في وقت سابق من الشهر الحالي، وبعيداً تماماً من كل نفحات السخرية، أعلنت شركة التبغ البريطانية الأميركية "بريتيش أميركان توباكو" أنها تحقق تقدماً في بحثها لتطوير لقاح ضد فيروس "كوفيد 19".
إذا نجحت تلك الخطوة، فقد تنقذ أرواح عديد من عملاء الشركة الذين يمكنهم فيما بعد مواصلة قتل أنفسهم بالتدخين.
ويشكّل تطوير اللقاح في وقت يشهد أزمة دولية، الصورة التي تريد صناعة التبغ أن تصدّرها إلى الجمهور الآن، بمعنى أنها شركة تجارية تؤثر تفضيل الناس على الأرباح. لا شيء يمكن أن يكون أبعد من ذلك عن الحقيقة، وفق ما كشفته تحقيقات "منظمة الصحة العالمية" عن نشاطات تنهض بها تلك الصناعة في الكواليس. إذ أفادت المنظمة أن لوبي التبغ يمارس ضغوطاً على الحكومات خلال أزمة وباء كورونا كي تصنف باعة التبغ بالتجزئة ضمن قائمة "الأساسيات"، بل عرض "لوبي التبغ" توصيل السجائر ومنتجات التبغ الأخرى إلى الأشخاص الذين يعيشون في الحجر الصحي.
لكن، توجد مشكلة مع التبغ. إذ تقتل تلك الصناعة 8 ملايين شخص سنوياً عالمياً. ومع نجاح الدول الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة، في الحد بشكل متزايد من معدلات التدخين بين عامة السكان، نقلت تلك الصناعة تركيزها إلى دول العالم النامي لتكون بديلاً ممن تخسرهم من الزبائن بسبب إقلاعهم عن التدخين أو الوفاة.
تعتقد صناعة التبغ، في نظرة أبعد ما تكون عن اعتبار وباء فيروس كورونا مشكلة، أنه فرصة لإرساء علاقات مع صُنّاع السياسة الرئيسين في أنحاء المعمورة كافة. وقد طوّرت أكبر شركة تبغ في الهند صندوقاً لتمويل الطوارئ يعمل على تسهيل التعاون مع صناع القرار على مستوى المقاطعات. يشكّل بناء تلك الروابط والعلاقات أمراً طبيعياً وضرورياً بالنسبة إلى كل عمل تجاري. في المقابل، بالنسبة إلى صناعة التبغ، لا يقتصر تأثير هذا النوع من النشاط على مجرد تعزيز سمعتها في المسؤولية الاجتماعية، بل يمنحها القدرة على الوصول المباشر إلى المسؤولين عن البيئة التشريعية التي تعمل فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يتصف التفاعل بين صناعة التبغ والحكومات في البلدان النامية، بكونه تعاملاً بين متساويين. إذ تحتاج صناعة التبغ إلى اجتذاب الشباب بينما يموت عملاؤها الأكبر سناً، بصورة مبكرة في الغالب. وعلى الرغم من التشريعات الصارمة المتعلقة بتسويق السجائر في عدد من البلدان، تستخدم الصناعة تكتيكات تهدف إلى جذب الشباب وضمان وصولهم من دون قيود إلى منتجات التبغ. في البيرو، تُباع السجائر المفردة المنكّهة بالتوت أو الليمون أو العنب، قرب المدارس. وفي إندونيسيا، توضع إعلانات التبغ بشكل استراتيجي بجوار المدارس. وكذلك يعمد ممثلو شركات التبغ إلى توزيع سجائر ومواد ترويجية مجانية مصممة لكي تكون جذابة بالنسبة إلى الأطفال.
ثمة تكتيك آخر تستخدمه صناعة التبغ، عبر تاريخها وخلال هذا الوباء، يتمثل في خلق الشك والحيرة. فعندما تُظهر البيانات التي صدرت في مرحلة مبكرة، عدم تطابق بين نسبة المدخنين الذين يصابون بهذا الفيروس بالمقارنة مع غير المدخنين، تُطرَحْ اقتراحات مفادها أن النيكوتين يعطي نوعاً من الحماية ضد الفيروس. حتى إذا تبين أن ذلك صحيح في ما بعد (لا يمكننا معرفة ذلك حتى الآن، فمن السابق لأوانه الحصول على نتائج بحثية واضحة)، فإنه يصرف الانتباه بشكل مناسب (لصناعة التبغ) عن ارتفاع خطر الموت الذي يواجهه المدخنون عندما يصابون بفيروس كورونا.
وتذكيراً، يؤثر التدخين في وظائف الجهاز التنفسي، ويصبح من يدخن فترة طويلة من الزمن، معرضاً بشكل أكبر لخطر الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن، ما يشكّل حالة رئوية لا يمكن علاجها. وكذلك يعتبر التمتع بوظائف رئوية مثالية أمراً بالغ الأهمية عند الإصابة بهذا الفيروس، إذ ترسم الخط الفاصل بين البقاء على قيد الحياة والموت. وقد كررت "منظمة الصحة العالمية" تلك النقطة وأوضحتها تجنّباً لكل التباس.
وعالمياً، لا تتمتع منظمات الصحة العامة كـ"هيئة الصحة العامة في إنجلترا" بالمملكة المتحدة، بتمويل جيد، وكذلك لا يمكن مقارنته مع الموارد الضخمة لصناعة التبغ. ليست المعركة متفاوتة من الناحية الاقتصادية فحسب، بل إنها غير متكافئة أخلاقياً وسلوكياً. تخيلوا الفارق الذي يمكن إحداثه في صحة السكان إذا عملت تجارة التبغ على توظيف الطاقة والموارد نفسها التي تستخدمها حالياً في تشجيع التدخين، لمصلحة التقليل من تلك العادة. بدلاً من ذلك، يُنفَقُ كثير من الوقت والمال على كيفية التحايل على التشريعات أو التلاعب بالسياسة لصالح صناعة التبغ.
لقد سلّطت أزمة كورونا الضوء على أعمال تحمل تفكيراً اجتماعياً حقيقياً من جهة، وممارسات مفلسة أخلاقيّاً من الناحية الأخرى.
وكخلاصة، إن اعتبار صناعة التبغ وباء كورونا فرصة للنمو يمثّل ريادة حقيقية في انحراف الشركات.
* إيان هاملتون، محاضر في قسم العلوم الصحية بـ"جامعة يورك".
© The Independent