Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معرض الدار البيضاء للكتاب يستعيد مقولة الثقافة المحلية

موريتانيا ضيف شرف ديبلوماسي... غياب الشباب وشكوى من غلاء الاسعار

من جو معرض الدار البيضاء للكتاب (اندبندنت عربية)

يبدو أن المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، إختار في دورته السادسة والعشرين أن يستعيد مناقشة الثقافة المحلية، مولياً الأهمية للنتاج الثقافي والإبداعي الوطني. فقد خصص عدداً من الندوات للحديث عن أسئلة الثقافة المغربية في أشكالها المتنوعة. ويبدو ذلك واضحاً منذ المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها المؤرخ عبد الحق المريني وحملت عنوان: "ومضات على التراث الشعبي المغربي" مروراً ببقية الندوات الموزعة على أيام التظاهرة: "المنجز المغربي في المسرح وسؤال الخصوصية والتجريب"، "المنجز الشعري في المغرب وسؤال التجاوز"، "أسئلة الإبداع عند الكاتبة المغربية"، "حضور المغاربة في القدس، الرموز والدلالات"، "دور الثقافة في التنمية المحلية"، "راهن التفكير الفلسفي في المغرب"، "الرواية في جنوب المغرب"، "المنجز وسؤال الذات في الفلسفة المغربية المعاصرة"، "القراءة في المغرب، التشخيص وآفاق الدعم"، "صناعة الكتاب الأمازيغي"، "الكتابة السيرية في الأدب المغربي المعاصر"، "النهوض بالثقافة الحسانية"، وندوات أخرى عن المسرح الجامعي في المغرب والمكون العبري في الثقافة المغربية ومظاهر التجديد في الإبداع الأمازيغي والزجل والتشكيل المغربي وغيرها من المواضيع التي تصب في مجرى واحد يحركه سؤال الثقافة المحلية. شارك في هذه الندوات مفكرون وكتاب مغاربة من قبيل سعيد يقطين، عبد القادر الشاوي، ربيعة ريحان، عائشة البصري، عبد الكريم الأزهر، أحمد المديني، زهور كرام، عبد الكريم جويطي، عبد الرحمن بن زيدان، إدريس كثير، وغيرهم.

ولأول مرة اختارت الوزارة أن تكرّم عدداً كبيراً من الكتّاب المغاربة من مختلف جهات البلاد، ولم تقتصر في ذلك على الأسماء المعروفة، بل انفتحت على العديد من الأسماء من جغرافيات وأجيال مختلفة.

وفي سياق الوفاء لعدد من الكتّاب المغاربة الذين رحلوا في الفترة الأخيرة تم تخصيص لحظات استعادة أبرزها ندوة الشاعر والإعلامي الراحل عبد الحميد بنداود، والشاعر محمد لقاح، والصحافي محمد باهي، والشاعر والروائي محسن أخريف الذي وافته المنية إثر صعقة كهربائية من الميكروفون خلال ندوة بعيد الكتاب بتطوان الربيع الماضي. كما خصص المعرض في دورته الجديدة ندوة لكل كاتب من الذين فازوا بجائزة المغرب للكتاب في فروعها المختلفة شعراً وسرداً ونقداً وفكراً وترجمة. وفي باب الإصدارات تم تخصيص حصص احتفائية بالكتب الجديدة لأسماء من المغرب من بينها: الباحث عبد القادر الفاسي الفهري، الشاعر والروائي محمد الأشعري، الشاعر صلاح بوسريف، الكاتبة نفيسة الذهبي، الكاتب إدريس الكراوي، وغيرهم.

واحتفت الدورة الجديدة بأسماء مغربية أساسية عبر تخصيص ندوات تناقش تجاربها مثل عبد الله العروي وعبد الفتاح كيليطو والراحل عبد الكبير الخطيبي. وفي تلاقح ثقافي ولغوي فريد وغريب، ترجم الكاتب الفرنسي فرانسيس غوين إلى اللغة العربية كتاب "قطائع" الصادر بالفرنسية للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو. وقد خصصت إدارة المعرض جلسة شارك فيها الكاتب ومترجمه وناقشا خصوصيات هذه التجربة.

حضور شعري

يخصص المعرض تظاهرات لفئات معينة كالمرأة والطفل. غير أن فئة عريضة من المجتمع لا يتم الانتباه إليها بالشكل المرغوب. يتعلق الأمر بالشباب. فقد عرف المجتمع المغربي مع الأجيال الجديدة تحولات كبيرة على المستوى الثقافي والاجتماعي. وهي التحولات التي لا يتم الوقوف عندها في ندوات المعرض ونقاشاته بشكل خاص، وفي معظم التداولات الفكرية والثقافية في المغرب الراهن بشكل عام. هناك عالم شبابي يبدو مجهولاً لدى الكبار الذين يحسون على الدوام بأنهم يملكون فيه سلطة القرار والتوجيه. والحقيقة أن طرائق تفكير شباب اليوم وأذواقهم وأساليب عيشهم وتفاعلاتهم ونظرتهم إلى الحياة وإلى المجتمع الذي يعيشون فيه كلها أشياء تحتاج منا إلى الإصغاء والاستيعاب، حتى لا يحس هؤلاء الشباب بما يشبه القطيعة أو الحاجز النفسي والاجتماعي والثقافي أيضاً بينهم وبين جيل الآباء من جهة، وبين السياق الفكري العام في البلاد من جهة ثانية. لذلك تبدو معظم محاور ندوات المعرض مخصصة لقضايا تبدو في غالبيتها بعيدة من اهتمامات الأجيال الجديدة. والحقيقة أن الوزارة اليوم صارت مجبرة على الانتباه إلى قضايا الشباب خصوصاً أنها صارت تحمل اسماً جديداً يرتبط بهم: "وزارة الثقافة والشباب والرياضة".

يختلف الحضور من قاعة إلى قاعة بحسب الضيف أحياناً وطبيعة الموضوع في أحيان أخرى. لذلك تجد فضاء مكتظاً بالحاضرين، بينما تجد بالمقابل أن عدد الضيوف في بعض الفضاءات يختلف كثيراً عن عدد  الجالسين في المنصة. واللافت في نشاطات معرض الكتاب هو الحضور الهائل للجمهور في الأمسيات المخصصة للقراءات الشعرية، في تفنيد لفكرة انقراض جمهور الشعر. هذه الأمسيات شارك فيها شعراء وشاعرات من داخل العالم العربي وخارجه، من بينهم الفلسطيني طه المتوكل، الكولومبي خورخي طوريس ميدينا، العراقي عبد الهادي سعدون، البريطانية ليندا فرانس، التونسية آمال موسى، البلجيكي كارل نوراك، الموريتانية ليلى شغالي، المصري شعبان يوسف، والمغاربة محمد بنطلحة، حسن الوزاني، عبد المجيد بنجلون ياسين عدنان وسكينة حبيب الله وغيرهم.

إضافة إلى الحضور المغربي الطاغي حضرت الثقافة العربية والعالمية في نقاشات أخرى داخل ندوات ركزت على الترجمة وأدب الرحلة والشعرية العربية والحداثة وراهن القصة في العالم العربي وثقافة الصحراء والأدب والموسيقى والإسلام والغرب، والأدب في أميركا اللاتينية. و تم تقديم جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي ينظمها المركز العربي للأدب الجغرافي وجائزة سركون بولص للشعر وترجمته التي فاز بها الشاعر والمترجم التونسي آدم فتحي. وكانت موريتانيا ضيف شرف الدورة السادسة والعشرين من معرض الكتاب في الدار البيضاء، وإن كان حضورها قد عرف تركيزاً على الجانب الديبلوماسي عوض تقديم وجوه وتجارب مهمة تمثل تحولات الثقافة الموريتانية.

وشارك في الدورة الجديدة 700 ناشر بعرض أكثر من مئة ألف عنوان، غير أن رواد المعرض كانوا يرون أن الكتاب يعرف غلاء في الأسعار قياساً بمتوسط دخل المواطن المغربي. وهذا يؤثر بالضرورة في حجم المبيعات. في السياق عبرت بعض الجمعيات الثقافية الأهلية عن إقصائها من نشاطات المعرض، الذي يشرك في تنظيم تظاهراته في معظم الدورات هيئات رسمية تابعة في معظمها للدولة. غير أن هذا لا ينفي عموماً أن معرض الدار البيضاء للكتاب يظل الحدث الثقافي الأبرز، بل هو مؤشر الدخول الثقافي المتأخر الذي ينطلق عادة في (سبتمبر- أيلول / أكتوبر- تشرين الأول) في بلدان الجوار الأوروبي.

المزيد من ثقافة