Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سينجو جيمس بوند من الإصابات والفوضى في مواقع التصوير وفيروس كورونا؟

إطلاق "لا وقت للموت" يتأجل إلى الخريف، فهل يستحق كل هذا الانتظار؟

اعتادت أفلام العميل السري الشهير "007" على الإصابات والفوضى، لكنها تواجه مشكلة الصالات والجمهور وكورونا (فوكس سي دي ان.كوم)

جيمس بوند سيعود، لكن ليس في وقتٍ قريب وفق ما كان متوقعاً. إذ تأجل العرض العالمي الأول لفيلمه "لا وقت للموت" No Time to Die إلى نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب المخاوف من تفشي فيروس كورونا، وقد كان مُقرراً وصوله إلى دور العرض في غضون أقل من شهرٍ.

تحية كبيرة واجبة لباربرا بروكولي ومايكل جاي ويلسون، منتجي سلسلة أفلام بوند غير المشهورين عموماً، لأنهما استطاعا أن يحافظا على استمرارية أفلام بوند. ولقد أظهرا براعة وكياسة وقسوة وانضباط ومجازفة (أحياناً) في طريقة توجيه أفلام الجاسوس البطل الذي صنعته روايات إيان فليمنغ، وصولاً إلى عشرينيات هذا القرن.

وعلى العكس تماماً من منتجي السلسلة الأصليين، ألبرت (كوبي) بروكولي وهاري سالتزمان اللذان تمتعا بحضورٍ إعلاميٍ بارز وتنافسا على لفت انتباه الرأي العام، حرص بروكولي وويلسون على النأي بنفسيهما عن الأضواء. إذ ركزا على التصرف بسرعة وحزم لحماية "العميل 007"، على نحو ما فعلا الأربعاء الماضي حين أعلنا خبر إرجاء طرح الفيلم الجديد مراعاةً لواقع الحال عالمياً. وعلى الرغم من انتشار الملصقات الخاصة بفيلم "لا وقت للموت" في جميع صالات السينما ودور العرض، وكذلك تصدر شارته الموسيقية التي تؤديها بيلي آيليش قائمة الأغاني المنفردة في بريطانيا، إلا أن ذلك لم يمنع بروكولي وويلسون من حسم أمرهما واعتبار أن الوقت غير ملائم لعودة بوند.

ولا تزال التطلعات كبيرة بشأن ما سيكونه الفيلم رقم 25 من السلسلة الجاسوسية الشهيرة. وبالتالي، فإن الانتظار لفترة سبعة أشهرٍ إضافية لن يؤدي سوى إلى تأجيج حماسة الجماهير أكثر فأكثر. إنه الفيلم الأول لبوند بعد بريكست، والأول له أيضاً في عصر حركة #أنا_أيضاً [لمناهضة التحرش الجنسي]. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بشأن رد فعل النقاد الثقافيين إزاء الفيلم الجديد. هل يرشقونه بوابلٍ من القنابل كما فعلوا مع الأفلام السابقة كلها في تلك السلسلة. هل سيستمر بعضهم في مهاجمة بوند ووصفه بالشخصية الخيالية التي عفّى عنها الزمن ولا تصلح سوى لتحقيق التهويمات الخيالية ليافعين يرفضون فكرة النضوج؟ ويتمثل التحدي الأخير للعميل السري الأحب إلى قلوب البريطانيين، في كيفية مواجهته فيروساً قاتلاً. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال محللو معطيات شباك التذاكر لدى شركة "كومسكور" واثقين كل الثقة من قدرة بوند في التغلب على تفشي الوباء، وكذلك تمكن فيلم "لا وقت للموت" من التربع على عرش أفضل أفلام السنة في المملكة المتحدة.

يبدو أن بوند اليوم أكثر انسجاماً مع روح العصر مما كان عليه منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وآنذاك، وصل الممثل روجر مور إلى فيلمه السابع والأخير من السلسلة الجاسوسية المحبوبة. واستطراداً، طارد مور الذي كان في الثامنة والخمسين من العمر، غرايس جونز إلى أعلى برج إيفل في فيلم "رؤية للقتل" (1985) الذي يعتبره كثيرون أسوأ سلسلة أفلام بوند على الإطلاق. وآنذاك أيضاً، بدأ التبدل في نظرة الجماهير إلى المُتَعْ المعهودة في أفلام بوند، وقد فقدت بريقها تلك المشاهد من الترف والعنف والجنس والهراء العاطفي والمطاردات بالسيارات أو القوارب السريعة على طريقة ماك سينيت، بل تحولت محاكاة ساخرة للذات.

"باتت مشاهدة أحدث أفلام جيمس بوند عملية شاقة، بعدما صار الحفاظ على مهارات شخصيتها الرئيسية وحنكتها المعتادة، مهمة ضخمة وشائكة"، وفق ما أفادت به الناقدة جانيت ماسلين تعليقاً على ملامح الضعف التي بدأت تظهر على السلسلة منتصف الثمانينيات من القرن العشرين. ووفق كلماتها، بدت "الجهود المبذولة لتحصين العميل روجر ضد تقدم السن، أو تكييف الحوادث مع متغيرات الزمن، أو تجنب تكرار مشاهد بعينها، أكثر من جبارة".

وبسبب تلك الجهود كلها، تبدل تأثير مشاهدة مور الدائم الإرادة والجاذبية، متباهياً بحاجبيه أو مُراوغاً بمسدسه في آخر أفلامه من سلسلة بوند، من إحداث المتعة إلى ما يُشبه مشاهدة نجم روك بريطاني يتحدى مر السنين بارتداء ملابس جلدية ضيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولقد مرت سنوات طويلة على أفلام بوند بالفعل. إذ إنها قديمة مثل الـ"بيتلز" Beatles والـ"رولينغ ستونز" Rolling Stones. ويؤكد التاريخ أن العرض الأول لفيلم "دكتور نو" Doctor No في المملكة المتحدة، صادف في 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1962، اليوم نفسه الذي أطلقت فيه فرقة الـ"بيتلز" أول أغانيها المنفردة "لوف مي دو" Love Me Do.

من السهل جداً السخرية من الطريقة الفظة التي يُسوق فيها لبوند حاضراً. وبالنسبة إلى الفيلم الجديد تحديداً، فقد ارتبط اسمه بنسخة مبتكرة من الفوشار أو ما يُعرف بـ"فوشار007 بالمارتيني الجاف" المحضر على طريقة "لا وقت للموت"، بمعنى أنه يأتي "مفرقعاً لا مخفوقاً" و"مغطىً بطبقة من الكراميل اللزج ومشبعاً بخليطٍ من جِنْ حقيقي 5 في المئة وفودكا مع عصرة ليمون حامض". وبغض النظر عما إذا كان هذا الفوشار سيُباع للقاصرين أو سيتسبب بالسُكْر في حالة تناول كمية كافية منه، فإن المفهوم بحد ذاته مزعج وصعبٌ تقبله.

وقد حدا ذلك بإدغار رايت، مخرج فيلم "شون الميت" إلى انتقاد طريقة تسويق المنتجات في أفلام بوند في وقتٍ سابق من الأسبوع الحالي. ولا بد من الاعتراف أن انتقاده كان صائباً وفي محله. "أنتم تعلمون أنكم ستُشاهدون إعلاناً عن ساعة يد وإعلاناً عن جعة وإعلاناً ثالثاً عن سيارة قُبيل عرض فيلم بوند الجديد "لا وقت للموت". وفي كل واحد من هذه الإعلانات، سترون مقطعاً مأخوذ من الفيلم الذي يُفترض بكم مشاهدته". وقد أورد رايت ذلك في أحد مؤتمرات عارضي السينما، في إشارة إلى الإعلانات السينمائية التي يُمكن أن تحتوي على مقاطع من الفيلم الذي يليها.

وفي المقابل، لم يسمح ويلسون (ربيب كوبي بروكولي) وبروكولي (ابنة كوبي) للإعلانات بالتمادي أبداً في استغلال أفلام جيمس بوند. ومنذ عدة أعوام، كشف ويلسون خبايا "رعاية حقوق الامتياز" خلال حدثٍ من تنظيم "المجلس الاستشاري البريطاني في الشؤون السينمائية" (BSAC). وأكد أنه "ما من مفتاحٍ سحري" يُعولون عليه للإبقاء على نجاح أفلام بوند، كما أنه من غير الحكيم تطبيق الصيغة نفسها التي نجحت في أحد الأفلام، على شريط آخر من السلسلة نفسها، إذ يُمكن لتلك الخطوة أن تُسبب "كارثة وتواطؤاً".

واستطراداً، بدأ ويلسون وباربرا بروكولي يشعران بالانزعاج من المسار "الخيالي" الذي سلكه بوند في آخر حقبة بيرس بروسنان، وتحديداً في فيلم "مت في يومٍ آخر" Die Another Day (2002) الذي اشتهر بسيارته الخفية [التي وُصِفَتْ في الفيلم بأنها] "الاختراع الأسمى في الهندسة البريطانية". وأثناء التحضير لـ"كازينو رويال" Casino Royale، طلب الاستديو إجراء بحوث وإعداد تقرير بشأن ما يتمناه الجمهور من بوند.

وقد بين ويلسون أن "النتائج أظهرت لا مبالاة الرأي العام بالبوكر [لعبة بوند المفضلة]، ويعتبر تغيير الممثل الرئيسي مخاطرة كبيرة، ولأجل التخفيف من وطأة تلك هذه المخاطرة، من المستحسن عدم المس بعناصر الفيلم الأساسية كالأسلحة وفتيات بوند والنكات القصيرة وكيو والآنسة مونوبيني. وكذلك بينت النتائج أن الجمهور لا يأبه بأن تكون لبوند علاقة عاطفية جدية مع امرأة واحدة". ومع ذلك، لم يشأ ويلسون وباربرا بروكولي الأخذ بالنتائج وقررا بدل ذلك اتباع غريزتهما والعودة إلى شخصية "العميل 007" وفق ما وصفها إيان فليمينغ في كتابه، بمعنى أن تكون "هادئة وقاسية وعطوفة وتهكمية وقدرية". إذ أكد كوبي بروكولي لهما أكثر من مرة أن بوند هو "النجم"، ما يعني أن بوند أكبر من كل ممثل أو كاتب أو مخرج. لذا يقتضى التركيز على شخصيته عوض التلهي بالمهرجان من حوله. 

واستناداً إلى ذلك، جرى الاستناد إلى مقاربة التشذيب والعودة إلى الأساسيات في فيلم "كازينو رويال"، وقد تجسدت في اختيار الممثل دانييل كريغ لدور بوند بدلاً من بروسنان، صاحب الشخصية المبهجة. واعتُبِر ذلك بمثابة مخاطرة كبيرة، لكنها نجحت في بث الحركة في تلك السلسلة السينمائية. وربما حان الوقت الآن لاعتماد تلك المقاربة عينها من جديد!

وبالتأكيد، يجسد "لا وقت للموت" نهاية الدورة الحالية لأفلام بوند. إذ يؤدي كريغ شخصية "العميل 007" للمرة الخامسة والأخيرة. وإذا استمر في أداء ذلك الدور مدةً أطول، فسيكون في عمر مور نفسه تقريباً في "رؤية للموت".

وكما ذُكر باستفاضة، واجه الفيلم مشكلات كثيرة قبل وقتٍ طويل من ظهور فيروس كورونا على الساحة العالمية. وهذا ما حصل ويحصل عادةً مع أفلام بوند، بمعنى أن المشكلات جزء لا يتجزأ من خلفيتها الدرامية وأسطورتها. وعندما يتعلق الأمر ببوند، هناك دائماً إحساس بالمرارة والجيشان وراء الكواليس. صحيح أن أسرة بوند مترابطة، لكن أفرادها معتادون على الإنقلاب ضد بعضهم بعضاً. وفي إحدى المرات، نقلت إحدى الصحف عن شون كونري [الممثل الأشهر في أداء دور جيمس بوند] قولاً شهيراً مفاده بأنه لو كان دماغ كوبي بروكولي مشتعلاً، "لما تبول في أذنه لإخماد النيران". يظهر أن كونري آنذاك كان ممتعضاً لأنه لم يتلقَ أجراً كافياً على أدائه أحد أدواره في تلك الأشرطة.

والأرجح أن الضرر الأكبر للسلسلة تأتى من النزاع الطويل بين المنتجين وكيفن ماكلوري. "شابٌ إيرلندي وسيم... يُخفي طموحاً وحنكةً هائلين خلف ابتسامته المصبوغة بسمرةٍ جميلة" وفق وصف دونالد زيك، كاتب السيرة الذاتية لكوبي بروكولي.

  وقد انخرط ماكلوري في خلافات مع كوبي بروكولي وهاري سالتزمان لعقودٍ طويلة. فبعد فوزه بدعوى قانونية ضد فليمينغ، ضمن لنفسه حقوق تحويل رواية "ثاندر بول" Thunderball إلى فيلم بعنوان "أبداً لا تقل أبداً مرةً أخرى" Never Say Never Again. وظل حتى وفاته في 2006، يُهدد بنسج مزيد من التعديلات حول قصة بوند وإرساء عالمٍ بديل له. شكل ماكلوري مصدر خوفٍ كبير لبروكولي وسالتزمان، لكنه شكل لهما أيضاً مصدر تحفير، إذ ما عرفا طعم الراحة والهناء بوجوده الدائم في الخلفية.

ولم تقف الخلافات في سلسلة بوند عند هذا الحد. وقد اختلف كوبي بروكولي وهاري سالتزمان أكثر من مرة حول المسائل المالية، ولكن علاقتهما المتزعزعة لم تؤثر البتة في عملهما.

وبالعودة إلى "لا وقت للموت"، فقد سجل إنطلاقة سيئة بعدما انسحب منه المخرج الأساسي داني بويل الذي اختلف مع المنتجين على مسار تطور الرواية، شأنه شأن كاتب السيناريو جون هودج (من أشهر أعماله: "قبر ضحل" Shallow Grave و"تراينسبوتينغ" Trainspotting.

والمعروف عن أفلام بوند أن الفوضى والحظ السيء اللذان يُصيبانها في البداية غالباً ما يتحولان إلى فائدة لها في النهاية. إذ ترك رحيل بويل وهودج مهمة الكتابة بين يدي نيل بورفيس وروبرت وايد اللذان عملا على السلسلة لأكثر من 20 عاماً، منذ شريط "العالم لا يكفي"  The World is Not Enough في 1999. وكذلك ارتفعت وتيرة الإثارة مع انضمام المخرج الجديد كاري فوكوناغا وفيبي والر-بريدج (من سلسلة "فليباغ" Fleabag)  إلى التركيبة الجديدة. ولولا التأخير، لما جرى اختيار رامي مالك لدور الشرير لأن جائزة الأوسكار التي نالها عن فيلمه "الملحمة البوهيمية" Bohemian Rhaspody التي حولته نجماً عالمياً، ربما جاءت متأخرة.

وحينما بدأ العمل أخيراً على الفيلم رقم 25، تعرض كريغ لإصابة هددت بالتأثير في جدول أوقات التصوير. "كنتُ أجري على رصيفٍ عائمٍ وكان مبللاً، فانزلقتُ ووقعتُ وتمزق كاحلي"، وفق ما أخبر كريغ مجلة "إنترتايمنت ويكلي" عن الحادثة التي ألمت به. وفي العادة، يصيب ذلك النوع من الإصابة الكهول ممن يمارسون الرياضة في نهاية الأسبوع، إذا أدوا تمارين رياضية قاسية غير مألوفة لهم، وليس الممثلين الرياضيين المتمرسين على القتال.

حظيت إصابة كريغ باهتمام الصحافة العالمية. وبسببها، علم الجميع أن العمل على الفيلم الجديد جارٍ على قدمٍ وساق، حتى مع تأجيل تاريخ إصداره في الصالات مرتين.

وحاضراً، تأجل عرض "لا وقت للموت" مرة ثالثة، بسبب الفوضى العارمة المحيطة بفيروس كورونا. وعلى الرغم من ذلك، لن يمنع هذا الأمر الفيلم من الحصول على الجمهور الذي يستحقه، كل ما في الأمر أنه سيتأخر في تحقيق ذلك. وبحسب بعض الآراء، فإن صناع الفيلم الجديد مرتاحون ضمناً لأنهم سيحظون بوقتٍ إضافي لإنهاء العمل على الفيلم والتأني فيه. بصرف النظر عما سيحدث من الآن وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، من المؤكد أن ويلسون وباربرا بروكولي سيبذلان ما في وسعهما للحفاظ على تلك السلسلة السينمائية. وبعد أن يتمكنا من إصدار الفيلم الخامس والعشرين للعميل بوند، صاحب الصحة الجيدة واللياقة البدنية العالية، سيشرعان في التخطيط لإعادة إحياء السلسلة بأفضل طريقة (واختيار ممثلين جدد) في الوقت المناسب لفيلم بوند السادس والعشرين.

من المرتقب إطلاق فيلم "لا وقت للموت" في صالات السينما البريطانية في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

© The Independent

المزيد من سينما