Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العزلة قد تستمر سنوات" برأي المرضى المزمنين

دأب عدد كبير من الناس على التعبير علانية عن معاناتهم الصعبة والتوتر بسبب احتجازهم في المنازل وسلب الحكومة استقلاليتهم الذاتية

التباعد الاجتماعي يبدو كأنجع السبل لتفادي الإصابة بكورونا ولكن ماذا عن العزلة وآثارها النفسية؟ (غيتي) 

تكره هولي كلارك إبنة الـ22 ربيعاً، فيلم "عطلة فيريس بويلر"Ferris Bueller’s Day Off، لأنه يُذكرها بنفسها وبالمدرسة الثانوية التي تغيبت عنها مُرغمة بعدما أقعدها في الفراش "التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضلات" الذي أُصيبت به متأثرة بالتهاب السحايا عند الأطفال. "تجسد كل ما أردتُه أثناء تلك الفترة في الخروج من المنزل، والذهاب إلى المدرسة، وعيش حياة طبيعية"، بحسب كلارك.

وتعيش كلارك في "مانشستر". ولا تخرج من المنزل إلا لتُرافق أسرتها إلى السوبرماركت. وبصريح العبارة، يعني ذك أنها قد تُمضي شهوراً طويلة بين أربعة جدران تُقاوم أعراض المرض (غثيان وتعب شديد، وآلام عضلات، وقلة نوم وأوجاع رأس). "كان لا بد أن أجد الفرح في التفاصيل البسيطة، كالأغاني وأزهار النرجس البري على حافة شرفتي، ورسائل الأصدقاء (لأنني) كنتُ في عزلة لا أُريدها، فيما بقية العالم يعيش حياته بشكل طبيعي".

وبحسب جمعية "آكشِن فور أم إي" Action For ME، ثمة 250 ألف بريطاني تقريباً يُعانون "التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضلات"، و28 مليوناً آخرين يعيشون أوجاعاً مزمنة عامة و15 مليوناً (حوالى 23 في المئة من مجمل السكان) يُعانون حالة مرضية مزمنة واحدة على الأقل. ولا يعني ذلك بالطبع أن كل هذه الأعداد مضطرة لملازمة منازلها، لكن نسبةً كبيرة منها تختبر أعراضاً تُصعب خروجها من المنزل أحياناً أو تُقوض قدرتها على عيش حياةٍ اجتماعيةٍ ناشطة والالتزام المُسبق بمخططات من الأنواع كافة.

لكن منذ 23 مارس (آذار)، تاريخ إعلان بوريس جونسون الإقفال التام بسبب تفشي فيروس كورونا (المزمع تمديده حتى 7 مايو (أيار) على الأقل)، دأب عدد كبير من الناس على التعبير علانية عن معاناتهم الصعبة والتوتر بسبب احتجازهم في المنازل وسلب الحكومة استقلاليتهم الذاتية وحريتهم في التنقل. وعلى الرغم من تفهم ردود فعل هؤلاء في ظل الجائحة المستجدة عالمياً وارتفاع معدل الوفيات الناتجة منها، وجد بعض مَنْ يُعانون أمراضاً مزمنة أن ردود الفعل هذه لا تنم سوى عن تهميشٍ كبير للمأساة التي يعيشونها والمعوقون.

"أهلاً وسهلاً! هذا هو واقع "الحياة الطبيعية" بالنسبة إلى عديد من الناس"، يروي جوزيف بوست (26 سنة) من "لايسيستر" لـصحيفة "اندبندنت". منذ الإقفال التام وبوست متضايق من أصدقائه الذين اعتادوا غالباً ألا يبالوا بإحباطاته. "في كل مرة حاولتُ فيها إخبارهم عن شعوري القاسي بالوحدة، كانوا يقولون لي إنهم يغارون مني لأنني أُشاهد "نيتفليكس" فيما يقبعون في مكاتبهم أو أماكن عملهم". وحاضراً، باتوا يشتكون من "انتهاك حقوقهم الإنسانية" بسبب عدم قدرتهم على أخذ حمام شمس في المنتزهات".

ويُضيف بوست، "الواضح أنني لا أجد متعةً في الوضع الحالي الذي يفرضه انتشار فيروس كورونا، لكنني آمل من الناس أن يتذكروا عندما تعود الأمور "إلى مجاريها"، أولئك المُجبرين على عيش ذلك النمط من الحياة [العزل المنزلي] في شكل دائم".

وتخبرنا تامسيون مارتن (30 سنة) التي اختبرت تجربة المكوث في المنزل أربعة أشهر متتالية، أنها عاشت معظم السنوات الخمس الماضية طريحة الفراش داخل ملحق شُيد خصيصاً لها في حديقة والديها في "كورنوول".

وتُعاني مارتن من مرض يسمى "متلازمة تنشيط الخلايا الصارية"، ويتسم بزيادة فائقة في نشاط خلايا المناعة وتلك التي تفرز مواد كيماوية تسبب الحساسية. ويؤدي ذلك إلى معاناة المريض إرهاقاً وآلاماً مزمنة، مع نوبات من الحساسية المفرطة. وكذلك يُمكن للحر والبرد والروائح والمجهود الجسدي والضغط النفسي وبعض أنواع الطعام وغبار طلع الأزهار (كما في حالة مارتن)، أن تُحفز ظهور هذه الأعراض. وإلى جانب تلك المتلازمة المرضية، تُعاني مارتن الأمرين جراء إصابتها بـ"إحمرار الأطراف المؤلم" (الذي يتسبب بألمٍ حارقٍ في أنحاء الجسم يمكنه أن يُصعب عليها النوم والمشي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أعيش معظم أيام حياتي بعيداً عن الناس"، تروي مارتن، "إذ تفرض حالتي الصحية علي أن أعيش في بيئةٍ غير مثيرة للحساسية ومزودة بثلاثة أنظمة مختلفة لتنقية الهواء. تعمل واحدة منها على جلب الهواء من الخارج وتنقيته، مع ضرورة إبقاء النوافذ مقفلة منعاً لدخول غبار الطلع أو الدخان وسواها من الملوثات التي يمكن أن تُصيبني بنوبة حساسية شديدة. وفي ما يتعلق بغذائي ودوائي، فيتكفل بهما والدي ويقعان على عاتقهما".

وإبان فصل الصيف، تُمضي مارتن أيامها داخل غرفتها المظلمة بمنأى عن الحرارة المرتفعة والضوء، اللذين يمكن أن يُسببا لها الحساسية أيضاً. "في الشتاء، أخرج من المنزل أكثر من ذلك [الصيف] قليلاً، فأذهب إلى الشاطئ، إذ يُمكنني أن أتنفس هواء البحر بأمان ومن دون قناع، لكنني أتعب بسهولة وسرعان ما أعود إلى المنزل". تُمضي مارتن وقتها في القراءة والتواصل عبر الإنترنت ومشاهدة الأفلام واستكشاف العالم عبر فيديوهات "يوتيوب".

"بعد انتهاء هذا الوضع الاستثنائي، ستعود الحياة إلى "طبيعتها" مجدداً وستكون العزلة الاجتماعية مجرد كابوس وانتهى بالنسبة إلى كثيرين. لكن بالنسبة إلى عديد منا، العزلة لن تتوقف وستستمر لأشهر أو حتى سنوات إضافية. أتمنى أن تتكون لدى المجتمع العام بعض الرؤية في خصوصنا"، تُوضح مارتن.

وفي ما يتعلق بفيفيان غرين (38 سنة) من بلدة "لينليتجو" الاسكتلندية، فقد عانت وتُعاني اضطراباً مزمناً يتسم بالوقوع في النوم في غير الأوقات الاعتيادية المعروفة عموماً. برأيها، "إن فترة الإقفال القسرية هذه تجعل الآخرين يشعرون بالإحباط والإنزعاج الناجمين عن عدم القدرة على فعل ما يريدونه أو ضرورة تحقيق الشعور بالرضا في حياةٍ محدودة بشكلٍ أكبر".

في سياق مماثل، تأتي حالة كيرستي هامبسون (30 سنة) من بلدة "سومرست". وفي 2017، شُخصت إصابتها بـ"بطانة الرحم المهاجرة" التي تصفها هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" بأنها ظاهرة نمو أنسجة مشابهة لبطانة الرحم في أماكن خارج الرحم كالمبيضين، مع تسببها بآلام مزمنة وإرهاق وأعراض أخرى. وتؤكد أيضاً أن ما اختبرته أكثرية الناس حتى الآن ليس سوى نقطة في بحر ما يختبره المصابون بأمراضٍ مزمنة.

 

"أسمع عديداً من الناس يشتكون من صعوبة المكوث في المنزل وعدم مخالطة أصدقائهم وأفراد أسرتهم، لكن بالنسبة إلى المعوقين والمرضى المزمنين أمثالي، يشكل ذلك صورة الحياة اليومية". وتشرح هامبسون، "نعم هذا صحيح. نحن نمضي أياماً طويلة في السرير غير قادرين على الحركة، ونشعر بالتعب والإرهاق بعد 10 ساعات من النوم، الأمر الذي أجبرنا ويُجبرنا على إغفال لقاء الأحبة والأصدقاء، والمشاركة في المناسبات المميزة".

وتُردف هامبسون التي اضُطرت في 2018 إلى التخلي عن عملها في رياض الأطفال تحت ثقل المرض، أن المكوث في المنزل [بسبب كورونا] أصعب بكثير على المرضى ممن لا يستطيعون الخروج حتى للتنزه أو ممارسة التمارين (أمران لا تزال تسمح بهما الحكومة، إلى جانب شراء الأطعمة والأدوية أو حرية التنقل للعمال الأساسيين).

"ما زلتُ أشعر بأن الناس لا يُدركون حقيقة الوضع وما يعنيه للمرضى والمعوقين. إذ ما زالوا قادرين على الخروج من منازلهم لممارسة التمارين اليومية. وصحيح أنهم قد لا يشعرون أحياناً برغبةٍ في بذل مجهود بدني، لكن يبقى لهم حرية الاختيار، على عكس وضعي أنا وكثيرين أمثالي".

وتتابع هامبسون حديثها، مشيرة إلى إنه سيأتي يومٌ تُرفع فيه إجراءات الإقفال المفروضة على الناس بسبب فيروس كورونا، وهذا اليوم آتٍ لا محال وإن لم يتحدد بعد. لكن إجراءات الإقفال قد تطول لدى الفئات المريضة لتتحول من مؤقتة إلى دائمة. "فكروا في أولئك الذين يعانون من هذا النوع من التوتر والوحدة كل يوم وكل لحظة من سنوات حياتهم"، وفق كلماتها.

في نفسٍ مُشابه، تشير جين ويلسون (41 سنة) من غلاسكو إلى أن الأصحاء الذين يلزمون بيوتهم ويُطبقون إجراءات العزل الذاتي، لا يرزحون تحت ثقل المضاعفات التي يُمكن أن تتأتى من الأعباء النفسية والتأثيرات العاطفية للمرض.

وقد علمنا من ويلسون أنها مصابة بـ"داء كرون" (= التهاب مزمن في الأمعاء، يترافق مع اضطراب في جهاز المناعة). وفي أسوأ أيامها، تفتقر ويلسون للقدرة على الاستحمام، وتعجز عن حمل إبريق الشاي، وتتنقل من غرفة النوم إلى المرحاض متكئةً على عكازتين. وبسبب تناولها المستمر للأدوية المُثبطة للمناعة، عليها أن تحذر من كل شخصٍ تُخالطه وتتجنب الاحتكاك بمرضى ومتعافين حديثاً على السواء.

"من الصعب أن تُمضي يومك وحيداً في المنزل. عندما تكون مريضاً وعالقاً بين أربعة جدران فيما الجميع مشغول بحياته ونفسه، من السهل ألا تعود موجوداً بنظر أحد إلا المعتنين بك. لكني اكتشفتُ خلال الأيام القليلة الماضية وفي ظل الإقفال التام، أن كثراً من أصدقائي باتوا يُقدرون صعوبة الحياة التي أعيشها"، تؤكد ويلسون.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها المصابون بآلامٍ مزمنة لدى محاولتهم حث المجتمع العام على التجاوب معهم والشعور بحالهم، يأمل كثر منهم بأن يتسبب الإقفال التام المفروض حالياً في زيادة التعاطف تجاههم. وفي هذا الخصوص، تذكر ويلسون، "وعدني أصدقائي بالتواصل معي بشكلٍ أفضل متى أصابتني نوبة جديدة. في كثيرٍ من النواحي، كلنا يتعلم التعاطف".

وبطريقة مشابهة، تأمل مارتن بأن يؤدي الوضع الحالي إلى تحسين أمور المعوقين والمرضى المزمنين، بعد أن تسنى للجميع من دون استثناء اختبار الحياة التي يُقاسونها. "أتمنى أن يُسهم الوضع المستجد في إحداث تغييرات جذرية في حياتنا، نحن المُجبرون على تمضية أوقاتنا داخل المنزل، بمعنى أنه قد يُساعد آخرين على تفهم ظروفنا كي تتغير الطريقة التي يُعاملنا بها المجتمع والحكومة والطواقم الطبية"، على حد تعبير مارتن.

ومع بدء الدول الأوروبية على غرار ألمانيا والدنمارك برفع قيود التباعد الاجتماعي عن مواطنيها وإعادة فتح أسواقها ومدارسها، يُتوقع لبريطانيا أن تحذو حذوها في الأشهر المقبلة.

وسواء أحصل هذا الأمر على جناح السرعة أو على مراحل، نحن متأكدون أن هناك نور أمل لنا جميعاً في آخر نفق الإقفال التام. وثمة ذرة عزاء أيضاً للأشخاص الذين يعانون حالات مرضية مزمنة تُقعدهم في منازلهم معظم أيام حياتهم، لما سيلمسونه من تعاطف الآخرين معهم، حتى لو بمقدار بسيط.

© The Independent

المزيد من تقارير