه التحديد في الفكرة القائلة بتوقف شركة للطيران عن العمل تلقائياً حين تفشل.
تشتهَر شركات الطيران الأميركية بطلب الحماية من الدائنين بسبب الإفلاس، فتُمحَى ديونها، ثم تبدأ عملياتها مرة أخرى من دون ديون.
فلماذا لا نفعل الشيء نفسه هذه المرة، بدلاً من حماية المطالبات الخاصة بحاملي الأسهم والدائنين وحماية وظائف المسؤولين التنفيذيين؟
لقد رفضت الحكومة الأسترالية إنقاذ "فيرجين أستراليا"، وخضعت الشركة طوعاً لإدارة خبراء في الإعسار هذا الأسبوع. لكن يُقَال إن شركات تدرس بالفعل شراء أصولها.
فحيز الهبوط الخاصة بشركات الطيران في المطارات المزدحمة هي بعض من أصولها الأكثر قيمة التي يُرجَّح شراؤها بسرعة. وأشار ريتشارد برانسون، عرضاً، إلى هذه النقطة في عام 2009 عندما كان يجادل ضد إنقاذ شركات الطيران.
لكن على الرغم من أن مرور شركة طيران بمسار إدارة الخبراء في الإعسار والإفلاس في الأوقات العادية لا يعني بالضرورة اختفاء الشركة (والأهم من ذلك خدماتها)، سيأخذ واضعو السياسات جانب الحذر عن حق إزاء هذه الفرضية إذا مرت شركات طيران متعددة بهذا المسار في وقت واحد – وسيأخذون كذلك جانب الحيطة إزاء الفرضية القائلة إن السوق الحرة ستتصرف على نحو سلس كما يُؤمَل.
لكن هل يختلف الأمر هذه المرة؟
إذا نظرنا إلى الأمر باعتباره خياراً منفرداً في مجال السياسات، ثمة كثير من الأسباب الاقتصادية الصالحة للاعتراض على إنقاذ شركات الطيران.
لكن في سياق صدمة عامة عالمية وغير مسبوقة للقطاع الخاص، يستطيع المرء أن يفهم لماذا يسطّر العديد من الساسة الشيكات للشركات – ومن الصعب أن نجزم بكل ثقة بأنهم مخطئون في ذلك
© The Independent