Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللبان الصومالي... جروح الشجر تداوي أمراض البشر

الصنف الأبيض منه يُستخدم للعلاج الروحاني ويتم التعامل معه بحذر شديد

ارتبط اللبان وبخوره بالمراسم الدينية الجماعية (اندبندنت عربية)

اللبان مادة صمغية تنتجها جذوع الأشجار. ويلاحظ الباحث عبد العزيز محمود يوسف، أن "لأشجار اللبان والمرّ أهمية خاصة لدى مجتمعنا، إذ يتوارثها أبناء المناطق الجبلية التي ينمو فيها طبيعياً عن آبائهم الذين ورثوها عن أجدادهم".

وتنقسم الأشجار، وفق يوسف، إلى "محر" يُستخرج منها لبان "بينيو" الذي عرفه المصريون بـ"بونت" وشجرة "يغر". ويُستخرج منها لبان "ميدي"، وشجرة "حغر مدو" يُستخرج منها "المر"، إذ يجرح المعتنون بتلك الأشجار جذوعها في موسم الجفاف من ديسمبر (كانون الأول) إلى مارس (آذار)، لتنساب المادة الصمغية ببطء وتُجمَع في أشهر الصيف من  يونيو (حزيران) إلى سبتمبر (أيلول).

الأهمية التاريخية

إنّ ارتباط اللبان وبخوره بالمراسم الدينية الجماعية في مجتمعات عدّة أمر لافت. ويقول المؤرخ عبد الغني عبد الرحمة ورسمه، إنّ الأجواء العابقة به في الحضرات الصوفية التي تزخر بالقصائد والمدائح للنبي محمد وآل البيت والصحابة والأولياء- في الزوايا والأضرحة، وطواف الشمامسة به بين الحضور في القداديس التي تصدح الجوقات فيها بالترانيم والصلوات، يعيدك دونما عناء كبير، إلى شعور عميق بأنّ تلك اللحظات رافقت الإنسان منذ ظهوره الأول على الأرض، وهو يتطلّع إلى السماء باحثاً عن الأمان وفهم ما يجري من حوله، لذا استخدمه المصريون القدماء في طقوسهم ليس أثناء العبادة فحسب، بل وقرباناً ومادة للتحنيط، وورث عنهم بنو إسرائيل عشق ذلك الراتنج العطري، الذي كأنّما من دونه لا تفتح أبواب السماء لقبول دعواتهم. وقد استخدمه الإغريق والرومان في احتفالاتهم الدينية، بل أنفق الإمبراطور نيرون الروماني، حصيلة عام كامل من اللبان في جنازة محبوبته.

ويشير ورسمه إلى أن أهمّية اللبان في التراث الديني البشري، أخذت مظاهر عدّة دوّنها التاريخ، في قصة الملكة بلقيس والنبي سليمان، والزيارات المتكررة لقدماء المصريين إلى البلاد، كتلك التي قامت بها الملكة حتبشتسوت، وحفظت ذكراها جدران الدير البحري، حتى مع بقايا أشجار اللبان التي حاولت تلك الملكة زراعتها، كتذكار من الأرض التي اعتبرتها أرض آبائها المقدسة.

وعلى مدى قرون، كان يحضر المغامرون الإغريقيون للحصول عليه، مع السلع الأخرى التي كانت تزخر بها البلاد، حتى إنّه في سجلات القرن التاسع عشر، كان يرد طلب التجار اليونانيين البخور للكنائس والسنامكي ليهوديات الروس. وإلى يومنا هذا، ما زال زوار البلاد من مسيحيي الهند، يحرصون على أخذ هدايا وتذكارات من اللبان إلى أهاليهم عند عودتهم، بعد رحلات العمل والتجارة في مدينة بربرة.

اللبان الصومالي

يقول تاجر اللبان زكريا آدم يوسف إن "اللبان أنواع، وهناك صنف خاص هو الـ"ميدي" الأبيض، ويُستخدم للعلاج الروحاني، يتم فصله والتعامل معه بشكل خاص وبحذر، لأنه حين يُستعمل قد يسبّب آلاماً لمستخدمه، ويتيميّز بصفاء اللون، وخروج البخار منه، وهو بذلك قريب من اللبان الذكر الذي يعزو إليه بعض الأشخاص صفات روحية خاصة. وفي مجالنا هذا، كثيراً ما تأتينا طلبات من الكنائس في مصر، عبر مدينة دبي، ومن هناك أعتقد أنه يتم تداول اللبان والمر ليصلا إلى قبرص واليونان وروسيا ونواحيها".

ويوضح الباحث عبد العزيز محمود يوسف، أنّ الصوماليين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كانوا أكبر منتجين ومصدّرين للبان والمر في العالم، لكن سوء الإدارة الذي شاب عمل ذلك الجيل من ورثة الأشجار، أدى إلى المبالغة في استغلالها، وأسهم إلى حد كبير في التأثير في صحة الأشجار، وتراجع إنتاجيتها لاحقاً.

استخدامات اللبان

يُستخدم اللبان تقليدياً كعلاج لمجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والغثيان، والحمى وعسر الهضم والسعال، كما يسهم في سرعة تعافي الأمهات بعد الولادة، وتُستخرج منه زيوت عطرية تساعد في التغلب على القلق والاكتئاب، إضافةً إلى استعماله الأساسي كمعطّر ومعقّم للجو وطارد للحشرات الطائرة بأنواعها، إذ يحرص الصوماليون على استخدامه صباحاً في تعطير منازلهم، بعد أعمال التنظيف، على أن تبقى نوافذ المنزل مفتوحة، بهدف تجديد الهواء داخله، وطرد كل ما هو سلبي من أجوائه. وهم على ذلك لا يفضلون إشعاله مساءً لاعتبارات تراثية، فبقايا المعتقدات القديمة عند البعض تعتبر أنّ إشعال اللبان وقت الغروب إلى هبوط الظلام، قد يجلب ضيوفاً آتين من عالم الأرواح، يمكن أن يحدثوا في المنزل اضطرابات غير مرحّب بها!

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات