Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة "تغريدة" أحرجت الإعلام المصري

حساب مجهول يتوقع تكليف "ميت" بحقيبة وزارة النقل... والصحف والبرامج المصرية تتلقف الخبر وتنسبه لمصادر موثقة ثم تعتذر

ما تزال أصداء حادث انفجار قطار بمحطة القطارات الرئيسية بالقاهرة، الأربعاء الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 50 آخرين، تخيم على المشهد المصري. فبعد إعلان وزير النقل المصري هشام عرفات استقالته، وقبولها من قِبل رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، تضاربت التكهنات في الإعلام المصري بشأن خليفة عرفات في المنصب، وكانت القصة الأبرز خلال اليومين الماضيين هو التكهن بترشيح "شخص مجهول" غادر الحياة منذ 11 عاما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فبعد أيام من تصاعد أسهم اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والرجل القوي في المؤسسة العسكرية، لتولي مهام الحقيبة الوزارية، انخفضت أسهمه مجددا مع عدم وجود أي تأكيد رسمي لترشحه، ليستمر التضارب والغموض بشأن المرشح المتوقع أن تسند له الحقيبة الوزارية. وسرعان ما ظهر اسم جديد "مجهول الهوية" تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقفته الصحف والمواقع والبرامج المصرية وعدد من المواقع الإخبارية الكبرى، دون التأكد من "صحة وجوده من عدمه"، وهو "المهندس محمد وجيه عبد العزيز".

كيف بدأت القصة؟

في الساعة السادسة و23 دقيقة من مساء اليوم الثاني من مارس/آذار، غرد حساب مجهول المصدر، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، يحمل اسم "خالد عنخ آمون الأول"، بقوله إنه تم "تعيين الدكتور المهندس محمد وجيه عبد العزيز وزيرا للنقل والمواصلات وحلف اليمين بعد غد"، وضمت التغريدة جزءاً مما قال صاحبها، إنها إنجازات الرجل المرشح لتولي المنصب، قائلاً: "هو صاحب إنشاء جميع محطات وأنفاق السكة الحديد المطورة بفرنسا، وصاحب الطفرة في السكك الحديدية التي حدثت بالسويد على مدار الـ18 سنة الماضية، وحاصل على الأوسمة العليا من فرنسا في السكك الحديدية"، مختتماً تغريدته التي تم حذفها لاحقا، بـ"ربنا يوفقه".

وما إنْ كُتبت التغريدة على "تويتر" حتى تناقلتها كبرى وسائل الإعلام المصرية وعدد من وسائل الإعلام الدولية، لتؤكد طبقاً، لما قالت إنه نقلا عن مصادر موثوقة، قرب تعيين "محمد وجيه وأدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزيرا للنقل".

وطول ليل الثاني من مارس/آذار، بدأ عدد كبير من التقارير والأخبار على الصحف والمواقع المصرية، تعدد مميزات الرجل المرشح لتولي حقيبة النقل الوزارية، "وفق تأكيد مصادرها"، ليظهر عدد من التقارير على موقع البحث "جوجل" بعنوان "تعرف على محمد وجيه عبد العزيز المرشح لوزارة النقل"، و"مصادر تؤكد قرب حلف محمد عبد العزيز اليمن الدستورية وزيراً للنقل"، وغيرها من العناوين التي ملأت المواقع والصحف المصرية، حول "عبد العزيز"، فضلا عن استضافة مذيعين مشهورين في مصر لأشخاص "ادعوا" معرفتهم بعبد العزيز، وعددوا إنجازاته على الهواء.

وفى الساعة العاشرة و11 دقيقة صباحاً من اليوم التالي، (الثالث من مارس/آذار) كتب حساب "خالد عنخ آمون الأول" تغريدة جديدة كانت بمثابة السخرية والتندر في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال "اقروا معايا thread (الثــِّـرِيد) اللي أنا بعتبره كارثي، وفي نفس الوقت إثبات أن أي حد بـ تويته هايفه (غير مُوثَّـــقة)، ممكن يقلب الدنيا إشاعات، وللأسف تلاقي كل الناس مصدقاه، وتاخد منه التويته كوبي بيست (قص ولصق)، مش ريتويت (إعادة توجيه)، حتى وتلاقي مصادر موثوقه بتنشر الخبر".. وأشار إلى كبرى المواقع الصحفية في مصر بالتغريدة ذاتها، والبرامج التلفزيونية، ومنها جريدة الشروق المستقلة، وبوابة أخبار اليوم الحكومية، بالإضافة إلى "تلفزيون البلد تي في" ومقدم البرامج الشهير عمرو أديب.

لم يمر وقت قصير على هذه التغريدة، وتبعها "خالد عنخ آمون" بتغريدتين أخريين قال فيهما: "الكارثة فين؟ .. إن دي تويته من تأليفي، وأن محمد وجيه عبد العزيز يبقي الله يرحمه أبويا الذى توفي من 11 سنة". نافيا صفة المهندس عن والده، وكذلك صفة الخبير في السكك الحديدية.

وأضاف "أثبتت لكل الناس أن تويتر مركز قوي للإشاعات والسوشيال ميديا (وسائل التواصل) ما هي إلا حاجة (شيء) ممكن تخرب بيوت وبلاد وشعوب". مطالبا رواد التواصل الاجتماعي "ألا ينساقوا وراء الشائعات".

وما إن كتب "عنخ آمون" تغريداته الجديدة، تفاعل معها المئات من رواد التواصل الاجتماعي، متندرين على "مصداقية الإعلام المصري"، وسرعان ما بدأت المواقع والصحف المصرية تتراجع خطوة للوراء، وتعيد تحديث قصصها الخبرية عن "الشخصية المقترحة لحقيبة النقل"، على اعتبار أنه "شخص وهمي وحادث خطأ"، فيما قدمت صحيفتا الشروق وأخبار اليوم اعتذارا لقرائها.

 

الاعتذار فضيلة

انطلاقا من "مبدأ الاعتذار من الخطأ فضيلة"، نشرت "بوابة أخبار اليوم" الحكومية، مساء الثالث من مارس/آذار، أي بعد أكثر من 24 ساعة من تغريدة "عنخ آمون" الثانية، موضوعا تحت عنوان "الاعتراف بالخطأ فضيلة.. بوابة أخبار اليوم تعتذر عن وقوعها في فخ السوشيال ميديا"، وذكرت البوابة الحكومية، في قصتها الخبرية، أنها نشرت خبرا تحت عنوان "أنباء عن تعيين محمد وجيه عبد العزيز وزيرا للنقل"، وهو ما ثبت عدم صحته، وأنه أحد "مقالب وفخاخ السوشيال ميديا".

ولتوضيح الأمر، ذكرت البوابة في تقريرها، "أن الخبر كان مصدر تأكيده لنا مسؤول بوزارة النقل نحتفظ باسمه في إطار مبدأ عدم الإفصاح عن المصدر، ونحتفظ أيضا بما يؤكد صدق كلامنا، ورغم أن الزميلة التي تقدمت إلى البوابة بالخبر أكدت أنه من مصدرها، وهو ما أثبتته، وفق "أخبار اليوم"، وبعدما ثبت أن الخبر وقع في فخ السوشيال ميديا، ورغم أن الغالبية العظمى من المواقع الإلكترونية بل وبعض المسؤولين وقعوا في هذا الفخ، فقد بادرنا بداية بحذف الخبر من الموقع،  كما تم اتخاذ إجراء عقابي رادع ومشدد ضد محررة الخبر؛ لأنها لم تراع التقاليد المهنية التي تربينا عليها في "دار أخبار اليوم" بالتأني، والتأكد التام من صحة الخبر.

ووفق "بوابة أخبار اليوم"، فإنه "رغم علمها بنشر الخبر في الكثير من المواقع الإخبارية فإنها تتقدم بالاعتذار الشديد لمتابعيها"، معتذرة في الوقت ذاته "عن هذا الخطأ الذي يخالف التقاليد المهنية المعروفة لديها باعتبارها في مقدمات المؤسسات الصحفية في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط".

وتابعت "أخبار اليوم": "لم نجد غضاضة مطلقا في الاعتراف بهذا الخطأ؛ لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، ولم نتردد لحظة في الاعتذار عن نشره احتراما لمتابعينا على المنصات المختلفة، وتقديرا منا للأمانة التي نحملها تجاههم وتجاه مهنتنا المقدسة مع وعد ببذل أقصى جهد حتى لا يتكرر هذا الخطأ".

وفيما اكتفت أغلب المواقع والصحف، بتحديث القصة "المزيفة" حول ترشيح "محمد عبدالعزيز وزيرا للنقل"، اعتذرت صحيفة الشروق المصرية لقرائها، في بيان جاء فيه: تتقدم "الشروق" باعتذار لقرائها الأعزاء على نشرها خبرا تبين عدم صحته أمس بشأن تعيين وزير جديد للنقل.

وأضاف بيان جريدة الشروق: "تأكيدا على احترام قيم المهنية الإعلامية والشفافية؛ تجري المؤسسة تحقيقا في هذا الشأن، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على مصداقية "الشروق" لدى قرائها، ولتقدم دائما صحافة مميزة على قدر تطلعاتهم وثقتهم".

من جانبه كتب مدير تحرير موقع الشروق، محمد بصل على صفحته "فيس بوك" قائلا: "بكتب الكلام ده بصفتي الوظيفية كمدير تحرير لموقع الشروق، بالأمس حصل خطأ مهني فج بنشرنا خبرا عن ترشيح شخص ما وزيرا للنقل، تبين فيما بعد أنه غير موجود ومتوفي ومش عارفين شغلته كانت إيه"، مضيفاً "تبين أن الخبر أصله شخص بيحاول يوضح هشاشة مصداقية وسائل الإعلام المصرية، ونجح في ذلك فعلا"، وفق تعبيره.

وبحسب كلام بصل، على صفحته على "فيسبوك"، فإن "المعلومة الخاطئة جملة وتفصيلا نشرت في أكثر من 7 مواقع صحفية كبيرة منها الخاص والقومي والحزبي في توقيتات متقاربة، وتلقفتها برامج توك شو مهمة أيضا"، معتبراً الأمر: "خطأ مهنيا جسيما، نعتذر عنه بشدة للقراء".

وذكر بصل، أنه تبين من تحقيقه في الأمر وجود طرفين أساسيين للخطأ، أولهما أن المحررين المختصين بمتابعة ملف النقل لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن "أصل وفصل شخص ربما يؤدي اليمين وزيرا ومسؤولا أعلى لملفهم". وثانيها، وفق تعبيره، إنه تبين له بأن "أحد الموظفين بوزارة النقل هو من أرسل لبعض المحررين التغريدة الكاذبة، وهذا لا يدل فقط على ضحالة الفكر والمعرفة، بل يشير أيضا لمشكلة شهوة النشر الشخصية التي تنامت في نسبة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الذين يتصورون أنهم سيكتسبون مصداقية أو شهرة بمجرد إعادة توجيه ما يصادفونه في التايم لاين بين معارفهم وأصدقائهم دون تأكد من سلامة ما ينشرونه، وتتضاعف المشكلة عندما يكون هؤلاء الأشخاص مسؤولين وذوي حيثية".

ارتباك في الصحف بعد الحادث

وفي الوقت الذى لم تعتذر بشكل صريح سوى بوابتي "الشروق وأخبار اليوم" عن الخطأ، ولجوء مواقع أخرى وبرامج تلفزيونية شهيرة للحديث عن "فبركة السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي"، وتأثير الأمر على الإعلام ومصداقيته، علمت "اندبندنت عربية" من عدة مصادر صحفية في مواقع مختلفة داخل المؤسسات الصحفية، بفتح تحقيقات موسعة مع المحررين المسؤولين عن ملف النقل، وتراوحت معهم درجات العقوبة، بين "لفت النظر والخصم من الراتب أو التحويل للتحقيق".

وبحسب المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها، فإن عدداً من المسؤولين عن النشر في هذه المواقع والصحف، أصدر أوامره للتعامل بحذر "شديد" مع مواقع التواصل الاجتماعي، لتجنب أو تقليل نسبة الخطأ في نقل الأخبار فضلا عن ضرورة الرجوع للمصادر موثوقة للتأكيد من صحة الخبر.

في غضون ذلك، وبينما أرجع الخبير الإعلامي المصري صفوت العالم الواقعة إلى حالة الارتباك التي يعانيها الإعلام المصري، قال: "إن الخطأ نابع بالضرورة من تقلص مساحة التواصل بين الصحفيين والمصادر الرسمية أو المسؤولين في مصر".

بدوره أرجع الخبير الإعلامي إبراهيم المنشاوي الأمر إلى إشكالية "السبق في الصحافة بشكل عام مع قلة خبرة بعض المحررين في بعض الأحيان في التعامل مع الأخبار والقصص الصحفية".

 وقال المنشاوي: "رغم أنه خطأ لا يمكن تبريره على الصعيد المهني، فإن الإشكالية التي تواجهها المواقع والصحف في الوقت الراهن، هو حرصها على تغطية الأحداث بصورة سريعة لتحقيق السبق والسرعة في نقل الأخبار للتميز عن المواقع المنافسة".

وتابع "السرعة مطلوبة في تغطية الأحداث، لكن في الوقت ذاته على القائمين على النشر في المواقع والصحف، التأكد من كفاءة وقدرة ومصداقية المحرر في نقل الأخبار، لتجنب مثل هذه الأخطاء الكارثية".

وصباح الأربعاء الماضي، لقي 25 شخصاً مصرعهم، وأصيب 50 آخرين، وفقا لوزارة الصحة المصرية، جرّاء انفجار خزان وقود أحد القطارات في المحطة الرئيسية للقطارات بالقاهرة بسبب تصادم عنيف مع "صدّادة أمان"، بحسب ما نقل التلفزيون الحكوميّ المصريّ. وأسفر الحادث عن استقالة وزير النقل هشام عرفات بعد ساعات من زيارته محطة مصر بصحبة رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي ووزير التضامن المصرية، غادة والي.

 

المزيد من العالم العربي