Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاجر كورونا!

الكوارث بضاعة ثمينة

أثر انتشار فيروس كورونا في كل مجالات الحياة (غيتي)

1-

حيث كنت أتجول، أينما أمكن لي السفر، قبل أن تمنعني السيدة كورونا، كنتُ ألاحظ، انتشار المطاعم والصيدليات، ما بين المطعم والمطعم صيدلية، والعكس صحيح، وأعلق بيني وبين نفسي، لا بد أن الضلع الثالث الجبانة. وإن دخلت صيدلية، أو تلصلصت عليها من الخارج، أشاهد على الأرفف، الكثير الكثير من المعروض، يخص التجميل وما في حكمه، وقلما رأيت ما يخص الوقاية. وفي هذا أيضاً، كثيراً ما سمعت أو قرأت، عن مشاكل أسرية، بين الأباء والأبناء، تخص تخصص الأبناء في الدراسة، حيث غالباً ما كان الأباء، يصرون على أن يدرس أبناؤهم الطب، بخاصة طب التجميل، أو الصيدلة، ضد رغبة الأبناء المختلفة، حُجتهم ضمان المستقبل، لأن التخصصين ثمينان.

هذا التداعي غمرني، أثناء تنقلي بين الصيدليات، للبحث عن الوقاية، من الجائحة الكورونية، مثل الكمامات، التي تحولت سلعة ثمينة، يسطو عليها اللصوص. فقد ذكرت الأخبار، أن طائرة ألمانية محملة بهذه السلعة الثمينة، استوردتها ألمانيا من الصين، حطت الطائرة ترانزيت بمطار كينيا، فاختفت السلعة. كما جاء نبأ آخر، أن سفينة تونسية، تحمل بضاعة مشابهة، استولى عليها قراصنة إيطاليون، وسط المتوسط!

هكذا كما يبدو، أن تجارة الموت رائجة، أن الكوارث بضاعة ثمينة. في سالف الأزمان كان الشيطان، يستثمر البلاء، بأن يركب روح الخاسر، كما جاء في ألف ليلة وليلة، ثم عند فاوست غوته. أما تاجر البندقية اليهودي، عند شكسبير، فاكتفى من بلوة العاجز عن تسديد الدين، بكيلو من لحم بدنه.

2-

"اصطحبني جاك إلى مكتبه، وهو عبارة عن غرفة صغيرة، بها إضاءة خافتة، ونافذة واحدة، فضلاً عن مكتب، وأريكة من الجلد الأسود، وعلى الجدران عُلقت خريطة، تُحدد المناطق، التي تعمل فيها شركته، إضافة إلى خريطة أخرى لأفغانستان، وصورة لسلسلة جبال الهندوكوش. وبينما دلفنا إلى مكتبه، أخبرني بهدوء، بأن شركته "تبقى على قيد الحياة، بفضل الفوضى". هذا ما جاء في كتاب رأسمالية الكوارث- عالم المعرفة 478، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، للكاتب الصحافي الأسترالي أنتوني لوينشتاين، من علق في صفحة أخرى بالكتاب "... وكان واضحاً، أن عديداً من الشركات العسكرية الخاصة، استفادت من الحرب، لم تكن هذه الشركات، تريد للصراع أن ينتهي أبداً".

هكذا كما يبدو، أن تجارة الموت رائجة، أن الكوارث بضاعة ثمينة، وأن في هذه الأزمان المبتغى ديمومتها، إما كحرب أفغانية لا تنتهي، وإما في جائحة طارئة، لكن نتائجها مضطردة.

لذا جاء على لسان، رجل الأعمال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن المشكلة ليست في كورونا وما يحصد من أرواح، بل في المسألة الاقتصادية، في الضربة القاصمة للمجتمع الاستهلاكي. بينما رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، المشكلة عنده عينية، متجسدة في "الدورة الأولمبية الصيفية 2020 في اليابان"، ما حرص حتى النفس الأخير، على عدم تأجيلها. على الرغم من أن عزرائيل، متلبس قناع كورونا، حامل أعلامه، يدق بكل يد مضرجة، أبواب العالم. وأما الرئيس الشيوعي الصيني شي جين بينغ، فوظف النجاح في ووهان، الذي روج له، في بيع أي شيء ضد كورون"، حتى الأعلام الصينية. بينما فلاديمير بوتين وصنوه رجب طيب أردوغان، ظنا أن لا جائحة، بل دعاية ماوية شيوعية صينية! ولهذا قرأ بوريس جونسون حفيد تشرشل المسألة، باعتبارها تخلفاً تقليدياً، في مستعمرة سابقة، تأكل الخفافيش.  

3-

أدوات التجميل والهمبورجا، البضاعة الثمينة، ما انتشرت في ربوع الأرض، بعد ترويج لها، حد إشهار السلاح، سلاح كورونا أبطلها، شلّ فاعلية قوة الاستهلاك هذه. شركات الطيران مثلاً، غدت تعمل عند العدو كورونا، كذلك الملاعب ودور "رامبو"، والساحات وحتى الشوارع. غير أن في الإنترنت، شيئاً من الوقاية، لم يحسب حسابها بعد. كما لم يحسب، أن تتخطى جائحة الحدود، فتصيب رئيس الوزراء وزوجته وولي العهد… وهلم، كورونا ليس كالأوبئة السابقة، كالإيبولا والإيدز، لا تحصد الملايين، وعن القصور قاصرة، فكورونا الوقح، يجتاح الدول القادرة، لدرجة إصابة أكثر من 12 ألفاً من القطاع الطبي في إسبانيا فقط، ومن ناحية أخرى، حتى الآن يمس غير القادرة مساً!

تاجر كورونا حاصد الأرواح، تاجر في النتيجة، كما هو دائماً، مشارك في المسببات، كما هو تاجر السلاح، في الحروب التي لا تنتهي، هو كذلك ضد مواجهة "الاحتباس الحراري"، ما سوف تنهك الاقتصاد، تبدد الدولار، بينما لا جني منه منظوراً. هو رجل الأعمال الرئيس، رأسمالية الكوارث.

هذه الجائحة، كما وحدت البشرية، تحت غطاء واحد، كارثة لا سابق لها، وحدت أيضاً رأسمالية الكوارث، من الصين الشيوعية، حتى بيت رجل الأعمال الرئيس الأبيض، وكشفت أن لا قلاع قومية حصينة، فالرأسمالية خاوية من أي وقاية، هي مجتمع استهلاكي، ماهيتها العولمة. تستنزف موارد الأرض، لصناعة أدوات تجميل، تُخفي وهنّ فعلها وقبح وجهها. وقد ارتدّت على عالمها، الصواريخ التي تجهز لغزوة المريخ، في شكل صاروخ مجهري صارخ، يستنزف مواردها، موارد الأرض ما استنزفت، ولا زال تاجر كورونا يفعل.

المزيد من آراء