Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طفرة النفط الصخري بين كماشة الديون ومنافسة الطاقة المتجددة (3-3)

هل تستثمر دول أوبك في "الصخري" أم تتجه نحو الاعتماد على غير النفط في اقتصادياتها المستقبلية؟

أحد حقول النفط في العراق. (أ. ف. ب)

رغم أن  ظهور النفط الصخري قد أطلق دوياً كبيراً في الأسواق خلال العقد الماضي إلى درجة أن البعض أطلق عليها "ثورة نفطية جديدة"، إلا أن آخرين اعتبروا الوصف غير دقيق،  ففي التفاصيل تكشف أن كلمة "ثورة" تعطي هذه الصناعة  حجماً أكبر من حجمها، لأن النفط الصخري ما هو إلا امتدادٌ لعصر النفط الذي يعتمد أصلاً على طاقة الوقود الأحفوري. وفي المقابل فإن مصادر الطاقة المتجددة (كالشمس والرياح والماء والحرارة الأرضية) هي الأجدر بلقب "الثورة  الجديدة"، عندما يتحوّل العالم إليها وتصبح مصدراً أساسياً للطاقة، وبذلك يبدأ عصر جديد من طاقةٍ غير أحفورية، بل متجددة ومستدامة.

ويكاد يتفق  بعض الخبراء في حديثهم مع "اندبندنت عربية" على "أن مستقبل الطاقة يرقد في المصادر المتجددة، بينما سيظل النفط الصخري خلال  السنوات المقبلة يمثل عامل التغيير الأساسي في موازنات السوق. لذا فمن المفيد التعرف على المزايا والعقبات لهاتين الصناعتين، وما إذا كان من المجدي أن تستثمر الدول الكبرى المنتجة للنفط التقليدي (كدول الأوبك) في الشركات العاملة في إحدى هاتين الصناعتين أو فيهما معاً، لكي تبقى تلك الدول حاضرة في أسواق الطاقة المستقبلية"، وأكدوا على "أن نهاية عهد النفط لا تعني نهاية احتياج العالم للطاقة، بل على العكس فإن حاجة العالم للطاقة– أياً كان نوعها– تزداد كل عام مع ازدياد النمو السكاني في أرجاء الأرض، وازدياد اعتماد الإنسان على الكهرباء والآلة والتكنولوجيا"، إلا أن بعض الخبراء في شؤون النفط  يرى عكس ذلك، حيث اعتبروا  استخراج النفط الصخري تحديا حقيقيا أمام الدول المنتجة للنفط التقليدي، مع  تطور ارتفاع إنتاج الشركات الأميركية للصخري وتطويرها لتكنولوجيا التنقيب في معظم الحقول.                                                         

السعوية... نهاية النفط التقليدي ليس منطقيا 

إلى ذلك اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أمين الناصر، في تصريحات له أخيرا ونقلتها وسائل الإعلام أن "صناعة النفط تواجه (أزمة فهم) وأن وجهات نظر بعض المراقبين التي ترى أن نهاية النفط تقترب مع تنامي استخدام السيارات الكهربائية غير منطقية ولا تقوم على الحقائق". وأبلغ الناصر المجتمعين في أسبوع البترول الدولي في لندن الذي عقد أخيرا في العاصمة البريطانية "أنه من المتوقع أن يزيد الطلب على النفط زيادة كبيرة، مدفوعا في الأساس بقطاع النقل". وقال "هناك أطراف مهمة ذات صلة تعتقد أن العالم بأسره سيستمد طاقته من أي شيء، إلا النفط. تلك الرؤى لا تقوم على المنطق والحقائق، وتشكلت في معظمها استجابة للضغوط والدعاية". وأضاف "صناعتنا تواجه أزمة فهم مع عدد من الأطراف ذات الصلة... مزايانا التقليدية المتمثلة في معروض وفير يُعتمد عليه وبسعر في المتناول غير كافية لتلبية توقعات المجتمع اليوم".

وقال "إن سيارات الركوب لا تسهم بأكثر من 20 في المئة من الطلب على النفط، بينما يأتي الباقي من قطاعات أخرى مثل الطائرات والسفن والشاحنات والبتروكيماويات، وهي قطاعات لا تجد بديلا للنفط حتى الآن لتلبية النمو المتوقع في الطلب".

ودعا إلى مزيد من الاستثمار في قطاع النفط والغاز لتلبية النمو في المستقبل وقال إن على صناعة النفط أن "ترد على النظريات المبالغ فيها مثل نظرية ذروة الطلب النفطي". أما بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لشركة "بي بي" البريطانية للنفط، فقد وصف قطاع النفط الصخري الأميركي بسريع الخطى وبأنه "سوق بلا عقل" لا همّ له سوى الاستجابة لإشارات السوق بخلاف نظيريه في السعودية وروسيا. وقال دادلي خلال مؤتمر لندن "أميركا هي الدولة الوحيدة التي تستجيب تماما لإشارات السوق... مثل سوق بلا عقل. إنها فقط تستجيب لإشارات الأسعار... بخلاف السعودية وروسيا، اللتين تضبطان إنتاجهما استجابة لوجود تخمة أو عجز في إمدادات النفط، سوق النفط الصخري الأميركية لا تستجيب سوى لأسعار النفط".

إلا أن الخبير في شؤون النفط والطاقة دكتور أنس الحجي يرى "أن ثورة النفط الصخري قد قلبت الموازين، وضربت الخيارات الإستراتيجية لدول (أوبك) في البتروكيماويات، والتكرير، والغازات السائلة، وفيما بعد في الغاز المسال، والآن ينافسها في الأسواق الآسيوية بعد السماح بتصدير الصخري عام 2015، لذلك فالموضوع أكبر من موضوع النفط  فقط، لأن ثورة النفط والغاز الصخريين أثرت بشكل مباشر في الخيارات الإستراتيجية لدول (أوبك)".

وبسؤاله إن كان لدول أوبك المنتجة خيار في الاستثمار بالنفط الصخري، فأجاب "الاستثمار في الصخري يعتمد على أهداف هذه الدول، فمثلا هناك بعض الشركات التابعة لهذه الدول تستثمر في البتروكيماويات في أميركا، وقد يتطلب ذلك الاستثمار في الصخري بسبب وجودها أصلا في أميركا، لذلك  ليس من المنطقي أن تقوم شركات الدول ذات الشركات النفطية المنتجة بالاستثمار في الصخري  المنافس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على صعيد متصل، يرى خبراء أن شركات الإنتاج في الصخري قد تخطت بمراحل تقنية التنقيب التقليدي، وقد باتت تعتمد في عملها على تقنيات حديثة مكّنت هذه الشركات من الوصول إلى احتياطاتٍ نفطية وغازية كبيرة كانت حبيسة طبقات صخرية لم يكن من الممكن في السابق استخراجها بكميات تجارية. ولكن، رغم نجاح هذه التقنية فهي ما تزال تواجه عقبات وتحديات قد تؤثر سلباً على قدرتها التنافسية في المستقبل البعيد وربما القريب أيضاً. وبالتالي فإنها لا تحتاج إلى فتح باب المشاركة مع دول أخرى خارج الولايات المتحدة الأميركية.

إلا أن منشورات  مكتب المراجعة العامة (GAO) التابع للكونغرس الأميركي، تكشف أن النفط الصخري رغم تقدم تكنولوجيا التنقيب إلا أنه يواجه تحديات  حقيقية، منها التسبب في تلوث المياه السطحية والجوفية نتيجة للتآكل بسبب الاضطرابات الأرضية وإطلاقات المواد الكيميائية وغيرها من السوائل، أو ضغط الغازات والمواد الكيميائية تحت الأرض،  حيث شكلت الزلازل الناجمة عن التفتيت الصخري مصدر قلق كبير، إذ شهدت ولاية أوكلاهوما الأميركية عدداً من الزلازل الصغيرة خلال عامين يعادل عددها في ألفية كاملة، وذلك بسبب النشاط المكثف للنفط الصخري في تلك الولاية. في الوقت ذاته زاد  إنتاج النفط الصخري من انبعاثات الكربون، مثله مثل النفط التقليدي والفحم الحجري، وهو ما يتعارض مع التخفيضات المتفق عليها في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة وآثارها على التغيير المناخي، بحسب ما أوردته الدراسات الأخيرة.

وإلى ذلك  تثار شكوك  حول كميات النفط الصخري التي يمكن استخراجها من الآبار، إذ توصلت دراسة أجرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الاقتصادية إلى أن آلاف الآبار الصخرية، التي تم حفرها في السنوات الـ5 الماضية، أنتجت كميات نفط وغاز أقل من المتوقع، مما يثير تساؤلات حول قوة وربحية صناعة النفط الصخري في المستقبل القريب. وقارنت الصحيفة بين تقديرات الإنتاج التي قدمتها شركات النفط الصخري الكبيرة للمستثمرين، وتقديرات مؤسسات مستقلة حول كميات النفط والغاز الموجودة في الآبار بالفعل. وكشفت المقارنة أن نحو ثلثي التوقعات التي قدمتها الشركات النفطية بين عامي 2014 و2017 في أربع مناطق حفر في الولايات المتحدة كانت متفائلة أكثر مما يجب، وذلك بعد فحص 16 ألف بئر تابعة لـ 29 من أكبر منتجي النفط في ولايتي تكساس ونورث داكوتا.

 

هل شركات النفط الصخري في ورطة؟ 

رغم التحديات البيئية واللوجستية التي تواجهها صناعة النفط الصخري، فإن بعض الخبراء يرون أن التحديات المالية لهذه الصناعة ما تزال هي الأكبر، وأهمها ارتفاع تكلفة استخراجه مقارنة بالنفط التقليدي، مما يعني لجوء عدد من الشركات العاملة في هذا المجال إلى الاقتراض ودفع فوائد على  قروضها. ويشير خبراء في شؤون الطاقة في هذا الصدد إلى "أن تراكم الديون وفوائدها على عدد من شركات النفط الصخري يجعلها عرضة لتقلبات أسعار الفائدة"، مؤكدين على أن هذه الشركات قد استفادت من سعر الفائدة المتدني لسنوات طويلة، منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن أسعار الفائدة قد تبدأ في الارتفاع، وهو الشيء المتوقع حدوثه في الولايات المتحدة.

 وبذلك يصبح الأساس المالي والاقتصادي الذي تقف عليه شركات النفط الصخري هشاً لدرجة أنه لن يصعب دفعها نحو الإفلاس.

إلا أن الخبير أنس الحجي يرى "أن هذه الشركات ليست في ورطة، رغم أنها واجهت صعوبات مالية في عام 2015 لكنها استطاعت التعامل معها، وهي الآن في وضع مالي أفضل من قبل، لذلك لا نتوقع وصول هذه الشركات  إلى حافة الإفلاس أو مواجهة صعوبات كبيرة"، وأضاف "هذه الشركات تقوم الآن بزيادة الإنتاج وإن كانت أقل من المتوقع سابقا".

في الجانب الآخر، وبحسب خبراء تحدثوا لوسائل إعلام أميركية فإن "دخل شركات النفط الصخري في الفترة بين عامي 2012 و2017 كان أقل من مصروفاتها وخدمة ديونها بنحو 9 مليارات دولار كل ثلاثة أشهر، في حين أن صافي الديون المتراكمة على صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة اقترب من 200 مليار دولار في عام 2015، أي بزيادة 300% مقارنة بعام 2005".  يشار إلى أنه لولا أسعار الفائدة المتدنية خلال السنوات العشر الماضية لما استطاعت صناعة النفط الصخري إنجاز ما أنجزته، وهو ما يشير إليه الخبراء  بأنه رغم الادعاء بأن تكلفة تكنولوجيا التفتيت قد انخفضت كثيراً بحيث تستطيع المواكبة في ظل أسعار منخفضة للنفط، فإن الواقع يوضح أن من بين أكبر 20 شركة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، استطاعت 5 منها فقط تحقيق أرباح في الربع الأول من عام 2018.

سيناريو الاعتماد على الطاقة المتجددة  كبديل النفط 

ويستمر الجدل حول الاعتماد على النفط التقليدي أو الصخري، إلا أن مستقبل الطاقة المتجددة بات مطروحا أمام الدول، حيث كشفت السعودية ودول خليجية عن توجه حقيقي لعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وأنها وضعت "رؤية 2030" في إطار التنويع الاقتصادي القائم على تعزيز الصناعة والخدمات، والسياحة، إضافة إلى صناعة البتروكيماويات. ويعتقد عددٌ من خبراء الطاقة أن ربع قرن من الجهود لتقليل الاعتماد على النفط قد بدأت تؤتي ثمارها، وأن العقدين المقبلين سيشهدان تحولاً واضحاً نحو تطوير البدائل للنفط، وأيضاً تطوير التكنولوجيا الحالية لكي تصبح أقل إسرافاً في استهلاك النفط. ويستدل هؤلاء الخبراء بما حدث في الولايات المتحدة حينما كانت تستمد جل طاقتها من الحطب والفحم الحجري في عام 1880، ثم خلال عقد واحد بعد اكتشاف البترول تحوّل أربعة أخماس إنتاج الطاقة إلى المصدر المكتشف حديثاً.

أما اليوم فقد يتكرر هذا السناريو، فهناك عدة بدائل للنفط والغاز الطبيعي تجرى عليها الأبحاث منذ عقود، وأبرز هذه البدائل هي طاقة النانوتكنولوجيا، والهيدروجين والمصادر المتجددة في الطبيعة كالشمس والرياح والحرارة الأرضية والكتلة البيولوجية. على الجانب الآخر،  يعتقد باحثون أن "ظهور تقنية النفط الصخري قد جذبت رؤوس الأموال نحوها، وذلك على حساب الاستثمارات التي كانت تتم في مصادر الطاقة المتجددة، مما سيؤخر بلوغها السوق لمدة تصل إلى عقدين".

وأضافوا في دراسة نشرها موقع "ناشونال جيوغرافيك  (Nat Geo) أن النفط الصخري ربما يكون "الهدية"  للعالم على المدى القصير، ولكنه عبارة عن  جسر إلى مستقبل الطاقة المتجددة التي حتماً ستسود العالم في المدى الطويل.  فالنفط (بشقيه التقليدي والصخري) سلعة فانية سيأتي اليوم الذي ستنفد فيه، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في معدلات الاستهلاك العالمي، كما أنه يسبب تلوثاً للبيئة، الأمر الذي أصبحت فيه الطاقات النظيفة محط اهتمام من دوائر صنع القرار في الغرب. وهناك عاملٌ آخر يعمل على المديين القصير والمتوسط، لصالح النفط الصخري ضد المصادر المتجددة من حيث الجدوى الاقتصادية، وهو أن البنية التحتية للطاقة (مثل محطات الوقود، ومحطات توليد الكهرباء، وخطوط الأنابيب، والناقلات والشاحنات)، جميعها تأسست للتوافق مع مصادر الطاقة الأحفورية، كالنفط والغاز. فإذا أرادت البدائل أن تحل محلهما فعليها الاستثمار ليس فقط في تطوير تكنولوجيا البدائل، بل في مشاريع البنية التحتية الضخمة لصناعة الطاقة الجديدة.

المزيد من البترول والغاز