Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين بين كماشة الخسائر وترضية العالم الغاضب من تداعيات كورونا

الأوروبيون سيدفعون فاتورة المساعدات سياسيا واقتصاديا وأميركا ستجبر بكين على فتح أبواب التعويضات

عندما بدأ كل شيء بدا وكأنه عام سيء للغاية بالنسبة للصين. في تايوان، كان فوز المرشح المؤيد للاستقلال ضد رغبات بكين، وكانت الاحتجاجات في هونغ كونغ تتصاعد، ومن ثمّ كانت ببساطة لا تتراجع بسرعة كافية. ويبدو أن العقوبات الأميركية والحواجز التي وضعت أمام عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي مؤلمة، والأسئلة غير السارة حول أقلية الأويغور في منطقة الحكم الذاتي في شينجيانغ كانت مزعجة، على أقل تقدير. في غضون ذلك، كانت الصين تبني بلا كلل مبادرة الحزام والطريق، المعروفة أيضاً باسم "طريق الحرير الجديد"، مما يمنح الدول البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها. الصين واجهت كل ذلك من دون طرح العالم الكثير من الأسئلة حول كيف قادت الصين تلك الملفات وبأي استراتيجية؟

ثم ظهر فيروس كورونا، رسمياً، بسوق الحيوانات البرية المحلية في ووهان، لكن العالم لا يزال غير متأكد مما حدث بالفعل. وردت الصين بتجاهل الأوبئة وإنكارها. لكنها كانت مجرد بداية. حصلت الصين على قبضة سريعة، وبدأت بفرض تدابير قاسية في جميع أنحاء البلاد، بخاصة في مقاطعة هوبي ومدينة ووهان، بعدما انتشر الوباء في باقي المدن الصينية، ومنه إلى دول العالم الأخرى مُتفشياً كالنار في الهشيم.

الصين خاسرة

السؤال الذي لا يزال يراوح مكانه، هل الصين خاسرة أم رابحة من وباء كورونا باعتبار أن الوباء وُلد في حجرها، المجادلون بأن الصين خسرت مثلما خسرت دول العالم الأخرى من تداعيات فيروس كورونا، يرون أن الوباء تسبب في أسوا أزمة تشهدها الصين منذ 60 عاماً مع وصول انكماش الناتج المحلي الإجمالي لها إلى 10 في المئة في الربع الأول من العام، لتسجل بذلك عجزاً تجارياً قدره  7.09 مليار دولار أميركي في  أول شهرين من العام، وتخالف توقعات السوق بفائض قدره 24.6 مليار دولار.

وجادل هؤلاء بتراجع الصادرات الصينية بنحو 6.6 في المئة مارس (آذار) الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وبأن الطلب على الصادرات الصينية يتعرض لضربة في أميركا وأوروبا حيث لا يزال الحجر المنزلي قائماً، ولا تزال الشركات والمصانع الغربية ومراكز التسوق والمطاعم والمتاجر مغلقة.

من جانبه قال محيي الدين ماشوجن، المتخصص في الشؤون العربية والصينية، لـ"اندبندنت عربية"، "إن الوباء كارثة عالمية وبالتالي لا توجد دولة يمكن أن تستفيد من كارثة، الأهم الآن هو من يسابق للخروج من الأزمة الحاصلة والنهوض مجدداً"، وفسر العدد الصغير لضحايا كورونا في الصين مقارنة بالولايات المتحدة، بوضع الحكومة الصينية صحة الشعب في قمة أولوياتها والتزام الشعب الصيني  بأوامر وتوجيهات حكومته. وأضاف أن النظام الشيوعي في الصين نظام قوي وحازم يحترمه وينصت له الشعب الصيني، لذلك عندما طلب منهم الجلوس في منازلهم فعلوا ذلك مباشرة.

وأوضح محيي الدين، أن الصين عرضت خبراتها ومساعدتها على العالم، وقال إن أميركا ودول أوروبا انتقدوا الصين في بداية تفشي كورونا، وقالوا إن النظام الشيوعي في الصين أجبر الصينيين على الجلوس في منازلهم، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، كان أول من قلل من مخاطر المرض ووصفه بالإنفلونزا التقليدية. كانوا يضحكون على الصين، واليوم يبكون بعدما ذاقوا ويلات الوباء.  

وعن تحقيق الصين لأموال طائلة من بيعها أجهزة ومعدات طبية وكمامات قال محيي الدين، أولاً الولايات المتحدة منعت تصدير الكمامات والمواد الطبية للصين في بداية تفشي كورونا، ولكن عند سيطرة  الصين على الوباء أصبح لديها خبرة في التعامل معه، وقدرة إنتاجية على تصنيع الأجهزة والمعدات طبية اللازمة، التي تصدرها اليوم للعالم لمساعدة شعوبه.

من جانب آخر وصف محيي الدين الحديث عن شراء الصين لشركات تكنولوجيا غربية متعثرة بسبب تداعيات كورونا بـ"الكلام السلبي العاري من الصحة"، قائلاً، "العالم مفتوح في ظل نظام العولمة القائم والشركات الصينية تحاول الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

  وفيما يتعلق بالحديث عن توجه ولاية ميسوري الأميركية لمقاضاة الصين وصف محيي الدين تلك التوجهات بالاستعمارية، وفكرة الضعفاء، "كورونا أثبت وجود فجوة هائلة في النظام الصحي الغربي، ورأينا فشل الحكومات الغربية في التعامل مع أفواج هائلة من المصابين بالوباء في بلدانهم. لم يقفوا عند هذا الحد، ولكنهم قللوا أيضاً من احترام منظمة دولية وهي منظمة الصحة العالمية وشككوا في مصداقيتها واتهمومها بالتواطؤ مع الصين في ما يتعلق  بتوقيت تفشي كورونا. كل هذه الاتهامات أكاذيب وللأسف وسائل التواصل الاجتماعي الغربية غذتها. الخاسرون من الأزمة الراهنة هم الشعوب وليست الحكومات. الغرب هو من يصنع  نظريات المؤامرة وهي لعبة سياسية، عليهم التركيز على مساعدة شعوبهم في خضم أزمة كورونا بدلاً من توجيه الاتهامات للصين التي تقدم لهم يد المساعدة".

الصين رابحة

ولكن ماذا عمن يجادلون بأن الصين خرجت رابحة من أزمة كورونا، فلو تحدثنا عن الخسائر البشرية حيث تعداد سكان الصين مليار و200 مليون نسمة، سنجد أن كورونا تسبب في 84  ألف إصابة وأقل من 5 آلاف حالة وفاة، وبالتالي تبقى الخسائر البشرية للصين ضئيلة، إذا ما قورنت بإحصاءات الإصابة والوفيات في دولة مثل الولايات المتحدة، التي سُجل فيها 890 ألف إصابة وما يزيد على 50 ألف حالة وفاة، أو إيطاليا مثلاً التي سجلت 19 ألف إصابة وأكثر من 25 ألف وفاة، أو  إسبانيا التي سُجل فيها أكثر من 213 ألف إصابة وأكثر من 22 ألف وفاة، والمملكة المتحدة، التي سجلت ما يزيد على 138 ألف إصابة و18 ألف حالة وفاة بحسب وولد ميترز، وكذلك الحال في دول مثل فرنسا وألمانيا ودول أخرى في العالم تجاوزت الصين في أعداد الضحايا من المصابين والوفيات.

ويجادلون أيضاً بأنه مع تزايد أعداد المصابين بوباء كوفيد-19 في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا حيث كشف الوباء عن فجوة كبيرة في الأنظمة الصحية لتلك الدول وعن حقيقة عدم جاهزيتها في التعاون مع الأوبئة مقارنة بتلك العسكرية، أصبحت تلك الدول بحاجة ماسة للمعدات الصحية بدءاً من الكمامات والملابس الواقية وصولاً إلى أجهزة التنفس الصناعي في ظل السيل الهائل غير المتوقع في أعداد المصابين بالوباء. المنقذ بطبيعة الحال كانت الصين التي خرجت من الأزمة بأعجوبة وفي وقت قياسي، بتدابير صارمة للغاية، ثم عرضت مساعدتها على العالم.

أعادت الصين تشغيل مصانعها وبدأت في بيع المعدات الطبية للعالم، وخصصت عدداً محدوداً من المصانع الحكومية لإنتاج تللك المعدات، واشترطت حصول هذه المصانع على موافقة منها للإنتاج لتمسك هي بخيوط الإنتاج وبالأسعار، التي شهدت ارتفاعات الأسبوع الماضي.

 التشديد الصيني دعا متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إلى الكشف عن أن الولايات المتحدة طلبت من الصين مراجعة قواعد مراقبة جودة الصادرات الجديدة للمعدات الوقائية اللازمة خلال  تفشي كورونا حتى لا تشكل عقبة أمام الإمدادات في الوقت المناسب. في وقت شددت الأخيرة القيود على صادرات الأقنعة وغيرها من معدات الحماية الشخصية يوم الجمعة الماضي، داعية إلى إخضاع شحنات المواد لتفتيش جمركي إلزامي.

وبحسب السفارة الصينية في واشنطن، فقد صدرت الصين  أكثر من 74 مليون قناع N95 وأكثر من 1.4 مليار قناع جراحي، وأنواع أخرى من الأقنعة إلى الولايات المتحدة بين 1 مارس (آذار) و15 أبريل (نيسان) الحالي، إلى جانب الإمدادات الطبية الأخرى.

ولكن ماذا عن تراجع النمو الاقتصادي للصين، يجادل هؤلاء بأن الحكومة الصينية سعت خلال السنوات القليلة الماضية إلى كبح النمو السريع لاقتصادها لجعله نمواً مستقراً ثابتاً بما يخدم العملة الصينية (الرنميبي)، أضف إلى ذلك فإن معدل التضخم في الصين شهد بفضل كورونا انخفاضاً إلى 4.3 في المئة في مارس 2020 من 5.2 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، وتراجع أيضاً تضخم أسعار الغذاء إلى 18.3 في المئة من أعلى مستوى له في 12 شهراً عند 21.9 في المئة في فبراير، كما انخفض التضخم غير الغذائي إلى 0.7 في المئة إلى 0.9 في المئة.

ويجادل هؤلاء بتداعيات كورونا على أسواق المال، بنظرة سريعة يمكن رصد الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها أسواق المال في العالم بسبب تداعيات الوباء فعلى سبيل المثال "الاثنين الأسود"، الذي يوصف بأنه أسوأ يوم للأسواق العالمية منذ أن ضربت الأزمة المالية العالمية العالم في 2007 و2008  حيث تعرضت الأسهم في مؤشرات البورصة الرئيسة بالولايات المتحدة لهبوط حاد في مستهل عمليات التداول، وهو ما دفع الجهات التنظيمية إلى وقف التعامل لحوالي 15 دقيقة.

ولكن ماذا عن الصين، مع انهيار شركات تكنولوجيا غربية بسبب الهبوط الحاد الذي شهدته أسواق المال في العالم بفعل تداعيات كورونا، شكلت تلك الأزمة فرصة كبيرة للصين للاستحواذ على تلك الشركات شبه المنهارة بأسعار زهيدة عملاً بمقولة "الأزمة تخلق الفرص".

وعن الخسائر التي مُنيت بها الشركات والمصانع الصينية، فبحسب تشن غوبين، وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، فإن حوالي 60 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد استأنفت عملياتها، كما عادت 95 في المئة من الشركات الكبيرة  لمزاولة أنشطتها بعد حصولها على الدعم اللازم، بما في ذلك الشركات القائمة في مقاطعة هوبي قلب الوباء.

وأظهر مسح صيني شمل 275 مؤسسة صغيرة ومتوسطة الحجم في مقاطعة  قوانغدونغ، تضمن 176 شركة صناعية و89 شركة خدمات، أن 60 في المئة من تلك الشركات كانت بالفعل على وشك الانهيار ولديها ديون عميقة ليأتي كورونا ويحسن من وضع تلك الشركات ويكون المنقذ لها.

سواء رجحت كفة الداعمين لرؤية خسارة الصين كغيرها من دول العالم بسبب تداعيات الوباء أو كفة الداعمين لرؤية فوز الصين بعد أن خرجت من براثن الوباء بأقل الخسائر الممكنة، فإن الثابت للعيان بأن الصين رفعت بذكاء شعار، "الصين أول من يساعد".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد