Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثة مسارات حكومية في السودان لضبط الأمن وتحقيق الاستقرار

على الرغم من القرارات الحكومية الأخيرة، خرج الآلاف من السودانيين في تظاهرات احتجاجية، ظهر الأحد، في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى

مرتدياً بزته العسكرية التي تحمل رتبة المشير، خاطب الرئيس السوداني عمر البشير، صباح الأحد، الحكام العسكريين لولايات البلاد الـ 18، الذين عيّنهم فجر السبت.

وقال البشير في خطابه، خلال أداء الحكام القسم، إن "كل الفرص متاحة أمام الحكام الجدد لاختيار من يعينونهم في الإدارة، وأخذ وقتهم في اختيار أصحاب الكفاءات لتولي المناصب، حتى يتمكنوا من تحقيق تطلعات المواطنين، مع التنبيه إلى تقليل المناصب".

وقال الفريق هاشم عثمان الحسين، حاكم ولاية الخرطوم، بالإنابة عن الحكام الجدد إن "المرحلة المقبلة مرتبطة بتحقيق الأمن وتوفير الخدمات، وتحقيق الاستقرار بين مكونات المجتمع".

وعيّن البشير، السبت، رئيس وزراء جديداً هو محمد طاهر ايلا، وسمى وزير الدفاع عوض بن عوف نائباً أول للرئيس.

وسبق ذلك إعفاء رؤساء حزب المؤتمر الوطني في جميع أنحاء البلاد وتعيين نوابهم بدلاً منهم، وتأتي هذه الخطوة في إطار فكّ ارتباط منصب حاكم الولاية من منصب رئاسة الحزب فيها.

ومع هذه القرارات، باتت مسارات الحكومة الجديدة واضحة المعالم. إذ ستعمل على ضبط الأمن وتأمين استقرار الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى التمهيد لعملية الحوار التي دعا إليها البشير.

وعلى الرغم من محاولات البشير الإصلاح، اتسعت دائرة الاحتجاجات في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، منذ الجمعة الماضي، وحتى الأحد، عقب إعلان حلّ الحكومة، وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد مدة عام.

قيادة جديدة

ووفق مراقبين محليين، فإن تعيين وزير الدفاع عوض بن عوف نائباً أول للبشير يُعتبر، في هذه المرحلة، تكريساً جديداً لدور الجيش في السلطة في الفترة المقبلة. إذ كان لبن عوف موقف واضح بالوقوف إلى جانب البشير منذ بدء الاحتجاجات، وهو قائد عسكري سبق أن تولى قيادة سلاح المدفعية، وكان مديراً للاستخبارات العسكرية.

واختار البشير لمنصب رئيس الوزراء محمد طاهر، أحد المقربين إليه، ليتولى مهمة تسمية الحكومة الجديدة. وكان طاهر مرشحاً، قبل ستة أشهر، لتولي منصب رئيس الوزراء، أو تعيينه حاكماً على ولاية الخرطوم.

تدهور اقتصادي

يعاني السودان أزمات اقتصادية معقّدة مرتبطة بتدهور قيمة العملة الوطنية، وعجز في الميزان التجاري وندرة في العملات الأجنبية، تفاقمت عقب انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011 عن البلاد، التي أخذت معها نحو 75 في المئة من الموارد النفطية، التي كانت تغذّي خزينة الدولة بنسبة 80 في المئة من موارد النقد الأجنبي، و50 في المئة من الإيرادات العامة.

وتسعى الموازنة السودانية للعام 2019 إلى إبقاء معدل التضخم في حدود 27 في المئة، مع معدل نمو يصل إلى 5.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتسببت أزمة الخبز والطحين وندرة الأوراق المالية والنقود في تفجير احتجاجات شعبية، منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وسط محدودية في الأجور، ما دفع الحكومة في يناير (كانون الثاني) إلى إقرار زيادة في رواتب العاملين في الدولة، بواقع 500 جنيه (10.5 دولار) كحد أدنى، و2500 جنيه كحد أعلى (52.6 دولار) شهرياً.

محاربة الفاسدين

في خطابه الجمعة الماضي، قال البشير إن "التحدي الاقتصادي يطرق بعنف على كل أبواب منازل الشعب". وهذا ما سيدفع إلى "اتخاذ تدابير اقتصادية محكمة ينبغي أن تنفذها حكومة مهمّات جديدة وفريق عمل تنفيذي من كفاءات وطنية مقتدرة".

ووفق تصريحات منسوبة إلى صلاح عبد الله قوش، مدير المخابرات السودانية، فإن إعلان حالة الطوارئ لا يستهدف المحتجين وتقييد الحريات، إنما محاربة الفاسدين والمضاربين بالعملة ومهرّبي السلع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد المحلل الاقتصادي عادل عبد العزيز بأن "القرارات الأخيرة تساعد في وقف المسائل المتعلّقة بالمضاربات في الأسواق والمضاربات بالعملة ومكافحة التهريب". ويرى أن الحكام العسكريين الجدد "يتميزون بالانضباط وتنفيذ القوانين".

ويضرب عبد العزيز مثالاً عن فشل الإداريين المدنيين سابقاً في تنفيذ قرارات رئاسية. إذ "أصدر البشير قرارات بوقف عمليات تحصيل الأموال على الطرقات القومية، لكن الولايات والمحليات كانت لا تنفذ هذه التوجيهات. وهذا ما أثر في كلفة النقل وعطّل حركة نقل الصادرات". ويتوقّع أن ينفذ العسكريون مثل هذه التوجيهات بفعالية كبيرة.

ويتخوف الخبير الاقتصادي محمد الناير من استخدام قانون الطوارئ "بصورة تتجاوز الحدود، ما سيؤدي إلى نتائج عكسية". ويضيف "لو نفّذت بصورة صحيحة داخل مؤسسات الدولة أو الأسواق السوداء ستسهم في تحقيق معالجات، لكن أزمة المضاربات بالعملة وتهريب السلع لن تنتهي بالإجراءات الأمنية وحدها، إنما بإقرار سياسات جديدة وفعالة، والجانب الأمني مكمل لها وليس عنصراً أساساً".

ويرى الناير آثاراً سلبية لقانون الطوارئ، خصوصاً لجهة "تأثيره في مناخ الاستثمارات الأجنبية. فإذا قُلّصت مدّته، فإن ذلك سيسهم في جذب المستثمرين، شرط أن تكون الحكومة التي ستُعيّن، حكومة كفاءات وليست حكومة محاصصات".

إصلاح سياسي

تعهّد حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأن يعمل في الفترة المقبلة على تهيئة الأوضاع السياسية في البلاد أمام جميع القوى السياسية والفصائل المسلحة، التي تقاتل الحكومة في مناطق بإقليم دارفور وولايتين في جنوب البلاد، للتوصل إلى رؤية متكاملة تفضي إلى تداول سلمي للسلطة.

وقال عبد الرحمن الخضر، رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني، إن "الفرص مواتية أمام القوى السياسية والمجتمعية والكيانات المدنية للتقدم برؤاها لتشكيل المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة".

لا جدوى من الحوار

ويرى حسن عثمان رزق، القيادي في حركة الإصلاح الآن وعضو البرلمان السوداني، أن المرحلة المقبلة لن تختلف عن سابقتها. وقال إن دعوة "البشير إلى الحوار لن تنجح طالما أنها في ظل قوانين وإجراءات استثنائية، خصوصاً أن حواراً سابقاً دخلت فيه الحكومة وأقرّ فعلياً مسائل إتاحة الحريات والتداول السلمي للسلطة ومحاربة الفساد، وتكوين النقابات، لكنه لم يُنفّذ".

وذكر أن الرئيس يتجه إلى الاستناد إلى "قادة القوات النظامية، ويباعد بينه وبين حزبه والإسلاميين في البلاد بهدف البقاء في الحكم، لا قيادة حوار يسهم في إنهاء حالة انسداد الأفق السياسي".

وتوقّع رزق "عدم نجاح الحكومة في محاربة الفساد، لأنها أقرّت منذ عامين إنشاء مفوضية قومية لمكافحة الفساد، لكنها لم تُفعّل. كما أن مسائل التعدي على المال العام تُحلّ خارج إطار القانون وعبر الوساطات".

الموقف الدولي من السودان

يشير مراقبون محليون إلى أن الرئيس البشير سيتجه، في المستقبل، إلى تصفية الإسلاميين في الحكم وقمع المحتجين، خصوصاً أن القوى الإقليمية والدولية لم تبدِ تفاعلاً مع الإجراءات الأخيرة، بيدَ أن دول الترويكا (بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة) أعربت في يناير (كانون الثاني) الماضي عن قلقها العميق إزاء ردّ حكومة السودان على الاحتجاجات، والتقارير المروّعة عن وجود وفيات واستخدام الذخيرة الحية ضد المحتجين، وربطت تعاملها المستقبلي مع السودان بالقرارات التي ستُتخذ إزاء ذلك.

وردّت الحكومة على ذلك برفضها هذه التصريحات، التي وصفتها بـ "التهديدات المبطّنة والمرفوضة".

وشهد الأسبوع الماضي موقفاً مطمئناً للسودان من قبل الولايات المتحدة. إذ قال سيريل سارتر، كبير المستشارين لأفريقيا في مجلس الأمن القومي، خلال زيارته الخرطوم، إنه "لن تُفرض أيّ حلول من الخارج على السودان".

ومع كل تلك الإجراءات، تشهد مدن سودانية عدة، منذ ظهر الأحد، احتجاجات مندّدة بتدهور الأوضاع الاقتصادية، ومطالبة بإسقاط البشير، متجاوزة بذلك حالة الطوارئ.

وركّز آلاف المتظاهرين في هتافهم على شعار "جيشٌ واحد، شعبٌ واحد"، في محاولة لاستمالة الجيش إلى الشارع، ما يضع الحكومة الجديدة أمام خيارات اعتماد القوة لتطبيق الإجراءات الاستثنائية، أو ترك المتظاهرين يمضون حتى بلوغ غايتهم.

المزيد من العالم العربي