Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة وزير الخارجية البريطاني في الخليج واليمن: البحث عن حل أم البحث عن دور؟

طالب الحوثيين بالانسحاب من الحديدة ملوحاً بـ"الفرصة الأخيرة"

وقف وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت يوم الأحد على ساحل عدن جنوب اليمن في جو غائم، ووراءه الأمواج الممتدة عبر خليج عدن وبحر العرب إلى المحيط الهندي، وأمامه عدن "المستعمرة القديمة"، وسواحل ممتدة شمالاً عبر البحر الأحمر. وقف قائلاً: "أنا أول وزير خارجية غربي يزور اليمن، منذ بدء النزاع قبل أربع سنوات"، كما جاء في مقطع فيديو صغير بثه على حسابه على تويتر اليوم.

لماذا قال هانت إنه أول وزير خارجية غربي يزور اليمن منذ أربع سنوات، وما هي الرسالة التي أراد أن يبطنها في هذا التصريح؟

هل أرد الوزير البريطاني أن يقول بشكل ضمني: "أنا هنا حيث كان أسلافي"؟ هل أراد أن يقول إن بريطانيا تنطلق من مسؤولية تاريخية صرفة، لإحلال السلام في البلاد التي مزقتها الحرب؟ أم أراد الهروب من مشاكله الداخلية بالبحث عن دور خارجي؟

لندن تريد العودة

يمكن التعاطي مع التساؤولات المطروحة من زاوية وقوع اليمن-وجنوبه تحديدا- ضمن دائرة النفوذ البريطاني الاستعماري، حيث يبدو أن محاولات بريطانيا المحمومة للعب دور في الجهود الدبلوماسية المبذولة تأتي، في سياقات ليست بعيدة عما يجري من نقاشات داخلية حول "بريكست"، وخطط حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يرى فيه مراقبون دافعاً للبريطانيين للبحث عن تحالفات جديدة، ومناطق نفوذ أخرى، فيما يسعى القوميون إلى مداعبة الأشواق التاريخية بالعودة إلى "مجد التاج البريطاني"، بعيداً عن قيود اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، ومن هنا يمكن أن نفهم الحماس البريطاني للانغماس-بشكل أكبر-في تعقيدات المشكل اليمني، على اعتبار الأبعاد التاريخية للسياسة البريطانية، حسب مهتمين بالشأن اليمني.

كما أن العلاقات القديمة بين السعوديين والبريطانيين، ومحاولات بريطانيا ضخ دماء جديدة في عروق العلاقات البريطانية الخليجية بشكل عام، كل ذلك، سيكون حاضراً في الذهن عند التفكير في بحث الوضع المعقد في اليمن بحسب الباحث والناشط السياسي اليمني الدكتور محمد صالح السعدي، دون أن نغفل-بالطبع- العلاقات بين لندن وطهران، والمصالح المترتبة على بقاء بريطانيا ضمن الداعمين للاتفاق النووي الإيراني، وتصدي لندن-مع باريس وبرلين-لإنشاء "قناة مالية" للالتفاف على العقوبات الأمريكية على طهران.

وتأتي العوامل الداخلية في بريطانيا، والتجاذبات بين حزبي العمال والمحافظين داخل وخارج قبة البرلمان، لتلقي-كذلك-بظلالها على طبيعة الدور البريطاني في اليمن، لأن الملف اليمني أصبح-فيما يبدو-ملفاً داخلاً ضمن العلاقة المشتبكة بين الحزبين الكبيرين في بريطانيا، إذ يحاول حزب العمال العزف على وتر المعاناة الإنسانية في اليمن، لتحميل حكومة تيريزا ماي مسؤولية التراخي عن الضغط لإيجاد حل، في محاولة من حزب العمال لكسب مزيد من النقاط في الانتخابات القادمة، مستغلاً ضعف الحكومة الحالية، بسبب سياسات رئيسة الوزراء إزاء "بريكست"، وهذا ما يدفع بالحكومة البريطانية إلى التحرك لإحداث اختراق في اليمن يرفع من رصيدها تحت قبة البرلمان، وفي وسائل الإعلام، ولدى دوائر دبلوماسية دولية.

وعلى الرغم من الحماس البريطاني لحل سياسي في اليمن، فإن الكثيرين يتوجسون إزاء ذلك الحماس، يقول الكاتب السياسي همدان العليي إن "بريطانيا تحاول توظيف الملف اليمني لخدمة مصالحها الدولية، وإيجاد مناطق نفوذ لها في باب المندب والبحرين: الأحمر والعربي"، وينظر العليي إلى أن لندن "تمارس نوعاً من الابتزاز لأصدقائها الخليجيين، لأنها تريد حلاً سياسياً في اليمن يبقي على الحوثيين بقوتهم العسكرية، لإقلاق السعودية ودول الخليج".

وعلى العكس من ذلك يرى الدكتور محمد صالح السعدي أن "حرص بريطانيا على تطوير شبكة المصالح مع الخليج يدفعها لبذل المزيد من الجهود لإيجاد تسوية في اليمن، تراعي مصالحها ومصالح حلفائها الخليجيين".

ويمضي السعدي قائلاً "لا بد أن تفاهمات من نوع ما تمت أثناء قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية"، التي انعقدت قبل أيام، مضيفاً أن هناك "تفاهمات ربما تمت حول ملفات إقليمية أخرى، إلا أننا يمكن أن نقول باطمئنان إن هذه التفاهمات جعلت الموقف البريطاني أقرب ما يكون إلى رؤية التحالف بقيادة السعودية".

وبالإضافة إلى أن وزير خارجية لندن أرسل عدة رسائل بتصريحه حول كونه أول وزير خارجية غربي يصل اليمن خلال أربع سنوات، فإنه أدلى كذلك في مقطع الفيديو ذاته بتصريح آخر، ربما كان أكثر خطورة، حيث قال: "أنا هنا، لأن هذه حقا الفرصة الأخيرة للسلام"، في اليمن.

ويلوح في التصريح تلويح بريطاني إلى أن الجهود المبذولة لإحلال السلام في اليمن لن تكون إلى ما لا نهاية، وأن ما يقوم به هو محاولة أخيرة، للإقناع بتطبيق اتفاق ستوكهوم، دون أن يصرح بالبدائل المتاحة حال عدم تنفيذ الاتفاق، لكي يبقي الباب موارباً لخيارات أخرى، قد يكون منها اللجوء إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، لمزيد من الضغط، الذي يمكن أن يكون بفرض عقوبات على المعرقلين، على سبيل المثال.

تلميح لا تصريح

وعلى الرغم من أن الجانب البريطاني-كما هو حال الجانب الأممي-لم يلق بالمسؤولية عن تعثر اتفاق ستوكهولم-بشكل واضح- على طرف من الأطراف، إلا أن الوزير البريطاني قال عقب لقائه محمد عبدالسلام، رئيس وفد الحوثيين إلى محادثات السويد خلال اجتماعهما في مسقط الجمعة إنه "يجب على الحوثيين الانسحاب فوراً (من الحديدة)، للحفاظ على الثقة في اتفاق ستوكهولم، والسماح بفتح قنوات إنسانية حيوية"، وهو ما يعني أن لندن تلمح إلى إلقائها باللائمة على الحوثيين في تعثر تطبيق الاتفاق حول مدينة وموانئ الحديدة على الساحل الغربي لليمن.

وفي هذا السياق قال السفير البريطاني لدى اليمن مايكل أرون في مقابلة مع جريدة الرياض السعودية نشرت أمس السبت إنه "لا سلام، ولا تسوية في اليمن، إلا بتطهيره من الوجود الإيراني"، مضيفاً أن قرار بلاده بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية لا يمكن فصله عن دعم وتسليح حزب الله للحوثيين، الذين تحولوا إلى مليشيا خطيرة، بفعل دعم وتدريب حزب الله، حسب تعبيره، وهي إشارة واضحة إلى امتعاض بريطاني من مماطلة الحوثيين في الحديدة، حسب متابعين للشأن اليمني.   

وإزاء هذه التصريحات التي تبدو قوية من الجانب البريطاني، يقول  الباحث والناشط السياسي اليمني، الدكتور محمد صالح السعدي: "يبدو أن التحالف استطاع إحداث نوع من الاختراق في النظرة البريطانية لطبيعة الصراع في اليمن، بشكل جعل وزير الخارجية يبدو أكثر تفهماً لدور الحوثيين في عرقلة تطبيق اتفاق ستوكهوم".

ويرى السعدي أن زيارة الوزير هانت لعدن "جاءت تلبية لطلب من الشرعية، ودعماً لها، وتمثل اختراقاً لصالح الحكومة اليمنية"، وأن ذلك يمكن أن يسهم في بناء المزيد من الثقة لدى البريطانيين في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، بما يؤدي إلى تخفيف "الضغط على الحكومة والتحالف العربي"، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار التصريحات الإيجابية للبريطانيين خلال اليومين الماضيين.

غير أن الكاتب همدان العليي يخالف ذلك، ويرى "أننا سمعنا تصريحات إيجابية كثيرة من البريطانيين والغربيين لصالح الشرعية والتحالف، غير أن الثقة لم تعد في محلها، بسبب أن الكثير من المسؤولين الدوليين يقولون شيئاً ويفعلون نقيضه".

ويرى العليي أن "بريطانيا بلقاءات مسؤوليها بالحوثيين وعلى مستوى وزير الخارجية تعمل على إضفاء صبغة شرعية على جماعة انقلابية، وهو ما لا يتسق والتزام بريطانيا المعلن بمبادئ القانون الدولي في علاقاتها بالدول والكيانات".

مضيفاً أن الحوثيين لن يلتزموا بتنفيذ اتفاق ستوكهولم، وإنما يسعون من خلال لقاءاتهم بالمسؤولين الدوليين لنيل المزيد من الشرعية، والاعتراف الدولي.

 أخيرا، وبحسب بيان سابق للخارجية البريطانية، فإن زيارة الوزير جيرمي هانت تأتي ضمن "دبلوماسية بريطانية مستمرة لدعم عملية السلام في اليمن"، فهل يا ترى تبحث بريطانيا عن حل في اليمن، أم تبحث عن دور، أم أنها تبحث عن دور يتأتى من خلال حل-أي حل-ولو كان ملغوماً؟

المزيد من الشرق الأوسط