الصومال... بلد الثلاثين سلالة من الإبل

يحتفظ الصوماليون بأكبر قطيع إبل في العالم، مقدّراً بسبعة ملايين رأس، ويعامل هذا الشعب تلك الكائنات بتبجيل كبير، كما يستمر الخبراء في الكشف عن ميزاتها وفوائدها الغذائية والطبية، وتبلغ نسبة الحجم العضوي للإبل 55 في المئة من مجموع العاشبات التي يربيها الصوماليون، كما تعود علاقتهم بالإبل إلى العصر الحجري، إذ تشير رسومات "كهوف لاسغيل laas geel" من تلك الفترة، إلى بداية اهتمام الإنسان في شبه الجزيرة الصومالية بذلك الكائن العاشب الضخم، إضافةً إلى قطعان البقر الكبيرة التي كان يعتني بها حينها، لذا يرى الصوماليون أنّهم أوّل من استأنس الإبل، ونقل استخدامها إلى حضارات وادي النيل، ومن هناك انتقلت إلى آسيا قبل خمسة آلاف سنة.

سلالات الإبل التي يربيها الصوماليون تبلغ ثلاثين سلالة، وتتوزع بنسب متفاوتة في مجموع القطيع العام، البالغ سبعة ملايين رأس، وتنقسم في ألوانها إلى تسعة أنواع، وتتمايز تلك السلالات في حجمها وإنتاجها من اللحم والحليب، وطباعها وذكائها، وقدرتها على تحمل الحرارة والجفاف والغبار وأنواع المراعي، وسرعتها في العدو، ونوع الحمولة التي تتخصص في حملها، ما بين الأحمال الثقيلة، وحمل الأطفال وصغار الأغنام، وتفاضلها في السير عبر السهول الرملية أو في الممرات الجبلية الوعرة وغيرها.

الإبل في التراث

ويتجلّى حب الصوماليين للإبل في ما ورد في تراثهم من قصص عن مراثي ومراسم دفن أقاموها لأعز إبلهم، بل وأطلقوا على بلادهم اسماً مميزاً، كان بالعادة يُطلق على نفائس النوق، فسمّوا بلادهم "مانديق" أي المذهلة، كما في قصيدة شاعر القصائد الوطنية الأبرز عبدالله سلطان تيماعدي، رداً على التهديدات التي أطلقتها الإمبراطورية الإثيوبية في ستينيات القرن الماضي، لغزو المناطق المحررة من الصومال، كما أن الشاعر عبدي إيدان فارح أسبغ صفات الناقة على الوطن الصومالي، أثناء وصفه الدولة الرشيدة التي ستقوم، وذلك في قصيدته "هنقط" التي ألقاها تخليداً لرفع العلم الصومالي في 26 يونيو (حزيران) 1960 إيذاناً باستقلال أول إقليم حر. ولا يمكن المرور بالشعر الصومالي المتغني بالإبل، من دون الحديث عن الشاعر علمي إسماعيل ليبان بوطري، الشاعر المتوفى عام 1940 والذي راح ضحية العشق، مسبغاً صفات كرام النوق على محبوبته، محاولاً بذلك تجنّب التصريح بشمائلها، وهو ما كان يُعتبر مسيئاً، وماساً بالشرف بحسب الأعراف الصومالية حينها، فلم يجد الشاعر سوى أعزّ ما لدى الصومالي ليكني بوصفها خصائل محبوبته النبيلة، كل هذا مصداق للمقولة التراثية التي تقول: لو لم يعبد الصوماليون الله، لعبدوا الإبل!

مصدر غذائي

من حيث اللحوم، يقول الدكتور محمد فائد، أستاذ سابق في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة "إن لحومها أعلى أنواع اللحوم جودة، نظراً إلى قلة محتواها من الكوليسترول، بحيث تفوقت على لحوم النعام"، وفي حين أن ألبان الإبل مقاربة لألبان البقر، إلاّ أنّها تفوقها، في محتواها من الفيتامينات سي و بي، والكالسيوم والحديد والبوتاسيوم، وهو ما تقره منظمة الغذاء العالمية (الفاو) والمجلس الدولي للإنتاج الحيواني (أيكار) في تقرير صدر بتاريخ 2004. يقول التقرير في جانب منه "في الوقت الحاضر، تتمتع منتجات الإبل بمزايا متزايدة بالمقارنة بغيرها من المنتجات الحيوانية التقليدية. وفي الواقع، فإن أسواق منتجات الجمال من اللحوم والحليب والوبر والجلود، تتوسع بسبب المشاكل الصحية للمنتجات الأخرى من الماشية والأغنام والدواجن".

مآل الإنتاج

تتميز الإبل بحبها للتجوال والرعي عبر مسافات طويلة يومياً، تصل أحياناً إلى 40 كيلومتراً، وهو ما يجعل من العَصي تربية أعداد كبيرة منها، في حظائر ومزارع بالطرق التقليدية المتبعة. لذا، فإن تلك العاشبات الضخمة تفرض على أصحابها التكيف مع طبيعتها الخاصة تلك، والسماح لها بالتجوال والرعي بحرية، ما يقلل إمكانية تغيير طبيعتها في التغذية، وتبقى الأعلاف المعدة مسبقاً مجرّد تغذية إضافية لها، لصعوبة نقل الأعلاف خلفها في المراعي الشاسعة خلال تنقلها، على اختلاف المواسم وفصول السنة، وذلك ما يبقي صناعة تربية الإبل محتفظة بعضويتها، نظراً إلى قلة التدخل البشري في طبيعة تغذيتها، وقلة الجدوى الاقتصادية لتقديم البرامج البيطرية الحديثة والتفصيلية للقطعان.

علاج للتوحد

أشارت دراسة صدرت في أغسطس (آب) 2014، من قبل باحثين في مركز أبحاث وعلاج التوحد في جامعة الملك سعود بالرياض، إلى أن ألبان الإبل تلعب دوراً مهماً في التخفيف من أعراض التوحد، والتقليل خلال أسبوعين فقط من التفاعلات البيوكيميائية العصبية المؤدية إلى نوبات القلق لدى الأطفال المشخصين، ما يؤدي إلى التحسن الملحوظ عند الأطفال المصابين بمرض التوحد، والذين تناولوا حليب الإبل، بخاصة في التواصل الاجتماعي والتواصل البصري والتفاعل الاجتماعي. كما أشار أحد المواقع الأميركية المهتمة بألبان الإبل "بسبب الحساسية المتكررة من الألبان لدى الأطفال المصابين بالتوحد، قد يوفر حليب الإبل حلاً طبيعياً، إذ غالباً ما يكون البروتين (بيتا-كازين) المسبب للالتهابات المزعجة شائعاً في حليب البقر، إلاّ أنّه غير موجود في حليب الإبل، و لهذا السبب، يشكّل حليب الإبل تغييراً غذائياً طبيعياً، للمساعدة في التعامل مع الحساسيات الغذائية الموجودة عادة لدى المصابين بالتوحد"، وذلك ما يبرر عدم تحول مجموعة من اضطرابات طيف التوحد إلى مشكلة لدى الأسر الصومالية داخل البلاد، على عكس نظيرتها في البلدان التي لا يوجد فيها حليب الإبل بوفرة.

الغضب من أستراليا

مع تنفيذ السلطات الإسترالية مشروع إبادة الإبل البرية في صحاريها، مع بداية السنة لمواجهة الجفاف، وسطو القطعان على مخزونات المياه في الصحارى الشاسعة في تلك القارة، تصاعد الغضب الصومالي العفوي، على ما بدر من سلطات تلك البلاد، وارتفعت وتيرة التفاعل في شبكات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام الصومالية، ومن بينها، مطالبات بأن تنقل أستراليا الإبل إلى الصومال إن كانت في غنى عنها. وفي خضم اللغط الدائر حول تلك الممارسات الأسترالية الفظيعة في نظر محبي الإبل، نظم موليد مورجين، الشاعر الصومالي قصيدة باللغة الصومالية، تعبيراً عن موقف شعبه، من التفريط الأسترالي في ذلك الكائن النبيل والعزيز على قلوب الصوماليين، تُرجمت إلى العربية إذ قال:

"إن الإبل التي تبيدها أستراليا
ممعنة في قطع رؤوسها

وقنص بعيرها وناقتها وعقودها

والفاجعة المذهلة التي يشهدها العالم

إن كان في وسعي (منع ذلك)

لما تمت مطاردتها

لكنهم (الأستراليون) يعلمون أن قائدنا قد بات في اللحد

وما كان رضي الإنجليز (الذين يعرفوننا) بقتل الإبل

ومنذ الآن سننظر ما جنت، أستراليا وعواقبها

فلو كان لي قدرة، ما اجترأتِ للحظة على مطاردتها

وإبل كان مثلها لجدّي ما تمت إبادتها

ولتفعل أستراليا ما شاءت
فلنا موعد لمحاسبتها على جنايتها"