يراهن الاقتصاديون على البنوك المركزية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ للكشف عن جولة من تخفيضات أسعار الفائدة في الربعَين المقبلَين لتعويض الأثر السلبي لفيروس كورونا، الذي أدّى بالفعل إلى تباطؤ الأعمال، وإغلاق المصانع الكبرى في جميع أنحاء المنطقة.
صُنّاع السياسات المالية بالعالم باتوا في مواجهة المجهول، فلا يمكن لأحد التنبؤ بمسار المرض، إن كان سيتراجع أو تتسع رقعة تفشيه حول العالم، وإحدى المشكلات المتعلقة بتقييم النظرة الاقتصادية لفيروس كورونا هي "عدم اليقين الكبير" بشأن التوقعات الوبائية.
الصين، مصدر فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، تجد نفسها مضطرة بفعل تداعيات المرض إلى زيادة الإنفاق المالي، وخفض أسعار الفائدة، وسط توقعات بأن يكون لتفشي المرض تأثيرٌ مدمرٌ في نمو الاقتصادي للصين بالربع الأول من العام.
النمو الاقتصادي الأميركي مُهدد
وفي الولايات المتحدة الأميركية، ورغم تطمينات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأخيرة التي قدَّم خلالها تقييماً متفائلاً للاقتصاد الأميركي، مع تحذيره من المخاطر التي تهدد سلاسل الإمداد العالمية جراء توقف الإنتاج في الصين، ربما يجد باول نفسه مضطراً هو الآخر إلى خفض أسعار الفائدة لتخفيف الألم عن الأسواق الأميركية، خصوصاً بعد اعترافه بأنه يمكن لفيروس كورونا أن "يُوقف النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة".
وكانت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأميركية، التي تحدد أسعار الفائدة، خفّضت أسعار الفائدة مرات ثلاث في عام 2019، لحماية الاقتصاد الأميركي من الأضرار المرتبطة بالحرب التجارية الأميركية مع الصين.
ويذكر أن الاقتصاد الأميركي استقرّ منذ خفض أسعار الفائدة، وساعده أيضاً اتفاق تجاري جزئي وُقّع أخيراً مع الصين كان من شأنه تخفيف بعض التوترات بين القوى الاقتصادية العالمية الكبرى.
"كورونا" يهدد اقتصاد الصين
اندلع كورونا بالصين في وقت كانت تواجه فيه البلاد تراجعاً بنموها الاقتصادي، ورُغم استجابة السلطات الصينية إلى الوباء، خصوصاً حظر السفر وإغلاق الأعمال، فإنه وحتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، (إذ تُجرى السيطرة على الوباء بسرعة، وتعود الأمور إلى طبيعتها قريباً)، يُعتقد أن بنك الشعب الصيني سيحتاج إلى خفض أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام.
وكان التقرير النصف السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى الكونغرس، الذي صدر أخيراً، أشار إلى هشاشة قطاع الشركات والمؤسسات المالية بالصين، الأمر الذي ربما يجعل الاقتصاد الأميركي عرضةً للتطورات السلبية الحادثة بالصين.
وقال التقرير، "بسبب حجم الاقتصاد الصيني، فإن الضغوط الكبيرة بالبلاد ربما تمتد إلى الأسواق الأميركية والعالمية من خلال تقليص الرغبة في المخاطرة، وارتفاع قيمة الدولار الأميركي، وتراجع أسعار التجارة والسلع الأساسية".
النمو الاقتصادي في الصين أصبح، بلا شك، على المحك مع تأثير الفيروس في نشاط الشركات الصينية.
وتنبأ بنك غولدمان ساكس، هذا الأسبوع، بحدوث انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 5.5 في المئة من 6.1 في المئة المتوقعة بنهاية عام 2019 إذا ما تفاقمت أزمة (كورونا).
أسعار الفائدة بين خفض وترقب
تداعيات فيروس كورونا على شركات الطيران والسياحة والنقل والشحن والمصانع والمال في العالم، حفّزت بنوكاً مركزية على الإسراع إلى خفض أسعار الفائدة، خصوصاً في الدول التي ترتبط اقتصاداتها بشكل كبير بأداء الاقتصاد الصيني، إذ سارع البنك المركزي الفلبيني إلى خفض أسعار الفائدة، ليصبح أحدث بلد في جنوب شرقي آسيا يطبق تخفيفاً نقدياً، استجابة إلى تفشي فيروس كورونا.
كما خفّض البنك المركزي التايلاندي في مطلع فبراير (شباط) الحالي سعر الفائدة الرئيس للإقراض بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 1 في المئة، قائلاً "اقتصاد البلاد سوف يتوسّع بمعدل أقل بكثير في عام 2020 عمّا كان متوقعاً في السابق".
وأشارت السلطة النقدية في سنغافورة، إلى أن عملتها "ربما تنخفض" داخل نطاقها المحدد بسبب تفشي المرض.
ومِن المُحتمل أن تكون أسعار الفائدة البريطانية منخفضة نسبياً بعض الوقت، وأي تعديل تصاعدي سيكون "متواضعاً"، وفقاً لما صرح به محافظ بنك إنجلترا مارك كارني، لمجلس اللوردات يوم الثلاثاء الماضي، إذ أشار إلى أن "الاقتصاد البريطاني سيستفيد من المزيد بالاستثمار من القطاعَين العام والخاص".
وقال محافظ بنك إنجلترا، إن قلة الاستثمار في السنوات الأخيرة واحتمال إعادة تنظيم الاقتصاد مع قيام بريطانيا والاتحاد الأوروبي ببناء علاقة جديدة يمكن أن يؤثرا في الإنتاجية على المدى القصير.
وفي ما يتعلق بفيروس كورونا، قال كارني "الأوبئة عادة ما يكون لها آثارٌ كبيرة في النمو العالمي، لكن يُجرى استرداد كثير منها بالفصول اللاحقة".
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي حافظ بنك إنجلترا على سعر الفائدة عند 0.75 في المئة، وعدّل توقعات إجمالي الناتج المحلي لأعوام 2020 و2021 و2022.
ويراقب البنك المركزي الأوروبي تطورات انتشار فيروس كورونا بأوروبا، وكان البنك أعلن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، أكبر حزمة من تخفيضات الأسعار والتحفيز الاقتصادي خلال ثلاث سنوات، عندما حذّر الرئيس ماريو دراجي الحكومات الأوروبية من أنها بـ"حاجة إلى التحرّك بسرعة لإحياء النمو الهش بمنطقة اليورو".
وكان المركزي الأوروبي خفّض أسعار الفائدة أكثر فأكثر (بالمنطقة السلبية)، وأحيا برنامجه المثير الجدل البالغ 2.6 مليار يورو لشراء السندات فترة غير محدودة، في مؤشر إلى القلق بشأن صحة الاقتصاد العالمي.
في حين ترك بنك اليابان سعر الفائدة الرئيس على المدى القصير من دون تغيير عند -0.1 في المئة، وأبقى الهدف عائد السندات الحكومية اليابانية مدة 10 سنوات عند نحو صفر في المئة خلال اجتماعه في يناير (كانون الثاني) الماضي.
ورفع البنك المركزي أيضاً تقديره نمو السنة المالية 2021، بينما بقيت توقعات الأسعار ثابتة، ما يدل على أن التضخم سيظل تحت هدف اثنين في المئة على الأقل حتى أوائل عام 2022.