Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكاظمي خصم إيران وملاذها الأخير في العراق

الصحافي الذي عمل رئيساً للاستخبارات بدرجة وزير خارجية

رئيس الوزراء العراقي المكلف ملقياً خطابه الأول في 10 أبريل الحالي (مكتب الكاظمي)

لا ينتمي رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي إلى الطبقة السياسية التي أدارت البلاد منذ عام 2003، لكنه ليس غريباً عنها.

ربما يكون هذا التوصيف محيراً نوعاً ما، لكنه واقعي بالنسبة إلى الذين يعرفون الكواليس جيداً.
 

معارض لصدام
 

كان الكاظمي من الشخصيات السياسية التي هربت من العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي، عندما صعّد نظام الرئيس السابق صدام حسين ضغوطه على حزب الدعوة الإسلامية، لمنعه من استخدام الحرب مع إيران كغطاء لتنفيذ عمليات عسكرية في الداخل.

لم يكن الكاظمي جزءاً من كوادر حزب الدعوة في أي لحظة من تاريخه، لكنه حتماً كان معارضاً لصدام.

ذهب الكاظمي إلى إيران ثم أوروبا، وتواصل مع معظم خطوط المعارضة العربية والكردية النشطة آنذاك، لكنه لم يرتبط بأي منها. وبقي الوضع على ما هو عليه إلى حين أطاحت الولايات المتحدة نظام صدام.
 

أرشيف الأجهزة الأمنية

لم يظهر اسم الكاظمي مع الشخصيات التي تصدت باكراً لشغل الفراغ الذي خلّفه سقوط نظام صدام في عام 2003، بل ظهر في مكان آخر. وبينما اتجه أحمد الچلبي وإياد علاوي ومسعود بارزاني وجلال طالباني وعدنان الباچه چي ومحسن عبد الحميد إلى تشكيل مجلس الحكم وحكومة انتقالية وكتابة الدستور وتنظيم الانتخابات، تفرغ الكاظمي لملاحقة أرشيف الأجهزة الأمنية العراقية في حقبة البعث، مستخرجاً منه عشرات الروايات الصادمة عن مستويات الترويع التي تورط فيها النظام مع معارضيه وكل مصادر تهديده.

بالتوازي، قاد الكاظمي جهوداً بحثية لتعزيز مبدأ الحوار بين الشركاء في العراق بدلاً من العنف، وترأس مؤسسة متخصصة في هذا المجال، وألّف كتاباً عنه.

صحافي وكاتب

خلال الأعوام التالية، ظهر اسم الكاظمي في أكثر من مشروع إعلامي، حقق معظمها انتشاراً سريعاً، وكتب مقالات في السياسة والأمن والاقتصاد وطبقات المجتمع، حتى عام 2014، عندما تسلم حيدر العبادي رئاسة الوزراء.

لم يكن تحول الكاظمي إلى العمل السياسي أو الحكومي أمراً صعباً، فمعظم مَن يعرفونه يدرون أنه مطلوب من قبل أحزاب عدة وحكومات متعاقبة، لكنه رفض مراراً أن ينخرط في أي منها، لكنه وجد في العبادي ما لم يجده في التجارب التي تراكمت بعد عام 2003.

في بادئ الأمر، شغل وظائف صغيرة في حكومة العبادي، وتنقل بين مواقع على صلة بالقطاع القانوني الحكومي، قبل أن ينتقل مطلع عام 2016 إلى جهاز الاستخبارات، حيث شغل منصب أمين السر لأشهر، ثم منصب نائب الرئيس لأشهر أخرى، وأخيراً أصبح رئيساً للجهاز.


تجربة الاستخبارات
 

أثار صعود الكاظمي إلى هذا الموقع أسئلة كثيرة، فالرجل بلا خلفية أمنية، لكن النتائج التي تحققت عقب ذلك، أجابت عن بعض الاستفهامات.

ويقول مطلعون على كواليس الحقبة بين عامَي 2016 و2018، إن الكاظمي عمل في الاستخبارات على ثلاثة اتجاهات، يتعلق الأول بتركيبة الجهاز الداخلية وتماسكه وحصانته أمام الاختراقات، والثاني يرتبط بالعمليات النوعية التي ينفذها ونقلها إلى مستويات متقدمة من خلال الشراكة والتنسيق مع الأجهزة النشطة في المنطقة، والثالث دبلوماسي صرف، يخص تعزيز علاقات العراق بدول مهمة.

وزير خارجية غير معلن

ربما نجح الكاظمي في الاتجاهَين الأول والثاني نسبياً، لكن نجاحه في الاتجاه الثالث قد يكون ساحقاً، إذ يُنسب إليه فضل نقل علاقات العراق بالسعودية، على سبيل المثال، من منطقة البرود والتحفظ في حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى حقبة الانفتاح والتقارب الشديد في حقبة العبادي.

ويقول مطلعون إن سياسة الكاظمي في السنتين الأخيرتين من ولاية العبادي كانت واضحة جداً، وتتمثل بمنع النفوذ الإيراني الواسع من التأثير في ملف العلاقات الخارجية للعراق، لاسيما مع السعودية، حتى أنه بات يوصف بأنه "رئيس جهاز استخبارات بدرجة وزير خارجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خليفة العبادي

لم يكن طرح اسم الكاظمي لخلافة العبادي في عام 2018 صدفة، إذ بات واضحاً أن الدولة العراقية يجب أن تتجه إلى تعزيز علاقاتها بالجميع من منطلق الحرص على مصالحها، بدلاً من الاستسلام للرؤية الإيرانية الانعزالية.

وعندما تولى عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة بعد العبادي في عام 2018، كانت العلاقات العراقية - السعودية قطعت شوطاً كبيراً من التطور الإيجابي، لكنها سرعان ما انكفأت، إذ إن رئيس الوزراء الجديد لم يبد الحماسة الكافية لاستمرارها، بعدما وضع الإيرانيون أيديهم على كل مراكز القوة في حكومته.

ضغوط إيرانية

يقول سياسيون عراقيون إن الكاظمي كاد يخسر موقعه كرئيس لجهاز الاستخبارات مراراً خلال حقبة عبد المهدي بسبب الضغوط الإيرانية الهائلة، لكن شبكة علاقاته الداخلية والخارجية، شكلت صداً واقياً.

انفجر الوضع بين الكاظمي والإيرانيين علناً في مطلع العام الحالي، عندما اتُهم بالمشاركة في التخطيط لعملية قتل الجنرال البارز في الحرس الثوري قاسم سليماني ومعاونه العراقي أبو مهدي المهندس، القائد الميداني لقوات الحشد الشعبي.

قُتل سليماني والمهندس في غارة أميركية قرب مطار بغداد في يناير (كانون الثاني) 2020، واتهم جهاز الاستخبارات العراقي بتقديم معلومات عن تحركاتهما للولايات المتحدة.

شكّل ذلك مؤشراً كافياً إلى أن أيام الكاظمي في منصبه وربما في الواجهة، باتت معدودة، لكنه برهن على عناد فريد.

احتجاجات أكتوبر

منذ استقالة حكومة عبد المهدي على وقع الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2019، واستمرت لأشهر، تكرر طرح اسم الكاظمي مرات عدة لقيادة حكومة جديدة، لكن اعتراضات إيران والمليشيات العراقية الموالية لها، عرقلت الأمر.

وعندما انهارت أسعار النفط بسبب حرب المنتجين أخيراً، بالتزامن مع جائحة كورونا التي عطلت العالم كله، كان واضحاً أن العراق بحاجة إلى قائد يمتلك دراية مميزة في ملف العلاقات الخارجية، إذ إن التعويل على دعم العواصم الصديقة، قد يكون البوابة الوحيدة لنجاة بغداد.

أزمة عميقة في العراق

لم يكن تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة العراقية صادماً، لكنه يقدم دليلاً على عمق الأزمة التي تعيشها بغداد، لدرجة ترضخ فيها طهران وحلفاؤها بذهاب السلطة إلى خصم من هذا النوع.

ليس واضحاً بعد ما إذا كان الإيرانيون سيسمحون للبرلمان العراقي بتمرير حكومة الكاظمي، لكن المؤكد هو أن عراقيين كثراً يؤمنون بضرورة انفتاح بلادهم على العالم والخروج من عنق الزجاجة الإيرانية.

المزيد من العالم العربي