Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عطاء الطلاب في الفنون الإبداعية يفوق المكافآت المالية، وعلينا ألّا ننظر إليهم على أنهم عبء

يتوقع أن يثير تقرير صادر عن معهد الدراسات المالية مناقشات حول قيمة التعليم الجامعي، ولكن تجنّب رد انفعالي هو أمر حيوي

العاملون في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية غير الربحية يقدّمون العون والمساعدة لأولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى ذلك، إنهم هم من يدافعون عن حقوقنا، في الوقت الذي عجز آخرون (رويترز)

نحن نسير في منحى خطير، يساوي بين قيمة التعليم الجامعي وبين ما يمكن للخريج أن يحققه من عائدات بعد التخرج. لماذا؟

بسبب نهج الحكومات المتعاقبة في سعيها إلى إصلاح التعليم العالي، وربطه بمتطلبات السوق، أدى ذلك إلى زيادة في المنافسة، والتي تحولت في بعض الأحيان إلى هدف في حد ذاته، أي المنافسة من أجل المنافسة، والتركيز على المال عوضاً عن القيمة في حد ذاتها، والاستخفاف بإسهام العلوم الإنسانية والاجتماعية في حياتنا العامة.

وقال وزير الجامعات كريس سكيد مور أخيراً "نجاحنا في المستقبل مرهون بترابط كل هذه الفروع المعرفية وتشابكها". وكان الوزير يقصد العلوم الاجتماعية والعلوم والفنون والعلوم الإنسانية.

وبالاستماع إلى واضعي السياسات ورجال السياسة، فإن المرء قد يكون معذوراً إذا حسِب أن البلاد تحتاج إلى خرّيجي الفرع العلمي، العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فحسب. بالتأكيد نحن في حاجة إلى مزيد من الأطباء والممرضات والمهندسين وعلماء متخصّصين في الكومبيوتر. فلا أحد يمكن أن يجادل في هذا، لكن اليومَ وأكثرَ من أي وقت مضى، تحتاج بريطانيا إلى اقتصاد ومجتمع يكون للناس فيهما خيارات متعددة لاكتساب المهارات والخبرات.

وينبغي علينا أن نشجّع الحراك الاجتماعي، كما علينا أن نشجّع وندعم كذلك تطلعات أولئك الذين هم أقلّ ثراء، وليس أن نعاقبهم بأن نجعل الحصول على الشهادات في العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية باهظ الثمن ويفوق طاقتهم.

وتمثّل الوظائف في الاقتصاد الإبداعي واحدة من بين 11 وظيفة في المملكة المتحدة، وتوظف نحو 700.000 موظف، أي أكثر من العاملين في قطاع الخدمات المالية. وبالمقدار ذاته من الأهمية فإن هذه التخصّصات تمثّل جزءاً من نسيج مجتمعنا وتسهم إيجاباً في مختلف جوانب حياتنا.

غالباً ما يكون مصمّمو الأزياء، ومخرجو الأفلام السينمائية العاملون في المتحف ودور العرض قبلة الأنظار في العالم. في وقت سابق من هذا الشهر، أحرزت بريطانيا مكانة الأمة الرائدة في مجال الإبداع عالمياً، عندما حلّت كلّ من الكلية الملكية للفنون وجامعة لندن للعلوم في المرتبتين الأولى والثانية على التوالي في الترتيب العالمي للجامعات المتخصّصة في الفن والتصميم، والذي نشرته مؤسسة "كيوأس" للتصنيف الشامل.

ويعرض الطلاب من خريجي هاتين الجامعتين مواهبهم في مختلف أرجاء العالم، كما أنهم يرفعون اسم بريطانيا في كل القارات.

وأين سنكون نحن من دون أولئك الذين يساعدوننا في فهم العالم ومعرفته؟ أولئك الذين يعملون بلا كللٍ في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية غير الربحية، ويقدّمون العون والمساعدة لأولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى ذلك. إنهم هم من يدافعون عن حقوقنا، في الوقت الذي عجز آخرون.

وفي وقت تقدم نتائج تقرير معهد الدراسات المالية البريطاني إسهاماً مهماً في النقاش حول قيمة التعليم الجامعي وضروراته، فإنه مهمٌ جداً ألا يكون ردنا انفعالياً وألّا نعتبر أن الشهادات في مجالات الفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية، لا تسهم في شكل كاف في المجتمع. وبعيداً من هذا، تظهر بيانات اتحاد النشاطات الإبداعية، أن حجم القطاعات الإبداعية في المملكة المتحدة بلغ نحو 101.5 مليار جنيه إسترليني في العام 2017.

وعليه فإن الاعتماد على الربح كعاملٍ وحيدٍ لتقييم الإسهام هو مقاربة خطيرة، قد تخفق في التعرف على هذه التأثيرات الإيجابية الكبيرة لهذه التخصّصات في ثقافتنا ومجتمعنا.

ويدرك الوزير كريس سكيدمور، الذي يدرس التاريخ، أهمية الأبحاث والدراسات المتعددة التخصّصات. وقد اختار الأكاديمية الملكية لفنون المسرح (حيث قام كلٌ من غليندا جاكسون وريتشارد إتينبورو بتطوير هذ التخصّص) كي تكون المكان الذي ألقى فيه أول خطاب له في شأن التعليم العالي. وباختياره هذا فإنه كان يهدف إلى تسليط الضوء على الأفكار المضلّلة التي نحملها عن مفهوم القيمة بالنسبة إلى المال في سياق التعليم العالي في الجامعات.

وأضاف الوزير "النتائج الناجحة والجيدة للطلاب والخرّيجين تتعلّق بما هو أكبر من الراتب الشهري. وإذا كان علينا أن نعرّف القيمة بمفاهيم اقتصادية بحتة، تستند إلى مستوى الأجور والضرائب، فإننا نخاطر بإغفال الإسهامات الحيوية للشهادات ذات القيمة الاجتماعية، مثل التمريض والرعاية الاجتماعية، ناهيك عن إغفال الفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وهي التخصّصات التي تجعل حياتنا بالفعل تُستحق أن نعيشها".

وقد اعترفت الحكومة بذلك في مقاربتها للإستراتيجية الصناعية، وفي استثماراتها في صندوق الأبحاث الخاصة بالتحدّيات العالمية. ونحن ندرك أن التحدّيات العالمية لا يمكن أن يجد لها العلماء والمهندسون حلاً بمفردهم، فالتعاون هو مفتاح النجاح. وسيكون العلماء في حاجة إلى المصمّمين من أجل تجسيد تلك الحلول، والعلماء في المجالات الاجتماعية من أجل فهم الحالة البشرية، وكذلك الفنانين الذين هم مصدر إلهامٍ لنا، كي نغيّر منحى سلوكنا من خلال صورهم أو كلماتهم أو موسيقاهم.

وبغضّ النظر عن المسار الذي يختاره الطلاب سواء كان ذلك في مجال الفنون أو العلوم، فإن الفرصَ يجب ألّا تحول دونها مقاربةٌ تتعلق بالجانب المالي فقط، والتي تستند إلى العوائد وليس إلى ما نجنيه من مكاسب أوسع من ذهاب أولئك الطلاب الى الجامعة.

© The Independent

المزيد من آراء