Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تراجعت إصابات كورونا بآسيا واستمرت في أوروبا وأميركا؟

الحكومات الغربية تأخرت في إغلاق حركة السفر وإجراء الاختبارات الطبية وتايوان نموذج يحتذى

تساؤلات عديدة يخلّفها يوماً تلو الآخر الواقع الذي فرضه علينا فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، من بينها سرعة انتشار الوباء خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، وتجاوز عدد الضحايا من مصابين وقتلى بالولايات المتحدة وأوروبا العدد في الصين، كما يبقى السؤال الأهم إلى متى سيواصل الفيروس الانتشار؟

في البداية استغرق الأمر 67 يوماً منذ إعلان الصين رسمياً أول حالة في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي، للوصول إلى 100 ألف حالة إصابة، و11 يوماً لثاني 100 ألف، وأربعة أيام فقط لتسجيل ثالث 100 ألف حالة، وحتى الأول من أبريل (نيسان) الحالي، بلغ إجمالي حالات الإصابة بالفيروس المستجد نحو مليون إصابة عالميا، بإجمالي عدد وفيات نحو 48 ألفاً، ما يعني أنه خلال نحو 10 أسابيع منذ إعلان الصين رسمياً أول حالة سجّل العالم مليون إصابة، في حين استغرق الأمر الأسبوعين الأولين فقط من أبريل الحالي لتسجيل المليون الثاني، وهو ما يحتاج إلى تفسير، لا سيما في ظل إجراءات الإغلاق التي تتخذها نحو ثلث دول العالم وتعطيل حركة الطيران دولياً.

أوروبا حوّلت الوباء إلى جائحة عالمية
لتفسير الانتشار الواسع والمتسارع للمرض خارج حدود الصين بل قارة آسيا، يجب النظر إلى الدور المُحتمل الذي لعبته أوروبا في تحويل الوباء إلى جائحة عالمية. وإذا كان العالم يلوم الصين تأخّرها في إعلان أو محاولة إخفاء انتشار فيروس تنفسي قاتل على أراضيها، فإن حكومات أوروبا والولايات المتحدة يتحمّلون لوم التأخر في إغلاق حركة السفر وعدم إجراء الاختبارات الطبية.

وأغلقت إيطاليا صالة واحدة من مطار ميلانو الرئيس في 16 مارس (آذار)، عندما كانت منطقة لومباردي شمالي البلاد تحتوي بالفعل على نحو 4 آلاف حالة، وبالمثل واصلت لندن وباريس وبرلين ومدريد فتح مطاراتها الرئيسة، على الرغم من استمرار انتشار الفيروس. فحتى 17 مارس، كانت حدود الاتحاد الأوروبي مفتوحة للسفر من أنحاء العالم، حتى صوّت القادة الأوروبيون على إغلاق حدودهم لجميع الزائرين من خارج الكتلة مدة 30 يوماً على الأقل.

أمّا الولايات المتحدة، ففي حين أعلنت الإدارة الأميركية، في 31 يناير (كانون الأول)، تعليق الدخول إلى الأراضي الأميركية لأي شخص أجنبي زار الصين خلال الأسبوعين الأخيرين من يناير، ولم تتخذ قراراً مماثلاً حيال المسافرين من أوروبا سوى في 11 مارس.

وإذ كانت أوروبا تحوّلت إلى نقطة قلق بالفعل منذ أواخر فبراير (شباط). فبحلول 28 فبراير سجّلت إيطاليا أعلى نسبة إصابة في أوروبا، وأعلنت فرنسا أولى حالات الوفاة بالمرض لديها، ورجّح ظهور حالات إصابة بالفيروس المستجد في 14 دولة أخرى، بما في ذلك أيرلندا الشمالية، كما كان لدى ألمانيا ما يقرب من 60 حالة حتى 27 فبراير، وأبلغت فرنسا عن 57 حالة، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الذي كان عليه فقط يوم 25 من الشهر نفسه. وسجّلت إنجلترا وسويسرا حالات إضافية، وأبلغت روسيا البيضاء وإستونيا وليتوانيا عن أول إصابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمر لا يتوقف عند تأخر إغلاق الحدود، بل يشمل إجراء الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا المستجد على مستوى واسع. فواحدة من الانتقادات التي وجّهت إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو التقليل من خطورة وسرعة انتشار الفيروس. تجذّر المرض أولاً في ولايتي واشنطن وكاليفورنيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة، بينما تقاعست الحكومة عن تتبع انتشاره نتيجة لبطء إجراء الاختبار.

وفي تعليقات سابقة، قال جابور كيلين، مدير طب الطوارئ في جامعة جونز هوبكنز، "لو كان بإمكاننا إجراء تتبع الاتصال، لوجدنا كثيراً من الحالات بسرعة، وأغلقنا النقاط الساخنة".

نيويورك باعتبارها المركز المالي، فضلاً عن حركة السياحة والسفر النشطة في الولاية المكتظة بالسكان، فإنها الأكثر تضرراً، تليها نيوجيرسي المجاورة، ثم ولايات واشنطن وكاليفورنيا وميشيغان وإلينوي. وحسب توماس تساي، الجرّاح العام وأستاذ السياسة الصحية في جامعة هارفارد، فإنّ الولايات المتحدة "ليست وحدة واحدة"، فكل ولاية من الولايات الخمسين "يختلف ردّ فعل إدارتها وإدارات الصحة العامة لديها".

وشهدت الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين انفجاراً في عدد الوفيات، وبلغ إجمالي عدد الإصابات في الولايات المتحدة نحو 646 ألف إصابة، وتتصدر الوفيات عالمياً أيضاً بأكثر من 29 ألف وفاة، تليها إيطاليا في أعداد الوفيات بأكثر بـ22 ألف شخص، ثم إسبانيا مسجلة أكثر من 19 ألف وفاة، وفرنسا أكثر من 17 ألفاً، وهو ما توقعه ديفيد فيزمان، عالم الأوبئة بجامعة تورنتو، في مطلع الشهر الحالي، معللاً ذلك بأنّ الحالات المصابة "تستغرق وقتاً حتى تتدهور حالتها، وتصل إلى الوفاة".

كما توقع متخصصو الصحة في كلية الطب بجامعة واشنطن، أن تبلغ ذروة تفشي المرض في منتصف أبريل (نيسان) مع أكثر من 80 ألف حالة وفاة، بناءً على الاتجاهات التي تكشّفت منذ أواخر مارس الماضي. وتوقع نموذج أعدّ مسبقاً حدوث 38 ألف حالة وفاة في الطرف الأدنى، و162 ألف حالة وفاة في الطرف الأعلى. وعلى سبيل المقارنة، قتلت الأنفلونزا والالتهاب الرئوي 34 ألف شخص في موسم الأنفلونزا 2018 - 2019.

إجراءات صارمة
وعلى الجانب الآخر، سارعت الصين وجيرانها الآسيويون، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان، باتخاذ إجراءات صارمة. ففي 23 يناير، أغلقت السلطات الصينية مدينة ووهان بإلغاء الطائرات والقطارات التي تغادر المدينة، وتعليق الحافلات وقطارات الأنفاق ومنعت الدخول أو الخروج منها.

وخلال الأسابيع الماضية، سلّطت العديد من وسائل الإعلام الأميركية الضوء على تايوان نموذجاً ناجحاً في مكافحة المرض، يستوجب الاستفادة منه. خلال تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (السارس) عام 2003 كانت تايوان من بين المناطق الأكثر تضرراً، إلى جانب هونغ كونغ وجنوب الصين. ووقتها عُزِل أكثر من 150.000 شخص في الجزيرة الواقعة على بعد (110 ميلاً) قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للصين، وتوفي 181 شخصاً.

وحسب متخصصي الصحة، فإنّ التجربة السابقة ساعدت كثيراً من أجزاء المنطقة على الاستجابة بشكل أسرع لتفشي الفيروس التاجي المستجد والتعامل مع الخطر بجدية أكبر من أجزاء أخرى من العالم، سواء على المستوى الحكومي أو المجتمعي، مع تقييد الحدود وارتداء أقنعة الوجه سريعاً في وقت مبكر في يناير.

ووفقاً لتقرير حديث نشرته مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)، تتمتع تايوان بنظام رعاية صحية عالمي المستوى، لديه تغطية شاملة، ومع بدء ظهور أخبار عن ظهور فيروس جديد في ووهان، تحرك سريعاً المسؤولون في مركز القيادة الصحية الوطنية التايواني (NHCC)، الذي أنشئ في أعقاب انتشار السارس، للاستجابة للتهديد المحتمل. وأجريت هذه التحركات بينما كانت الدول الأخرى لا تزال تناقش ما إذا كان يجب اتخاذ إجراءات.

وقال جيسون وانغ، مؤلف مشارك في التقرير، وهو طبيب تايواني وأستاذ مشارك في طب الأطفال بجامعة ستانفورد، في بيان في مطلع أبريل، "أنتجت تايوان ونفذت بسرعة قائمة تضم 124 عنصر عمل على الأقل في الأسابيع الخمسة الماضية لحماية الصحة العامة. السياسات والإجراءات تتجاوز مراقبة الحدود، لأنهم أدركوا أنّ ذلك لم يكن كافياً".

اليونان، وهي دولة أوروبية، لكنها مثال قوي على أهمية سرعة التحرك في مكافحة الأوبئة، إذ تحركت الحكومة اليونانية سريعاً منذ مطلع مارس، نحو غلق المدارس وإلغاء المهرجانات التي كانت مقررة، وإغلاق المطاعم والأماكن العامة وقطاع الأعمال، فضلاً عن إنشاء غرفة عمليات تضم 26 عالماً، وهو ما ساعد على السيطرة سريعاً على انتشار المرض، على النقيض من جيرانها الأوروبيين.

ومع إدراك الحكومات حول العالم هذا الدرس القاسي، يظل السؤال حائراً بشأن السيطرة الكاملة على الفيروس عالمياً، بينما يتوقع بروس إيلوادر، كبير مستشاري المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أن يتراجع عدد الحالات المصابة خلال الأشهر المقبلة مع استمرار إجراء الاختبارات للحالات المشتبه بها، فإنه أشار في مقابلة مع مجلة "تايم" الأميركية أواخر مارس الماضي، إلى أن معظم الخبراء "يستبعدون اختفاء المرض تماماً"، لكن السيناريو المرجّح أن يأتي على "موجات دورية" أو يكون "منخفض الخطورة" مما قبل، لكن سيعتمد الكثير من ذلك على "ما نفعله نحن، دول ومجتمعات".

وأوضح، "إذا قمنا باختبار كل حالة، والعزل السريع للحالات، سنكون قادرين على إبقاء عدد الحالات منخفضة"، وأضاف أنه إذا جرى الاعتماد ببساطة على تدابير الإغلاق الكبيرة من دون العثور على كل حالة، فعندما تقوم باستئناف العمل تعود الموجات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير